تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَن ذِي ٱلۡقَرۡنَيۡنِۖ قُلۡ سَأَتۡلُواْ عَلَيۡكُم مِّنۡهُ ذِكۡرًا} (83)

{ 83-88 ْ } { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ْ }

كان أهل الكتاب أو المشركون ، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة ذي القرنين ، فأمره الله أن يقول : { سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ْ } فيه نبأ مفيد ، وخطاب عجيب .

أي : سأتلوا عليكم من أحواله ، ما يتذكر فيه ، ويكون عبرة ، وأما ما سوى ذلك من أحواله ، فلم يتله عليهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَن ذِي ٱلۡقَرۡنَيۡنِۖ قُلۡ سَأَتۡلُواْ عَلَيۡكُم مِّنۡهُ ذِكۡرًا} (83)

وقوله - سبحانه - : { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القرنين . . } معطوف على قصة موسى والخضر - عليهما السلام - عطف القصة على القصة .

قال البقاعى : كانت قصة موسى مع الخضر مشتملة على الرحلات من أجل العلم ، وكانت قصة ذى القرنين مشتملة على الرحلات من أجل الجهاد فى سبيل الله ، ولما كان العلم أساس الجهاد تقدمت قصة موسى والخضر على قصة ذى القرنين . . .

والسائلون هم كفار قريش بتلقين من اليهود ، فقد سبق أن ذكرنا عند تفسيرنا لقصة أصحاب الكهف . أن اليهود قالوا لوفد قريش : سلوه - أى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ثلاث نأمركم بهن . . سلوه عن فتية ذهبوا فى الدهر الأول ماذا كان من أمرهم . . وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها . . وسلوه عن الروح .

وجاء التعبير بصيغة المضارع - مع أن الآيات نزلت بعد سؤالهم - لاستحضار الصورة الماضية ، أو للدلالة على أنهم استمروا فى لجاجهم إلى أن نزلت الآيات التى ترد عليهم .

أما ذو القرنين ، فقد اختلفت فى شأنه أقوال المفسرين اختلافا كبيرا ، لعل أقربها إلى الصواب ما أشار إليه الآلوسى بقوله : وذكر أبو الريحان البيرونى فى كتابه المسمى " بالآثار الباقية عن القرون الخالية " ، أن ذا القرنين هو أبو كريب الحميرى ، وهو الذى : افتخر به تبع اليمنى حيث قال :

قد كان ذو القرنين جدى مسلما . . . ملكا علا فى الأرض غير مفند

بلغ المغارب والمشارق يبتغى . . . أسباب ملك من حكيم مرشد

ثم قال أبو الريجان : ويشبه أن يكون هذا القول أقرب ، لأن ملوك اليمن كانوا يلقبون بكلمة ذى . كذى نواس ، وذى يزن . إلخ . .

ومن المقطوع به أن ذا القرنين هذا : ليس هو الإِسكندر المقدونى الملقب بذى القرنين . تلميذ أرسطو ، فإن الإِسكندر هذا كان وثنيا . . بخلاف ذى القرنين الذى تحدث عنه القرآن ، فإنه كان مؤمنا بالله - تعالى - ومعتقدا بصحة البعث والحساب .

والرأى الراجح أنه كان عبدا صالحا ، ولم يكن نبيا .

ويرى بعضهم أنه كان بعد موسى - عليه السلام - ، ويرى آخرون غير ذلك ومن المعروف أن القرآن الكريم يهتم فى قصصه ببيان العبر والعظات المستفادة من القصة ، لا ببيان الزمان أو المكان للأشخاص .

وسمى بذى القرنين - على الراجح - لبلوغه فى فتوحاته قرنى الشمس من أقصى المشرق والمغرب .

والمعنى : ويسألك قومك - يا محمد - عن خبر ذى القرنين وشأنه .

{ قل } لهم - على سبيل التعليم والرد على تحديهم لك . { سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } .

والضمير فى " منه " يعود على ذى القرنين و " من " للتبعيض .

أى : قل لهم : سأتلو عليكم من خبره - وسأقص عليكم من أنبائه عن طريق هذا القرآن الذى أوحاه الله إلى ما يفيدكم ويكون فيه ذكرى وعبرة لكم إن كنتم تعقلون

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَن ذِي ٱلۡقَرۡنَيۡنِۖ قُلۡ سَأَتۡلُواْ عَلَيۡكُم مِّنۡهُ ذِكۡرًا} (83)

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَيَسْأَلُونَكَ } يا محمد { عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ } أي : عن خبره . وقد قدمنا أنه بعث كفار مكة إلى أهل الكتاب يسألون{[18413]} منهم ما يمتحنون به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض ، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا ، وعن الروح ، فنزلت سورة الكهف .

وقد أورد ابن جرير هاهنا ، والأموي في مغازيه ، حديثا أسنده وهو ضعيف ، عن عقبة بن عامر ، أن نفرًا من اليهود جاؤوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين ، فأخبرهم بما جاؤوا له ابتداء ، فكان فيما أخبرهم به : " أنه كان شابا{[18414]} من الروم ، وأنه بنى الإسكندرية ، وأنه علا به ملك في السماء ، وذهب به إلى السد ، ورأى أقوامًا وجوههم مثل وجوه الكلاب " . وفيه طول ونكارة ، ورفعه لا يصح ، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل . والعجب أن أبا زُرْعَة الرازي ، مع جلالة قدره ، ساقه بتمامه في كتابه دلائل النبوة ، وذلك غريب منه ، وفيه من النكارة أنه من الروم ، وإنما الذي كان من الروم الإسكندر الثاني ابن فيليبس المقدوني ، الذي تؤرخ به الروم ، فأما الأول فقد ذكره الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل ، عليه السلام ، أول ما بناه وآمن به واتبعه ، وكان معه{[18415]} الخضر ، عليه السلام ، وأما الثاني فهو ، إسكندر بن فيليبس المقدوني اليوناني ، وكان وزيره أرسطاطاليس الفيلسوف المشهور ، والله أعلم . وهو الذي تؤرخ به من مملكته ملة الروم . وقد كان قبل المسيح ، عليه السلام ، بنحو من ثلثمائة سنة ، فأما الأول المذكور في القرآن فكان في زمن الخليل ، كما ذكره الأزرقي وغيره ، وأنه طاف مع الخليل بالبيت العتيق لما بناه إبراهيم ، عليه السلام ، وقرب إلى الله قربانًا ، وقد ذكرنا طرفًا{[18416]} من أخباره في كتاب " البداية والنهاية " {[18417]} ، بما فيه كفاية ولله الحمد .

وقال وهب بن منبه : كان ملكًا ، وإنما سمي ذا القرنين لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس ، قال : وقال بعض أهل الكتاب : لأنه ملك الروم وفارس . وقال بعضهم : كان في رأسه شبه القرنين ، وقال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطفيل قال : سئل علي ، رضي الله عنه ، عن ذي القرنين ، فقال : كان عبدًا ناصحَ الله فناصَحَه ، دعا قومه إلى الله فضربوه{[18418]} على قرنه فمات ، فأحياه الله ، فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات ، فسمي ذا القرنين .

وكذا رواه شعبة ، عن القاسم بن أبي بَزَّة عن أبي الطفيل ، سمع عليًا يقول ذلك .

ويقال : إنه إنما سمي ذا القرنين ؛ لأنه بلغ المشارق والمغارب ، من حيث يطلع{[18419]} قرن الشمس ويغرب .


[18413]:في ت: "يسألونك".
[18414]:في ت: "ماشيا".
[18415]:في أ: "وكان وزيره".
[18416]:في ف، أ: "طرفا صالحا".
[18417]:البداية والنهاية (2/95).
[18418]:في ت، ف، أ: "فضرب".
[18419]:في ت، ف: "تطلع".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَن ذِي ٱلۡقَرۡنَيۡنِۖ قُلۡ سَأَتۡلُواْ عَلَيۡكُم مِّنۡهُ ذِكۡرًا} (83)

–القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مّنْهُ ذِكْراً * إِنّا مَكّنّا لَهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ويسألك يا محمد هؤلاء المشركون عن ذي القرنين ما كان شأنه ، وما كانت قصته ، فقل لهم : سأتلو عليكم من خبره ذكرا يقول : سأقصّ عليكم منه خبرا . وقد قيل : إن الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر ذي القرنين ، كانوا قوما من أهل الكتاب . فأما الخبر بأن الذين سألوه عن ذلك كانوا مشركي قومه فقد ذكرناه قبل . وأما الخبر بأن الذين سألوه ، كانوا قوما من أهل الكتاب .

فحدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا زيد بن حباب عن ابن لهيعة ، قال : ثني عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن شيخين من نجيب ، قال : أحدهما لصاحبه : انطلق بنا إلى عقبة بن عامر نتحدّث ، قالا : فأتياه فقالا : جئنا لتحدثنا ، فقال : كنت يوما أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت من عنده ، فلقيني قوم من أهل الكتاب ، فقالوا : نريد أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستأذن لنا عليه ، فدخلت عليه ، فأخبرته ، فقال : «مالي ومالهم ، مالي علم إلا ما علمني الله » ، ثم قال : «اسكب لي ماء » ، فتوضأ ثم صلى ، قال : فما فرغ حتى عرفت السرور في وجهه ، ثم قال : «أدخلهم عليّ ، ومن رأيت من أصحابي » فدخلوا فقاموا بين يديه ، فقال : «إن شئتم سألتم فأخبرتكم عما تجدونه في كتابكم مكتوبا ، وإن شئتم أخبرتكم » ، قالوا : بلى أخبرنا ، قال : «جئتم تسألوني عن ذي القرنين ، وما تجدونه في كتابكم : كان شبابا من الروم ، فجاء فبنى مدينة مصر الإسكندرية فلما فرغ جاءه ملك فعلا به في السماء ، فقال له ما ترى ؟ فقال : أرى مدينتي ومدائن ، ثم علا به ، فقال : ما ترى ؟ فقال : أرى مدينتي ، ثم علا به فقال : ما ترى ؟ قال : أرى الأرض ، قال : فهذا أليم محيط بالدنيا ، إن الله بعثني إليك تعلم الجاهل ، وتثبت العالم ، فأتى به السدّ ، وهو جبلان لينان يَزْلَق عنهما كل شيء ، ثم مضى به حتى جاوز يأجوج ومأجوج ، ثم مضى به إلى أمة أخرى ، وجوههم وجوه الكلاب يقاتلون يأجوج ومأجوج ، ثم مضى به حتى قطع به أمة أخرى يقاتلون هؤلاء الذين وجوههم وجوه الكلاب ، ثم مضى حتى قطع به هؤلاء إلى أمة أخرى قد سماهم » .

واختلف أهل العلم في المعنى الذي من أجله قيل لذي القرنين : ذو القرنين ، فقال بعضهم : قيل له ذلك من أجل أنه ضُرِب على قَرنه فهلك ، ثم أُحْيِي فضُرب على القرن الاَخر فهلك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن عبيد المُكْتِب ، عن أبي الطّفَيل ، قال : سأل ابن الكوّاء عليا عن ذي القرنين ، فقال : هو عبد أحبّ الله فأحبه ، وناصح الله فنصحه ، فأمرهم بتقوى الله فضربوه على قَرْنه فقتلوه ، ثم بعثه الله ، فضربوه على قرنه فمات .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطفيل ، قال : سئل عليّ رضوان الله عليه عن ذي القرنين ، فقال : كان عبدا ناصح الله فناصحه ، فدعا قومه إلى الله ، فضربوه على قرنه فمات ، فأحياه الله ، فدعا قومه إلى الله ، فضربوه على قرنه فمات ، فسمي ذا القرنين .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : قال : حدثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بَزّة ، عن أبي الطفيل ، قال : سمعت عليا وسألوه عن ذي القرنين أنبيا كان ؟ قال : كان عبدا صالحا ، أحبّ الله فأحبه ، وناصَحَ الله فنصحه ، فبعثه الله إلى قومه ، فضربوه ضربتين في رأسه ، فسمي ذا القرنين ، وفيكم اليوم مثله .

وقال آخرون في ذلك بما :

حدثني به محمد بن سهل البخاريّ ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، قال : ثني عبد الصمد بن معقل ، قال : قال وهب بن منبه : كان ذو القرنين مَلِكا ، فقيل له : فلم سُمّي ذا القرنين ؟ قال : اختلف فيه أهل الكتاب ، فقال بعضهم : مَلَك الروم وفارس . وقال بعضهم : كان في رأسه شبه القرنين .

وقال آخرون : إنما سمي ذلك لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثنا ابن إسحاق ، قال : ثني من لا أتهم عن وهب بن منبه اليماني ، قال : إنما سمي ذا القرنين أن صفحتي رأسه كانتا من نحاس .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَن ذِي ٱلۡقَرۡنَيۡنِۖ قُلۡ سَأَتۡلُواْ عَلَيۡكُم مِّنۡهُ ذِكۡرًا} (83)

{ ويسألونك عن ذي القرنين } يعني إسكندر الرومي ملك فارس والروم . وقيل المشرق والمغرب ولذلك سمي ذا القرنين ، أو لأنه طاف قرني الدنيا شرقها وغربها ، وقيل لأنه انقرض في أيامه قرنان من الناس ، وقيل كان له قرنان أي ضفيرتان ، وقيل كان لتاجه قرنان . ويحتمل أنه لقب بذلك لشجاعته كما يقال الكبش للشجاع كأنه ينطح أقرانه . واختلف في نبوته مع الاتفاق على إيمانه وصلاحه ، والسائلون هم اليهود سألوه امتحانا أو مشركو مكة . { قل سأتلو عليكم منه ذكرا } خطاب للسائلين والهاء لذي القرنين وقيل لله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَن ذِي ٱلۡقَرۡنَيۡنِۖ قُلۡ سَأَتۡلُواْ عَلَيۡكُم مِّنۡهُ ذِكۡرًا} (83)

اختلف فيمن سأله عن هذه القصة ، فقيل سألته طائفة من أهل الكتاب ، وروى في ذلك عقبة بن عامر حديثاً ذكره الطبري وقيل إنما سألته قريش ، حين دلتها اليهود على سؤاله عن الروح ، والرجل الطواف ، وفتية ذهبوا في الدهر ليقع امتحانه بذلك{[7886]} ، و «ذو القرنين » : هو الإسكندر الملك اليوناني المقدوني ، وقد تشدد قافه ، فيقال المقدوني ، وذكر ابن إسحاق في كتاب الطبري أنه يوناني ، وقال وهب بن منبه هو رومي ، وذكر الطبري حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم «أن ذا القرنين شاب من الروم » وهو حديث واهي السند ، فيه عن شيخين من تجيب{[7887]} ، واختلف الناس في وجه تسميته ب { ذي القرنين } ، فأحسن الأقوال أنه كان ذا ضفرتين من شعر هما قرناه ، فسمي بهما ، ذكره المهدوي وغيره ، والضفائر قرون الرأس ، ومنه قول الشاعر : [ الكامل ]

فلثمت فاها آخذاً بقرونها . . . شرب النزيف لبرد ماء الحشرج{[7888]}

ومنه حديث في غسل بنت النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت أم عطية : فضفرنا رأسها ثلاثة قرون{[7889]} ، وكثيراً تجيء تسمية النواصي قروناً ، وروي أنه كان في أول ملكه يرى في نومه أنه يتناول الشمس ، ويمسك قرنين لها بيديه ، فقص ذلك ، ففسر أنه سيغلب على ما ذرت عليه ، وسمي «ذا القرنين » ، وقالت فرقة سمي «ذا القرنين » لأنه بلغ المغرب والمشرق ، فكأنه حاز قرني الدنيا ، وقالت فرقة إنه بلغ مطلع الشمس كشف بالرؤية قرنيها ، فسمي بذلك ، أو قرني الشيطان بها ، وقال وهب بن منبه : سمي بذلك لأن جنبتي رأسه كانتا من نحاس ، وقال وهب بن منبه أيضاً كان له قرنان تحت عمامته .

قال القاضي أبو محمد : وهذا كله بعيد ، وقال علي بن أبي طالب : إنما سمي «ذا القرنين » لأنه ضرب على قرن رأسه فمات : ثم حيي ثم ضرب على قرن رأسه الآخر فمات ، فسمي بذلك لأنه جرح على قرني رأسه جرحين عظيمين في يومين عظيمين من أيام حربه فسمي بذلك ، وهذا قريب .


[7886]:أما الروح فمعروفة، وقد قال الله تبارك وتعالى في سورة الإسراء: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}، وأما الرجل الطواف فهو ذو القرنين، وأما الفتية الذين ذهبوا في الدهر فهم أصحاب الكهف، وفي هذه السورة كانت الإجابة عن الأخيرين.
[7887]:هذا الحديث هو ما أشار إليه المؤلف قبل ذلك حين قال: "وروى في ذلك عقبة ابن عامر حديثا ذكره الطبري". راجع الطبري. وزاد السيوطي في الدر المنثور نسبته إلى ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي.
[7888]:لبيت لعمر بن أبي ربيعة ، وهو من أبيات في ديوانه قيل: إنها منسوبة إليه، وآخذا بقرونها: ممسكا بضفائرها، وقد استشهد أبو منصورـ كما قال في اللسان ـ بالنصف الثاني من البيت على أن (النزيف) هو الذي عطش حتى يبست عروقه. وقيل: إن النزيف هو السكران لأن عقله نزف، والحشرج: النقرة في الجبل يجتمع فيها الماء فيصفو. والشاهد هنا أن الضفائر تسمى قرونا.
[7889]:أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي في الجنائز، ولفظه كما جاء في مسلم، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية، قالت: لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إغسلنها وترا، ثلاثا أو خمسا، واجعلن في الخامسة كافورا، أو شيئا من كافور، فإذا غسلتنها فأعلمنني)، قالت: فأعلمناه فأعطانا حقوة وقال: (أشعرنها إياه). وفي رواية أخرى ذكرها مسلم من طريق هشام بن حسان: وقال في الحديث: قالت: فضفرنا شعرها ثلاث أثلاث، قرنيها وناصيتها. وفي رواية البخاري أن أم عطية قالت: "ومشطناها ثلاثة قرون". والحقو هو الإزار. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أشعرنها إياه): اجعلنه شعارا لها، أي غطين جسدها به.