تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا مَا قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُۖ وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (118)

وأما الذين هادوا فحرم الله عليهم طيبات أحلت لهم بسبب ظلمهم عقوبة لهم ، كما قصه في سورة الأنعام في قوله : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا مَا قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُۖ وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (118)

قال ابن كثير - رحمه الله - : لما ذكر - تعالى - أنه إنما حرم علينا الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ، وإنما أرخص فيه عند الضرورة ، وفي ذلك توسعة لهذه الأمة التي يريد الله بها اليسر ولا يريد بها العسر - ، ذكر - سبحانه - بعد ذلك ما كان حرمه على اليهود في شريعتهم قبل أن ينسخها ، وما كانوا فيه من الآصار والتضييق والأغلال والحرج ، فقال : { وعلى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ . . } .

أي : في سورة الأنعام فى قوله : { وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ البقر والغنم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الحوايآ أَوْ مَا اختلط بِعَظْمٍ ذلك جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ } ، والمعنى : وعلى اليهود بصفة خاصة ، دون غيرهم من الأمم ، حرمنا بعض الطيبات التي سبق أن بيناها لك في هذا القرآن الكريم ، وما كان تحريمنا إياها عليهم إلا بسبب بغيهم وظلمهم .

وفي الآية الكريمة إبطال لمزاعمهم ، حيث كانوا يقولون : لسنا أول من حرمت عليه هذه الطيبات ، وإنما كانت محرمة على نوح وإبراهيم وغيرهما ممن جاء بعدهما .

وقوله : { من قبل } ، متعلق بحرمنا ، أو بقصصنا .

وبذلك يتبين أن ما حرمه الله - تعالى - على الأمة الإِسلامية ، كالميتة والدم ولحم الخنزير . . كان من باب الرحمة بها ، والحرص على مصلحتها . . أما ما حرمه - سبحانه - على اليهود ، فقد كان بسبب بغيهم وظلمهم .

وقوله - تعالى - : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ، بيان لمظهر من مظاهر عدل الله - تعالى - في معاملته لعباده .

أي : وما ظلمنا هؤلاء اليهود بتحريم بعض الطيبات عليهم ، ولكن هم الذين ظلموا أنفسهم ، حيث تركوها تسير في طريق الشيطان ، ولم يوقفوها عند حدود الله - تعالى - ، فاستحقوا بسبب ذلك ما استحقوا من عقوبات .

وصدق الله إذ يقول : { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ الناس شَيْئاً ولكن الناس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا مَا قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُۖ وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (118)

لما ذكر تعالى أنه إنما حرم علينا الميتة{[16730]} والدم ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به ، وأنه{[16731]} أرخص فيه عند الضرورة - وفي ذلك توسعة لهذه الأمة ، التي يريد الله بها اليسر ولا يريد بها العسر - ذكر سبحانه وتعالى ما كان حَرَّمه على اليهود في شريعتهم قبل أن ينسخها ، وما كانوا فيه من الآصار والأغلال والحرج والتضييق ، فقال : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ } ، يعني : في " سورة الأنعام " في قوله : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا [ أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ] } [ الأنعام : 146 ]{[16732]} ؛ ولهذا قال هاهنا : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } ، أي : فيما ضيقنا عليهم ، { وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ، أي : فاستحقوا ذلك ، كما قال : { فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا } [ النساء : 160 ] .


[16730]:في ت: "المدينة".
[16731]:في ف: "وإنما".
[16732]:زيادة من ت، ف، أ، وفي هـ: "إلى قوله: وإنا لصادقون".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا مَا قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُۖ وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (118)

{ وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } [ الأنعام : 146 ] ، وقوله : { وما ظلمناهم } ، أي : لم نضع العقوبة بتحريم تلك الأشياء عليهم في غير موضعها ، بل هم طرقوا إلى ذلك ، وجاء من تسبيبهم بالمعاصي ما أوجب ذلك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا مَا قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُۖ وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (118)

لما شنّع على المشركين أنهم حرّموا على أنفسهم ما لم يحرّمه الله ، وحذّر المسلمين من تحريم أشياء على أنفسهم جرياً على ما اعتاده قومهم من تحريم ما أحلّ لهم ، نظّرَ أولئك وحَذّر هؤلاء . فهذا وجه تعقيب الآية السالفة بآية { وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل } .

والمراد منه ما ذُكر في سورة الأنعام ، كما روي عن الحسن وعكرمة وقتادة . وقد أشار إلى تلك المناسبة قوله : { وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } ، أي وما ظلمناهم بما حرّمنا عليهم ولكنهم كفروا النعمة فحُرِموا من نِعم عظيمة . وغيّر أسلوب الكلام إلى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لأن جانب التحذير فيه أهم من جانب التنظير .

وتقديم المجرور في { وعلى الذين هادوا } للاهتمام ، وللإشارة إلى أن ذلك حرّم عليهم ابتداء ولم يكن محرّماً من شريعة إبراهيم عليه السلام التي كان عليها سلفهم ، كما قال تعالى : { كل الطعام كان حلاً لبني إسرئيل إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة } [ سورة آل عمران : 93 ] ، أي عليهم دون غيرهم فلا تحسبوا أن ذلك من الحنيفية .