تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنكُمۡ وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَـٔۡخِرِينَ} (24)

فإنه تعالى يعلم المستقدمين من الخلق والمستأخرين منهم ويعلم ما تنقص الأرض منهم وما تفرق من أجزائهم ،

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنكُمۡ وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَـٔۡخِرِينَ} (24)

ثم أكد - سبحانه - شمول علمه لكل شئ بعد أن أكد شمول قدرته فقال - تعالى - :

{ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ }

والمراد بالمستقدمين من تقدم على غيره ولادة وموتا ، كما أن المراد بالمستأخرين من تأخر عن غيره فى ذلك ، ولم يمت بعد ، أو لم يوجد بعد فى عالم الأحياء .

والسين والتاء فى اللفظين للتأكيد .

وقيل : المراد بهما الأحياء والأموات ، وقيل المراد بالمستقدمين : من تقدم فى الوجود على الأمة الإِسلامية ، وبالمستأخرين : الأمة الإِسلامية .

وقيل : المراد بهما : من قتل فى الجهاد ومن لم يقتل ، وقيل المراد بهما من تقدم فى صفوف الصلاة ومن تأخر . . .

قال الإِمام ابن جرير بعد أن ساق جملة من الأقوال فى ذلك : " وأولى الأقوال عندى بالصحة ، قول من قال : ولقد علمنا الأموات منكم يا بنى آدم فتقدم موته ، ولقد علمنا المستأخرين الذين تأخر موتهم ممن هو حى ومن هو حادث منكم ممن لم يحدث بعد . . . " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنكُمۡ وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَـٔۡخِرِينَ} (24)

ثم قال مخبرًا عن تمام علمه بهم ، أولهم وآخرهم : { وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ }

قال ابن عباس ، رضي الله عنهما{[16137]} المستقدمون : كل من هلك من لدن آدم ، عليه السلام ، والمستأخرون : من هو حي ومن سيأتي إلى يوم القيامة .

وروي نحوه عن عكرمة ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، ومحمد بن كعب ، والشعبي ، وغيرهم . وهو اختيار ابن جرير ، رحمه الله{[16138]}

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن رجل{[16139]} عن مَرْوان بن الحكم أنه قال : كان أناس يستأخرون في الصفوف من أجل النساء فأنزل الله : { وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ }{[16140]}

وقد ورد في هذا حديث غريب جدا ، فقال ابن جرير :

حدثني{[16141]} محمد بن موسى الحَرَشِي ، حدثنا نوح بن قيس ، حدثنا عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة - قال ابن عباس : لا والله ما إنْ رأيت مثلها قط ، وكان بعض المسلمين إذا صلوا استقدموا يعني : لئلا يراها - وبعض يستأخرون ، فإذا سجدوا نظروا إليها من تحت أيديهم ! ! فأنزل الله : { وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ }

وكذا رواه أحمد وابن أبي حاتم في تفسيره ، والترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما{[16142]} وابن ماجة من طرق عن نوح بن قيس الحُداني{[16143]} وقد وثقه أحمد وأبو داود وغيرهما ، وحكي عن ابن معين تضعيفه ، وأخرج له مسلم وأهل السنن .

وهذا الحديث فيه نكارة شديدة ، وقد رواه عبد الرزاق ، عن جعفر بن سليمان ، عن عمرو بن مالك وهو النكري{[16144]} أنه سمع أبا الجوزاء يقول في قوله : { وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ } في الصفوف في الصلاة{ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ } فالظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط ، ليس فيه لابن عباس ذكر{[16145]} وقد قال الترمذي : هذا أشبه من رواية نوح بن قيس{[16146]} والله أعلم .

وهكذا روى ابن جرير عن محمد بن أبي معشر ، عن أبيه : أنه سمع عون بن عبد الله يُذاكر محمد بن كعب في قوله : { وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ } وأنها في صفوف الصلاة ، فقال محمد بن كعب : ليس هكذا ، { وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ } الميت والمقتول و{ الْمُسْتَأْخِرِينَ } من يُخلقُ بَعْدُ ، { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } فقال عون بن عبد الله : وفقك الله وجزاك خيرًا{[16137]}


[16137]:في ت: "عنه".
[16138]:انظر: تفسير الطبري (14/16، 17).
[16139]:في هـ، ت، أ: "عن أبيه أخبرنا" والمثبت من الطبري.
[16140]:تفسير الطبري (14/18).
[16141]:في أ: "حدثنا".
[16142]:في أ: "سننهما"
[16143]:تفسير الطبري (14/18) والمسند (1/305) وسنن الترمذي برقم (3122) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11273) وسنن ابن ماجة برقم (1046).
[16144]:في ت، أ: "البكري".
[16145]:تفسير عبد الرزاق (1/301).
[16146]:سنن الترمذي برقم (3122) وعبارته: "وروى جعفر بن سليمان هذا الحديث، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء نحوه، ولم يذكر فيه عن ابن عباس، وهذا أشبه أن يكون أصح من حديث نوح".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنكُمۡ وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَـٔۡخِرِينَ} (24)

ثم أخبر تعالى بإحاطة علمه بمن تقدم من الأمم ، بمن تأخر في الزمن من يوم أهبط آدم إلى الأرض إلى يوم القيامة ، وأعلم أنه هو الحاشر لهم الجامع لعرض القيامة على تباعدهم في الأزمان والأقطار ، وأن حكمته وعلمه يأتيان بهذا كله على أتم غاياته التي قدرها وأرادها .

وقرأ الأعرج «يحشِرهم » بكسر الشين .

قال القاضي أبو محمد : بهذا سياق معنى الآية ، وهو قول جمهور المفسرين : وقال الحسن : معنى قوله : { ولقد علمنا المستقدمين } أي في الطاعة ، والبدار إلى الإيمان والخيرات ، و { المستأخرين } بالمعاصي .

قال القاضي أبو محمد : وإن كان اللفظ يتناول كل تقدم وتأخر على جميع وجوهه فليس يطرد سياق معنى الآية إلا كما قدمنا ، وقال ابن عباس ومروان بن الحكم وأبو الجوزاء : نزل قوله : { ولقد علمنا } الآية ، في قوم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تصلي وراءه امرأة جميلة ، فكان بعض القوم يتقدم في الصفوف لئلا تفتنه ، وكان بعضهم يتأخر ليسرق النظر إليها في الصلاة ، فنزلت الآية فيهم .

قال القاضي أبو محمد : وما تقدم الآية من قوله : { ونحن الوارثون } وما تأخر من قوله : { وإن ربك يحشرهم } ، يضعف هذه التأويلات ، لأنها تذهب اتصال المعنى ، وقد ذكر ذلك محمد بن كعب القرظي لعون بن عبد الله{[7160]} .


[7160]:أما القرظي فهو محمد بن كعب بن سليم بن أسد أبو حمزة القرظي، المدني، نزل الكوفة مدة، ثقة، عالم، من الطبقة الثالثة، ولد سنة أربعين على الصحيح، قال البخاري: إن أباه كان ممن لم ينبت من بني قريظة. (تقريب التهذيب). وأما عون، فهو عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، خطيب، رواية، ناسب، شاعر، كان من آداب أهل المدينة، وسكن الكوفة فاشتهر فيها بالعبادة والقراءة، كان يقول بالإرجاء، ثم رجع، و خرج مع ابن الأشعث ثم هرب، وصحب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في خلافته. (تهذيب التهذيب ـ الأعلام).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنكُمۡ وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَـٔۡخِرِينَ} (24)

لما ذكر الإحياء والإماتة وكان الإحياء بكسر الهمزة يذكر بالأحياء بفتحها ، وكانت الإماتة تذكّر بالأموات الماضين تخلص من الاستدلال بالأحياء والإماتة على عظم القدرة إلى الاستدلال بلازم ذلك على عظم علم الله وهو علمه بالأمم البائدة وعلم الأمم الحاضرة ؛ فأريد بالمستقدمين الذين تقدموا الأحياء إلى الموت أو إلى الآخرة ، فالتقدم فيه بمعنى المضي ؛ وبالمستأخرين الذين تأخروا وهم الباقون بعد انقراض غيرهم إلى أجل يأتي .

والسين والتاء في الوصفين للتأكيد مثل استجاب ؛ ولكن قولهم استقدم بمعنى تقدم على خلاف القياس لأن فعله رباعي . وقد تقدم عند قوله تعالى { لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } في سورة الأعراف ( 34 ) .

وقد تقدم في طالع تفسير هذه السورة الخبر الذي أخرجه الترمذي في جامعه من طريق نوح بن قيس ومن طريق جعفر بن سليمان في سبب نزول هذه الآية . وهو خبر واهٍ لا يلاقي انتظام هذه الآيات ولا يكون إلا من التفاسير الضعيفة .