غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَن ذِي ٱلۡقَرۡنَيۡنِۖ قُلۡ سَأَتۡلُواْ عَلَيۡكُم مِّنۡهُ ذِكۡرًا} (83)

83

التفسير : ولما أجاب عن سؤالين من أسئلة اليهود وانتهى الكلام إلى حيث انتهى ، شرع في السؤال الثالث والجواب عنه . وأصح الأقوال أن ذا القرنين هو الإسكندر بن فيلقوس الرومي الذي ملك الدنيا بأسرها ، إذ لو كان غيره لانتشر خبره ولم يخف مكانه عادة . يحكى أنه لما مات أبوه جمع ملك الروم بعد أن كان طوائف ، ثم قصد ملوك المغرب وقهرهم وأمعن حتى انتهى إلى البحر الأخضر ثم عاد إلى مصر فبنى الإسكندرية وسماها باسم نفسه ، ثم دخل الشام وقصد بني إسرائيل وورد بيت المقدس وذبح في مذبحه ثم عطف إلى أرمينية وباب الأبواب ودانت له العبرانيون والقبط والبربر ، ثم توجه نحو داراً ابن دارا وهزمه إلى أن قتله فاستولى على ممالك الفرس ، ثم قصد الهند والصين وغزا الأمم البعيدة ورجع إلى خراسان وبنى المدن الكثيرة ، ورجع إلى العراق ومرض بشهرزور ومات بها . وقال الإمام فخر الدين الرازي : لما ثبت بالقرآن أن ذا القرنين كان رجلاً ملك الأرض بالكلية أو ما يقرب منها ، وثبت من علم التاريخ أن من هذا شأنه ما كان إلا الإسكندر وجب القطع بأن ذا القرنين هو الإسكندر . قال : وفيه إشكال لأنه كان تلميذاً لأرسطا طاليس وكان على مذهبه . فتعظيم الله إياه يوجب الحكم بأن مذهب أرسطو حق وصدق ذلك وذلك مما لا سبيل إليه . قلت : ليس كل ما ذهب إليه الفلاسفة باطلاً فلعله أخذ منهم ما صفا وترك ما كدر . والسبب في تسميته بذي القرنين أنه بلغ قرني الشمس أي مطلعهما ومغربها . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف قرني الدنيا يعني جانبيها شرقها وغربها . وقيل : كان له قرنان ضفيرتان . وقيل : انقرض في وقته قرنان من الناس . وقيل : كان لتاجه قرنان . وعن وهب أنه سمي بذلك لأنه ملك الروم وفارس . ويروى الروم والترك . وعنه كانت صفحتا رأسه من نحاس . وقيل : كان على رأسه ما يشبه القرنين . وقيل : لشجاعته كما سمى الشجاع كبشاً كأنه ينطح أقرانه . وقيل : رأى في المنام كأنه صعد الفلك وتعلق بطرفي الشمس أي بقرنيها . وزعم الفرس أن دارا الأكبر تزوّج بابنة فيلقوس ، فلما قرب منها وجد رائحة منكرة فردها إلى أبيها وكانت قد حملت بالإسكندر فولدت الإسكندر وبقي عند فيلقوس وأظهر أنه ابنه وهو في الحقيقة دارا الأكبر . وقال أبو الريحان : إنه من ملوك حمير والدليل عليه أن الأذواء كانوا من اليمن كذي يزن وغيره . ويروى أنه ملك الدنيا بأسرها أربعة : ذو القرنين وسليمان - وهما مؤمنان - ونمرود وبختنصر - وهما كافران - واختلفوا فيه فقيل : كان عبداً صالحاً ملكه الأرض وأعطاه العلم والحكمة وألبسه الهيبة وسخر له النور والظلمة ، فإذا سرى يهديه النور من أمامه وتحوطه الظلمة من ورائه .

/خ110