الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَن ذِي ٱلۡقَرۡنَيۡنِۖ قُلۡ سَأَتۡلُواْ عَلَيۡكُم مِّنۡهُ ذِكۡرًا} (83)

ثم قال : { ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا } [ 82 ] .

أي : ويسألك يا محمد المشركون عن ذي القرنين وقصته { قل سأتلوا عليكم منه ذكرا } [ 82 ] أي سأقص عليكم منه خبرا . وهذا مما سألت اليهود قريشا أن يسألوا عنه النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل إن اليهود بأنفسهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك{[43369]} .

قال : مجاهد : ملك الأرض أربعة مسلمان وكافران . أما المسلمان فسليمان بن داود [ عليه السلام ] وذو القرنين{[43370]} . وأما الكافران فنمرود وبختنصر{[43371]} .

وروى{[43372]} عقبة بن عامر{[43373]} أنه خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فلقيني{[43374]} قوم من اليهود فقالوا : نريد أن نسأل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فاستأذن لنا عليه ، قال : فدخلت فأعلمته . فقال : مالي ولهم ؟ ما لي علم إلا ما علمني الله . ثم قال : [ لي ]{[43375]} : أسكب لي ماء فتوضأ ثم صلى . قال : فما فرغ حتى عرفت السرور في وجهه . ثم قال : أدخلهم{[43376]} علي وما رأيت من أصحابي . فدخلوا فقاموا بين يديه . فقال : إن شئتم سألتم{[43377]} فأخبرتكم عما تجدونه في كتابكم مكتوبا . وإن شئتم أخبرتكم ، فقالوا : بل{[43378]} أخبرنا . قال : جئتم تسألوني عن ذي القرنين وما تجدونه في كتابكم : كان شابا من الروم فجاء فبنى مدينة مصر الإسكندرية فلما{[43379]} ، فرغ جاء ملك فعلا به في السماء ، فقال : ما ترى ؟ قال : أرى مدينتي ومدائن . ثم علا به ، فقال : ما ترى ؟ قال : أرى مدينتي ، ثم علا به فقال : ما ترى ؟ قال : أرى الأرض . قال : فهو اليم المحيط بالدنيا إن الله [ تعالى ]{[43380]} بعثني إليك تعلم الجاهل وتثبت العالم . فأتى به السد[ ين ]{[43381]} وهما جبلان لينان يزلق عنهما كل شيء . ثم مضى به حتى{[43382]} جاوز يأجوج ومأجوج . ثم مضى به/إلى أمة أخرى وجوههم وجوه الكلاب يقاتلون يأجوج ومأجوج . ثم مضي به حتى بلغ إلى أمة أخرى يقاتلون هؤلاء الذين وجوههم وجوه الكلاب . ثم مضى به حتى قطع هؤلاء إلى أمة أخرى قد سماهم{[43383]} ، وإنما سمى ذو القرنين لأنه ضرب على قرنه فهلك ثم أحيي فضرب على القرن الآخر{[43384]} فهلك .

قال : علي بن أبي طالب [ رضي الله عنه ]{[43385]} : لم يكن نبيا ولا ملكا ، ولكن كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه . ونصح لله{[43386]} [ عز وجل{[43387]} ] فنصحه ، ضرب على قرنه الأيسر{[43388]} فمات . فبعثه الله ، ثم ضرب على قرنه الأيمن{[43389]} فمات فأحياه الله ، وفيكم مثله{[43390]} .

وقال : وهب بن منبه{[43391]} كان ذو{[43392]} القرنين ملكا ، قيل له : لم سمي ذا القرنين ؟

فقال : اختلف فيه أهل الكتاب . فقال : بعضهم ملك الروم وفارس . وقال : بعضهم كان في رأسه شبه القرنين{[43393]} .

وقال : بعضهم إنما سمي بذلك لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس{[43394]} . وقيل كانت له ظفرتان . وقيل لأنه بلغ قطري الأرض المشرق والمغرب ، وقيل سمي بذلك لأنه بلغ قرني الشمس{[43395]} .

وروى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان يعلق سلاحه{[43396]} بقرن الثريا ، وكان له حمار يضع حافره منتهى بصره . وروي أنه كان يربط ارسان خيله بقرون الثريا .

وقيل كان ذو القرنين يوناني من أهل مصر اسمه مرزبان{[43397]} بن مرزية من ولد يونان{[43398]} بن يافت بن نوح : حكى ذلك محمد بن إسحاق{[43399]} عن أهل الأخبار من{[43400]} الأعاجم{[43401]} .

وقال : ابن هشام{[43402]} : اسمه الاسكندر . وهو الذي بنى الاسكندرية فنسبت إلى اسمه{[43403]} .

وسمع عمر بن الخطاب رجلا يقول : يا ذا القرنين . فقال : عمر اللهم عفوا ، أما رضيتم أن تتسموا بالنبيين ، حتى تسميتهم{[43404]} بالملائكة{[43405]} .

وذكر ابن وهب إنما سمي بذي القرنين لأنه كان له قرنان صغيران تواريهما العمامة{[43406]} . وقال : إن الذي كان معه فتاه ليس بموسى الذي كلم الله ، ولكن كان أعلم من على وجه الأرض إلا الملك الذي لقي فدل قوله أن الذي لقي كان ملكا ولم يكن الخضر .


[43369]:وهو تفسير ابن جرير، انظر جامع البيان 16/8.
[43370]:ط زاد: "صلى الله عليه وسلم".
[43371]:انظر قوله في تفسير مجاهد 450، والجامع 11/32، وفي المستدرك 2/589 "عن معاوية يقول": ملك الأرض أربعة: سليمان بن داود وذو القرنين ورجل من أهل حلوان ورجل آخر. فقيل له: الخضر فقال: لا".
[43372]:ق: ورواها.
[43373]:هو عقبة بن عامر بن عبس بن مالك الجهني أمير من الصحابة كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم، وولي مصر سنة 44 هـ ومات بها سنة 58 وهو أحد من جمع القرآن. انظر ترجمته في الحلية 2/8، والإصابة رقم 5603 والأعلام 4/240.
[43374]:ط: "فلقي".
[43375]:ساقط من ط.
[43376]:ساقط من ق.
[43377]:ق : "سألتكم".
[43378]:ق : "بلى".
[43379]:ق: فلم.
[43380]:ساقط من ق.
[43381]:ساقط من ق.
[43382]:ط: "حتى حتى".
[43383]:انظر هذا الأثر في جامع البيان 16/8، والجامع 11/33، والدر 5/437.
[43384]:ط: "الأخرى".
[43385]:ساقط من ط.
[43386]:ق: "الله".
[43387]:ساقط من ق.
[43388]:ط: الأيمن.
[43389]:ط: "الأيسر".
[43390]:انظر قوله في جامع البيان 16/9، ومعاني الزجاج 3/308.
[43391]:ق: "الله".
[43392]:ق: "ذا".
[43393]:انظر في جامع البيان 16/9، والدر 5/439.
[43394]:وهو قول وهب بن منبه، انظر جامع البيان 16/9، والدر 5/439.
[43395]:وهو قول ابن شهاب انظر الدر 5/439.
[43396]:ق: سلاحه.
[43397]:ق: "مريا".
[43398]:ق: "ينون".
[43399]:هو محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي، بالولاء المدني، له المسيرة النبوية التي هذبها ابن هشام، وسكن بغداد فمات فيها سنة 119هـ، قال ابن حبان: لم يكن أحد بالمدينة يقارن ابن إسحاق في علمه أو يوازيه في جمعه، وهو من أحسن الناس سياقا للأخبار، انظر ترجمته في طبقات ابن سعد 2/67 وتذكرة الحفاظ 1/163 وتاريخ بغداد 1/214 والأعلام 6/28.
[43400]:ق: "عن".
[43401]:انظر قوله في الجامع 11/31، والدر 439 وفيه أن اسمه "مرزيا بن مرزية من ولد يونن".
[43402]:هو عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين: مؤرخ كان عالما بالأنساب واللغة وأخبار العرب ولد ونشأ في البصرة وتوفي بمصر سنة 213 وأشهر كتبه "السيرة النبوية"، انظر ترجمته في وفيات الأعيان 3/177، والبداية والنهاية 10/267، والأعلام 4/166.
[43403]:انظر قوله في الجامع 11/31 وفي الدر 5/436.
[43404]:ق: تشميتهم.
[43405]:انظر قوله في الجامع 11/31، والدر 5/436.
[43406]:انظر قوله في الجامع 11/32، وفي الدر 5/437 و 438 أنه قال عبيد بن عمير.