تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

{ 84 - 95 } { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا }

إلى آخر القصة{[435]}  أي : { و ْ } أرسلنا { إِلَى مَدْيَنَ ْ } القبيلة المعروفة ، الذين يسكنون مدين في أدنى فلسطين ، { أَخَاهُمْْ } في النسب { شُعَيْبًا ْ } لأنهم يعرفونه ، وليتمكنوا من الأخذ عنه .

ف { قَالَ ْ } لهم { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ْ } أي : أخلصوا له العبادة ، فإنهم كانوا يشركون به ، وكانوا - مع شركهم - يبخسون المكيال والميزان ، ولهذا نهاهم عن ذلك فقال : { وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ْ } بل أوفوا الكيل والميزان بالقسط .

{ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ ْ } أي : بنعمة كثيرة ، وصحة ، وكثرة أموال وبنين ، فاشكروا الله على ما أعطاكم ، ولا تكفروا بنعمة الله ، فيزيلها عنكم .

{ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ْ } أي : عذابا يحيط بكم ، ولا يبقي منكم باقية .


[435]:- في ب: أكمل الآيات إلى قوله تعالى: " ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود ".
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك فقصت علينا ما كان بين شعيب - عليه السلام - وقومه وكيف أنه دعاهم إلى عبادة الله - تعالى - وحده بأسلوب بليغ حكيم ، ولكنهم لم يستجيبوا له ، فكانت عاقبتهم الهلاك كالذين من قبلهم قال - تعالى - :

{ وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً . . . }

تلك هى قصة شعيب - عليه السلام - كما حكتها هذه السورة الكريمة ، وقد وردت هذه القصة فى سور أخرى منها : سورتى الأعراف والشعراء . .

ومدين اسم للقبيلة التى تنتسب إلى مدين بن إبراهيم - عليه السلام - .

وكانوا يسكنون فى المنطقة التى تسمى ( معان ) وتقع بين حدود الحجاز والشام .

وأهل مدين يسمون أيضاً بأصحاب الأيكة .

والأيكة : منطقة مليئة بالشجر كانت مجاورة لقرية ( معان ) ، وكان يسكنها بعض الناس فأرسل الله شعيباً إليهم جميعاً .

وشعيب هو ابن ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم ، فهو أخوهم فى النسب .

وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر شعيب قال : " ذلك خطيب الأنبياء " لحسن مراجعته لقومه ، وقوة حجته .

وكان قومه يعبدون الأصنام . ويطففون فى الكيل والميزان . . . فدعاهم إلى عبادة الله وحده ، ونهاهم عن الخيانة وسوء الأخلاق .

ويرى بعض العلماء : أن شعيباً أرسل إلى أمتين : أهل مدين الذين أهلكوا بالصيحة ؛ وأصحاب الأيكة الذين أخذهم الله بعذاب يوم الظلة ، وأن الله - تعالى - لم يبعث نبياً مرتين سوى شعيب - عليه السلام - .

ولكن المحققين من العلماء اختاروا أنهما أمة واحدة ، فأهل مدين هم أصحاب الأيكة ، أخذتهم الرجفة والصيحة وعذاب يوم الظلة - أى السحابة - وأن كل عذاب كان كالمقدمة للآخر .

هذا ، وقوله - سبحانه - { وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً . . . } معطوف على ما سبقه من قصة صالح - عليه السلام - عطف القصة على القصة .

أى : وكما أرسلنا صالحاً - عليه السلام - إلى ثمود ، فقد أرسلنا إلى أهل مدين أخاهم شعيباً - عليه السلام - فقال لهم مقالة كل نبى لقومه : يا قوم اعبدوا الله وحده ، فإنكم لا إله لكم على الحقيقة سواه ، فهو الذى خلقكم ، وهو الذى رزقكم ، وهو الذى إليه مرجعكم . . .

ثم بعد أن أمرهم بإخلاص العبادة لله ، نهاهم عن التطفيف فى الكيل والميزان فقال : { وَلاَ تَنقُصُواْ المكيال والميزان }

والمكيال والميزان : اسمان للآلة التى يكال بها ويوزن .

ونقص الكيل والميزان يكون من وجهين : أحدهما أن يكون الاستنقاص من جهتهم إذا باعوا لغيرهم .

وثانيهما : أن يكون الاستنقاص من جهة غيرهم إذا اشتروا منه ، بأن يأخذوا منه أكثر من حقهم .

فكأنه - عليه السلام - يقول لهم : لا تنقصوا المكيال والميزان لا عند الأخذ ولا عند الإعطاء ، فلا تعطوا غيركم أقل من حقه إذا بعتم ، ولا تأخذوا منه أكثر من حقكم إذا اشتريتم .

وإلى هذين الأمرين أشار قوله - تعالى - { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ . الذين إِذَا اكتالوا عَلَى الناس يَسْتَوْفُونَ . وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ . . . } ثم بين لهم الأسباب التى دعته إلى أمرهم ونهيهم فقال : { إني أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وإني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } .

والخير : كلمة جامعة لكل ما يرضى الإِنسان ويغنيه ويسره .

ومحيط : أى شامل بحيث لا يستطيع أحد الإِفلات منه . كما يحيط الظرف بالمظروف . . .

أى : أخلصوا لله عبادتكم ، والتزموا العدل فى معاملاتكم ، فإنى أراكم تملكون الوفير من المال ، وتعيشون فى رغد من العيش ، وفى بسطة من الرزق ، ومن كان كذلك فمن الواجب عليه أن يقابل هذه النعم بالشكر لواهبها وهو الله - تعالى - وأن يستعملها استعمالاً يرضيه ، وأن يعطى كل ذى حق حقه .

وإنى - أيضاً - أخاف عليكم إذا ما تماديتم فى مخالففة ما آمركم به وما أنهاكم عنه ، عذاب يوم أهواله وآلامه شاملة لكل ظالم ، بحيث لا يستطيع أن يهرب منها . . .

قال الشوكانى : وصف - سبحانه - اليوم بالإِحاطة ، والمراد العذاب لأن العذاب واقع فى اليوم ، ومعنى إحاطة عذاب اليوم بهم ، أنهم لا يشذ منهم أحد عنه ، ولا يجدون منه ملجأ ولا مهربا .

فأنت ترى أن شعيباً - عليه السلام - بعد أن أمرهم بما يصلح عقيدتهم ونهاهم عما يفسد معاملاتهم وأخلاقهم . . ذكرهم بما هم فيه من نعمة وغنى قطعاً لعذرهم حتى لا يقولوا له نحن فى حاجة إلى تطفيف المكيال والميزان لفقرنا ، ثم أخبرهم بأنه ما حمله على هذا النصح لهم إلا خوفه عليهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

يقول تعالى : ولقد أرسلنا إلى مدين - وهم قبيلة من العرب ، كانوا يسكنون بين الحجاز والشام ، قريبًا من بلاد معان ، في بلد يعرف بهم ، يقال لها " مدين " فأرسل الله إليهم شعيبا ، وكان من أشرفهم{[14857]} نسبًا . ولهذا قال : { أَخَاهُمْ شُعَيْبًا } يأمرهم بعبادة الله تعالى وحده ، وينهاهم عن التطفيف{[14858]} في المكيال والميزان { إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ } أي : في معيشتكم ورزقكم فأخاف أن تُسلَبوا ما أنتم فيه بانتهاككم محارم الله ، { وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ } {[14859]} أي : في الدار الآخرة .


[14857]:- في ت ، أ : "أشرافهم".
[14858]:- في أ : "الطفيف".
[14859]:- في ت : "عظيم".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

{ وإلى مدين أخاهم شعيبا } أراد أولاد مدين بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، أو أهل مدين وهو بلد بناه فسمي باسمه . { قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان } أمرهم بالتوحيد أولا فإنه ملاك الأمر ثم نهاهم عما اعتادوه من البخس المنافي للعدل المخل بحكمة التعاوض . { إني أراكم بخير } بسعة تغنيكم عن البخس ، أو بنعمة حقها أن تتفضلوا على الناس شكرا عليها لا أن تنقصوا حقوقهم ، أو بسعة فلا تزيلوها مما أنتم عليه وهو في الجملة علة للنهي . { وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط } لا يشذ منه أحد منكم . ومقيل عذاب مهلك من قوله : { وأحيط بثمره } . والمراد عذاب يوم القيامة أو عذاب الاستئصال ، ووصف اليوم بالإحاطة وهي صفة العذاب لاشتماله عليه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

قوله : { وإلى مدين أخاهم شعيباً } إلى قوله { من إله غيره } نظير قوله : { وإلى ثمود أخاهم صالحاً } [ هود : 61 ] الخ .

أمرهم بثلاثة أمور :

أحدها : إصلاح الاعتقاد ، وهو من إصلاح العقول والفكر .

وثالثها : صلاح الأعمال والتصرفات في العالم بأن لا يفسدوا في الأرض .

ووسط بينهما الثاني : وهو شيء من صلاح العمل خص بالنهي لأنّ إقدامهم عليه كان فاشياً فيهم حتّى نسوا ما فيه من قبح وفساد ، وهذا هو الكف عن نقص المكيال والميزان .

فابتدأ بالأمر بالتوحيد لأنه أصل الصلاح ثم أعقبه بالنهي عن مظلمة كانت متفشية فيهم ، وهي خيانة المكيال والميزان . وقد تقدّم ذلك في سورة الأعراف . وهي مفسدة عظيمة لأنها تجمع خصلتي السرقة والغدْر ، لأن المكتال مسترسل مستسلم . ونهاهم عن الإفساد في الأرض وعن نقص المكيَال والميزان فعزّزه بالأمر بضده وهو إيفاؤهما .

وجملة { إني أراكم بخير } تعليل للنهي عن نقص المكيال والميزان . والمقصود من { إني أراكم بخير } أنكم بخير . وإنما ذكر رؤيته ذلك لأنها في معنى الشهادة عليهم بنعمة الله عليهم فحقّ عليهم شكرها . والباء في { بخير } للملابسة .

والخير : حسن الحالة . ويطلق على المال كقوله : { إن ترك خيراً } [ البقرة : 180 ] . والأوْلى حمله عليه هنا ليكون أدخل في تعليل النهي ، أي أنكم في غنى عن هذا التطفيف بما أوتيتم من النعمة والثروة . وهذا التعليل يقتضي قبْح ما يرتكبونه من التطفيف في نظر أهل المروءة ويقطع منهم العذر في ارتكابه . وهذا حثّ على وسيلة بقاء النعمة .

ثم ارتقى في تعليل النهي بأنه يخاف عليهم عذاباً يحل بهم إمّا يوم القيامة وإما في الدنيا . ولصلوحيته للأمرين أجمله بقوله : { عذاب يوم محيط } . وهذا تحذير من عواقب كفران النعمة وعصيان وَاهِبِهَا .

و { محيط } وصف ل { يوم } على وجه المجاز العقلي ، أي محيط عذابه ، والقرينة هي إضافة العذاب إليه .