تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ يَـٰٓـَٔادَمُ أَنۢبِئۡهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡۖ فَلَمَّآ أَنۢبَأَهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَأَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ} (33)

فحينئذ قال الله : { يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } أي : أسماء المسميات التي عرضها الله على الملائكة ، فعجزوا عنها ، { فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } تبين للملائكة فضل آدم عليهم ، وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة ، { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } وهو ما غاب عنا ، فلم نشاهده ، فإذا كان عالما بالغيب ، فالشهادة من باب أولى ، { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } أي : تظهرون { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ يَـٰٓـَٔادَمُ أَنۢبِئۡهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡۖ فَلَمَّآ أَنۢبَأَهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَأَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ} (33)

وبعد أن بين القرآن أن الملائكة قد اعترفوا بالعجز عن معرفة ما سئلوا عنه ، وجه - سبحانه - الخطاب إلى آدم ، يأمره فيه بأن يخبر الملائكة بالأسماء التي سئلوا عنها ، ولم يكونوا على علم بها ، فقال - تعالى - :

{ قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إني أَعْلَمُ غَيْبَ السماوات والأرض وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } .

ففي هذه الآية الكريمة أخبرنا الله - تعالى - أنه قد أذن لآدم في أن يخبر الملائكة بالأسماء التي فاتتهم معرفتها ليظهر لهم فضل آدم ، ويزدادوا اطمئنانا إلى أن إسناد الخلافة إليه ، إنما هو تدبير قائم على حكمة بالغة .

وعلم الغيب يختص به واجب الوجود - سبحانه لأنه هو الذي يعلم المغيبات بذاته ، وأما العلم بشيء من المغيبات الحاصل من تعليم الله فلا يقال لصاحبه إنه يعلم الغيب .

وقوله - تعالى - { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إني أَعْلَمُ . . . } إلخ الآية ، استحضار وتأكيد لمعنى قوله قبل ذلك ، { إني أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } . وإعادة له على وجه من التفصيل أفاد أن علمه يشمل ما يظهرونه بأقوالهم أو أفعالهم ، وما يضمرونه في أنفسهم .

وفي قوله : { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ . . . } إلخ تعريض بمعاتبتهم على ترك الأولى ، حيث بادروا بالسؤال عن الحكمة ، وكان الأولى أن يأخذوا بالأدب المناسب لمقام الألوهية ، فيتركوا السؤال عنها إلى أن يستبين لهم أمرها بوجه من وجوه العلم .

ومن الفوائد التي تؤخذ من هذه الآيات ، أن الله - تعالى - قد أظهر فيها فضل آدم - عليه السلام - من جهة أن علمه مستمد من تعليم الله له ، فإن إمداد الله له بالعلم يدل على أنه محاط منه برعاية ضافية ، ثم إن العلم الذي يحصل عن طريق النظر والفكر قد يعتريه الخلل ، ويحوم حوله الخطأ . فيقع صاحبه في الإِفساد من حيث إنه يريد الإِصلاح ، بخلاف العلم الذي يتلقاه الإِنسان من تعليم الله ، فإنه علم مطابق للواقع قطعاً ، ولا يخشى من صاحبه أن يحيد عن سبيل الإِصلاح ، وصاحب هذا العلم هو الذي يصلح للخلافة في الأرض ، ومن هنا ، كانت السياسة الشرعية أرشد من كل سياسة ، والأحكام النازلة من السماء أعدل من القوانين الناشئة في الأرض .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ يَـٰٓـَٔادَمُ أَنۢبِئۡهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡۖ فَلَمَّآ أَنۢبَأَهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَأَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ} (33)

وقوله تعالى : { قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قال زيد بن أسلم . قال : أنت جبريل ، أنت ميكائيل ، أنت إسرافيل ، حتى عدد الأسماء كلها ، حتى بلغ الغراب .

وقال مجاهد في قول الله : { يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } قال : اسم الحمامة ، والغراب ، واسم كل شيء .

وروي عن سعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة ، نحو ذلك .

فلما ظهر فضل آدم ، عليه السلام ، على الملائكة ، عليهم السلام ، في سرده ما علمه الله تعالى من أسماء الأشياء ، قال الله تعالى للملائكة : { أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } أي : ألم أتقدم إليكم أني أعلم الغيب الظاهر والخفي ، كما قال [ الله ]{[1526]} تعالى : { وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى } وكما قال تعالى إخبارا عن الهدهد أنه قال

لسليمان : { أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } .

وقيل في [ معنى ]{[1527]} قوله تعالى : { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } غيرُ ما ذكرناه ؛ فروى الضحاك ، عن ابن عباس : { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قال : يقول : أعلم السر كما أعلم العلانية ، يعني : ما كَتَم إبليس في نفسه من الكِبْر والاغترار .

وقال السدي ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة ، قال : قولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا } فهذا الذي أبدوا { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } يعني : ما أسر إبليس في نفسه من الكبر .

وكذلك قال سعيد بن جبير ، ومجاهد ، والسدي ، والضحاك ، والثوري . واختار ذلك ابن جرير .

وقال أبو العالية ، والربيع بن أنس ، والحسن ، وقتادة : هو قولهم : لم يخلق ربنا خلقا إلا كنا أعلم منه وأكرم .

وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس : { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } فكان الذي أبدوا قولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا } وكان الذي كتموا بينهم قولهم : لن{[1528]} يخلق ربنا خلقا إلا كنا أعلم منه وأكرم . فعرفوا أن الله فضل عليهم آدم في العلم ، والكرم .

وقال ابن جرير : حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، في قصة الملائكة وآدم : فقال الله للملائكة : كما لم تعلموا هذه الأسماء فليس لكم علم ، إنما أردت أن أجعلهم ليفسدوا فيها ، هذا عندي قد علمته ؛ ولذلك{[1529]} أخفيت عنكم أني أجعل فيها من يعصيني ومن يطيعني ، قال : وسَبَقَ من الله { لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } قال : ولم تعلم الملائكة ذلك ولم يدروه قال : ولما{[1530]} رأوا ما أعطى الله آدم من العلم أقروا له بالفضل{[1531]} .

وقال ابن جرير : وأولى الأقوال في ذلك قولُ ابن عباس ، وهو أن معنى قوله تعالى : { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } وأعلم - مع علمي غيب السماوات والأرض - ما تظهرونه بألسنتكم وما كنتم تخفون{[1532]} في أنفسكم ، فلا يخفى عَلَيَّ شيء ، سواء عندي سرائركم ، وعلانيتكم .

والذي أظهروه بألسنتهم قولهم : أتجعل فيها من يفسد فيها ، والذي كانوا يكتمون ما كان عليه منطويا إبليس من الخلاف على الله في أوامره{[1533]} ، والتكبر عن طاعته .

قال : وصح ذلك كما تقول العرب : قُتِل الجيش وهُزموا ، وإنما قتل الواحد أو البعض ، وهزم الواحد أو البعض ، فيخرج الخبر عن المهزوم منه والمقتول مخرج الخبر عن جميعهم ، كما قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ } [ الحجرات : 4 ] ذكر أن الذي نادى إنما كان واحدا من بني تميم ، قال : وكذلك قوله : { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }


[1526]:زيادة من أ.
[1527]:زيادة من جـ، أ، و.
[1528]:في جـ: "لم".
[1529]:في جـ، ب: "فلذلك".
[1530]:في جـ، ط: "فلما".
[1531]:تفسير الطبري (1/497).
[1532]:في أ، و: "تخفونه".
[1533]:في جـ، ط، ب: "في أمره".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ يَـٰٓـَٔادَمُ أَنۢبِئۡهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡۖ فَلَمَّآ أَنۢبَأَهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَأَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ} (33)

قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ( 33 )

{ أنبئهم } معناه أخبرهم ، وهو فعل يتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف جر وقد يحذف حرف الجر أحياناً ، تقول نبئت زيداً .

قال سيبويه : معناه نبئت عن زيد . والضمير في { أنبئهم } عائد على الملائكة بإجماع ، والضمير في أسمائهم مختلف فيه حسب الاختلاف في الأسماء التي علمها آدم .

قال أبو علي : «كلهم قرأ » أنبئهُم «بالهمز وضم الهاء ، إلا ما روي عن ابن عامر ، » أنبئِهم «بالهمز وكسر الهاء ، وكذلك روى بعض المكيين عن ابن كثير ، وذلك على إتباع كسرة الهاء لكسرة الباء ، وإن حجز الساكن فحجزه لا يعتد به » .

قال أبو عمرو الداني : «وقرأ الحسن والأعرج : » أنبيهم «بغير همز » .

قال ابن جني : «وقرأ الحسن أنبهِم » ، على وزن «أعطهِم » ، وقد روي عنه ، «انبيهم » بغيرهمز « .

قال أبو عمرو : » وقد روي مثل ذلك عن ابن كثير من طريق القواس « . ( {[450]} )

قال أبو الفتح : أما قراءة الحسن ، » أنبهم « » كأعطهم «فعلى إبدال الهمزة ياء ، على أنك تقول » أنبيت «كأعطيت ، وهذا ضعيف في اللغة ، لأنه بدل لا تخفيف والبدل عندنا لا يجوز إلا في ضرورة شعر . ( {[451]} )

قال بعض العلماء : إن في قوله تعالى : { فلما أنبأهم } نبوة لآدم عليه السلام ، إذ أمره الله أن ينبىء الملائكة بما ليس عندهم من علم الله عز وجل .

ويجوز فتح الياء من » إني «وتسكينها( {[452]} ) .

قال الكسائي : » رأيت العرب إذا لقيت عندهم الياء همزه فتحوها « .

قال أبو علي : » كان أبو عمرو يفتح ياء الإضافة المكسور ما قبلها عند الهمزة المفتوحة والمكسورة ، إذا كانت متصلة باسم ، أو بفعل ، ما لم يطل الحرف فإنه يثقل فتحها ، نحو قوله تعالى : { ولا تفتني ألا } [ التوبة : 49 ] وقوله تعالى : { فاذكروني أذكركم } [ البقرة : 152 ] ، والذي يخف ، { إني أرى } [ الأنفال : 48 ، يوسف : 43 ، الصافات : 102 ] و { أجري إلا على الله } [ يونس : 72 ، هود : 29 ، سبأ : 47 ] .

وقوله تعالى : { أعلم غيب السموات والأرض } معناه : ما غاب عنكم ، لأن الله لا غيب عنده من معلوماته الكل معلوم له( {[453]} ) وما في موضع نصب «بأعلم » .

قال المهدوي : ويجوز أن يكون قوله { أعلم } اسماً بمعنى التفضيل في العلم ، فتكون { ما } في موضع خفض بالإضافة .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : فإذا قدر الأول اسماً فلا بد بعده من إضمار فعل ينصب { غيب } ، تقديره إني أعلم من كل أعلم غيب ، وكونها في الموضعين فعلاً مضارعاً أخصر وأبلغ( {[454]} ) .

واختلف المفسرون في قوله تعالى : { ما تبدون وما كنتم تكتمون } فقالت طائفة : ذلك على معنى العموم( {[455]} ) في معرفة أسرارهم وظواهرهم وبواطنهم أجمع .

وحكى مكي أن المراد بقول { ما تبدون } قولهم : { أتجعل فيها } الآية .

وحكى المهدوي أن { ما تبدون } قولهم : ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق أعلم منا ولا أكرم عليه ، فجعل هذا مما أبدوه لما قالوه .

وقال الزهراوي : «ما أبدوه هو بدارهم بالسجود لآدم » .

واختلف في المكتوم فقال ابن عباس وابن مسعود : المراد ما كتمه إبليس في نفسه من الكبر والكفر ، ويتوجه قوله { تكتمون } للجماعة والكاتم واحد في هذا القول على تجوز العرب واتساعها ، كما يقال لقوم قد جنى سفيه منهم : أنتم فعلتم كذا ، أي منكم فاعله .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا مع قصد تعنيف ، ومنه قوله تعالى : { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون }( {[456]} ) [ الحجرات : 4 ] وإنما ناداه منهم عيينة ، وقيل الأقرع ، وقال قتادة : المكتوم هو ما أسره بعضهم إلى بعض من قولهم : ليخلق ربنا ما شاء ، فجعل هذا فيما كتموه لما أسروه ، - { وإذ } من قوله : { وإذ قلنا } معطوف على { إذ } المتقدمة .

وقول الله تعالى وخطابه للملائكة متقرر قديم في الأزل ، بشرط وجودهم وفهمهم( {[457]} ) ، وهذا هو الباب كله في أوامر الله سبحانه ونواهيه ومخاطباته .


[450]:- أحمد بن محمد أبو الحسن المعروف بالقواس إمام مكة في القراءة.
[451]:- في هذا مناقشة، قال أبو (ح): وما ذكر من أنه لا يجوز إلا في ضرورة الشعر ليس بصحيح ثم قال: "حكى الأخفش في الأوسط أن العرب تحول من الهمزة موضع اللام ياء فيقولون: قريت، وأخطيت، وتوضيت" وعلّق أبو (ح) على كلام الأخفش فقال: "ودل ذلك على أنه ليس من ضرائر الشعر كما ذكر أبو الفتح" البحر المحيط 1/149.
[452]:- هذا ثاني موضع ذكرت فيه ياء من ياءات الإضافة المختلف فيها في القرآن، وهي ياء المتكلمن فقرأ نافع، وابن كثير، والبصري هنا بفتح الياء، والباقون بتسكينها، واتفق السبعة على السكون في قوله تعالى: [ولا تفتني ألا]، [أرني أنظر]، [فاتبعني أهدك]، [وترحمني أكن]، ولا تظهر علة لاختلافهم واتفاقهم إلا اتباع الرواية، وتلك سنة متبعة في القرآن.
[453]:- فيه أن أحدا لا يعلم من العلم إلا ما علمه الله ولا يعلم من الغيب إلا ما أعلمه الله به، كالأنبياء فإنهم يعلمونه تفصيلا، والأولياء فإنه يعلمونه إجمالا، وكل من حاول ادعاء علم الغيب من كاهن أو عراف أو منجم أو مشعوذ فهو كاذب.
[454]:- نقل أبو (ح) في تفسيره كلام ابن عطية عن المهدوي، ثم قال: "وما نقله ابن عطية عن المهدوي وهم، والذي ذكره المهدوي في تفسيره ما نصه-: [وأعلم ما تبدون] يجوز أن ينتصب [ما] بأعلم على أنه فعل، ويجوز أن يكون بمعنى عالم، أو يكون [ما] جرا بالإضافة، ويجوز أن يقدر التنوين في [أعلم] إذا قدرته بمعنى عالم، وتنصب [ما] به فيكون بمعنى حواج بيت الله –انتهى- ثم علق أبو (ح) فقال: "فأنت ترى أنه لم يذهب إلى أن (أفعل) للتفضيل، وأنه لم يجز الجر في [ما] والنصب وتكون أفعل اسما إلا إذا كان بمعنى فاعل لا أفعل تفضيل، ولا يمكن أن يقال ما نقله ابن عطية عن المهدوي من جواز أن يكون أعلم أفعل بمعنى التفضيل وخفض (ما) بالإضافة البتة". البحر المحيط 1/150.
[455]:- هذا أولى الأقوال وأفضلها، وقوله تعالى: [وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون] نسق على جملة [ألم أقل لكم] الخ، وليس نسقا على [أعلم]، إذ هو ليس داخلا تحت القول.
[456]:- الآية 4 من سورة الحجرات.
[457]:- نقل (ق) رحمه الله هذه العبارة بالنص عند قوله تعالى: [وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة] إذ قول الله هناك كقوله هنا، وفي (خ) ما ذكره (أي ابن عطية) هو عقيدة أهل السنة. ونحن ننقل هنا من كلام الأئمة إن شاء الله ما يتبين به كلامه ويزداد وضوحا. قال ابن رشد: قوله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق" لا يفهم منه أن لله عز وجل كلمات غير تامات، لأن كلماته هي قوله، وكلامهت هو صفة من صفات ذاته يستحيل عليها النقص. وفي الحديث دليل واضح على أن كلماته عز وجل غير مخلوقة، إذ لا يستعاذ بمخلوق، وهذا هو قول أهل السنة. والحق أن كلام الله عز وجل صفة من صفات ذاته قديم غير مخلوق لأن الكلام هو المعنى القائم في النفس، والنطق به عبارة عنه، قال الله عز وجل: [ويقولون في أنفسهم] فأخبر أن القول معنى يقوم في النفس- وتقول: في نفسي كلام أريد أن أعلمك به، فحقيقة كلام الرجل هو المفهوم من كلامه، وأما الذي تسمعه منه فهو عبارة عنه- وكذلك كلام الله عز وجل القديم الذي هو صفة من صفات ذاته هو المفهوم من قراءة القارئ لا نفس قراءته الت يتسمعها، لأن نفس قراءته التي تسمعها محدثة لم تكن حتى قرأ بها فكانت، وهذا كله بين إلا لمن أعمى الله بصيرته. انتهى بلفظه من البيان. وقال الإمام الغزالي رحمه الله بعد كلام له نحو ما تقدم لابن رشد: "وكما عقل قيام طلب التعلم وإرادته بذات الوالد قبل أن يخلق ولده، حتى إذا خلق ولده وعقل، وخلق الله سبحانه علما بما في قلب أبيه من الطلب صار مأمورا بذلك الطلب الذي قام بذات أبيه، ودام وجوده إلى وقت معرفة ولده- قليعقل قيام الطلب الذي دل عليه قوله عز وجل: [فاخلع نعليك]- بذات الله تعالى ومصير موسى عليه السلام، سامعا لذلك الكلام، مخاطبا به بعد وجوده، إذ خلقت له معرفة بذلك الطلب، ومعرفة بذلك الكلام القديم" انتهى. من الإحياء. "وتلخيص المعتقد: أن الله عز وجل لم يزل آمرا للمعدومات بشر وجودها، قادرا مع تأخر المقدورات، عالما مع تأخر المعلومات فكل ما يقتضي الاستقبال فهو بحسب المأمورات إذ المحدثات تجيء بعد أن لم تكن، وكل ما يُسند إلى الله تعالى من قدرة وعلم وأمر فهو قديم لم يزل" انتهى كلامه رحمه الله. وهذه المسألة من جملة المسائل الثلاث التي تعتبر من أصعب ما في علم الكلام.