تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَسۡعَىٰ نُورُهُم بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡيَوۡمَ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

{ 12-15 } { يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } يقول تعالى -مبينا لفضل الإيمان واغتباط أهله به يوم القيامة- : { يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ } أي : إذا كان يوم القيامة ، وكورت الشمس ، وخسف القمر ، وصار الناس في الظلمة ، ونصب الصراط على متن جهنم ، فحينئذ ترى المؤمنين والمؤمنات ، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ، فيمشون بأيمانهم ونورهم في ذلك الموقف الهائل الصعب ، كل على قدر إيمانه ، ويبشرون عند ذلك بأعظم بشارة ، فيقال : { بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } فلله ما أحلى هذه البشارة بقلوبهم ، وألذها لنفوسهم ، حيث حصل لهم كل مطلوب [ محبوب ] ، ونجوا من كل شر ومرهوب .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَسۡعَىٰ نُورُهُم بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡيَوۡمَ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

ثم بين - سبحانه - ما أعده للمؤمنين الصادقين من ثواب ، وساق جانبا مما يدور بينهم وبين المنافقين من محاورات . . . فقال - تعالى - : { يَوْمَ تَرَى المؤمنين . . . } .

قوله - تعالى - { يَوْمَ تَرَى المؤمنين } منصوب بفعل مقدر ، والرؤية بصرية ، والخطاب لكل من يصلح له .

والمعنى : واذكر - أيها العاقل - لتتعظ ولتعتبر ، يوم تبصر المؤمنين والمؤمنات { يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم } . والأيمان : جميع يمين . والمراد جهة اليمين .

أى : يتحرك نورهم معهم من أمامهم ، ومن جهة يمينهم ، على سبيل التشريف والتكريم لهم .

قال ابن كثير : يقول - تعالى - مخبرا عن المؤمنين المتصدقين ، أنهم يوم القيامة ، يسعى نورهم بين أيديهم فى عرصات القيامة بحسب أعمالهم ، كما قال عبد الله بن مسعود : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم ، ويمرون على الصراط ، منهم من نوره مثل الجبل ، ومنهم من نوره مثل النخلة ، ومنهم من نوره مثل الرجل القائم .

وعطف - سبحانه - { المؤمنات } على { المؤمنين } للتنبيه على أن كلا من الذكر والأنثى . له أجره على عمله الصالح ، بدون إجحاف أو محاباة لجنس على جنس ، كما قال - تعالى - : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } والباء فى قوله : { وَبِأَيْمَانِهِم } بمعنى عن . واقتصر على ذكر الإيمان على سبيل التشريف لتلك الجهة ، والمراد أن نورهم يحيط بهم من جميع جوانبهم .

وقوله : { بُشْرَاكُمُ اليوم جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم } مقول لقول محذوف .

وقوله : تقول لهم الملائكة على سبيل التكريم والتحية : نبشركم اليوم بجنات عظيمة . تجرى من تحت ثمارها وأشجارها الأنهار العذبة ، حالة كونكم خالدين فيها خلودا أبديا ، وذلك الذى أنتم فيه من نور يسعى بين أيديكم ، ومن جنات أنتم خالدون فيها . . . هو الفوز العظيم ، الذى لا يعادله فوز أو فلاح .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَسۡعَىٰ نُورُهُم بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡيَوۡمَ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

يقول تعالى مخبرًا عن المؤمنين المتصدقين : أنهم {[28246]} يوم القيامة يسعَى نورهم بين أيديهم في عَرصات القيامة ، بحسب أعمالهم ، كما قال عبد الله بن مسعود في قوله : { يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } قال : على قدر أعمالهم يمرون على الصراط ، منهم مَن نوره مثل الجبل ، ومنهم مَن نوره مثل النخلة ، ومنهم مَن نوره مثل الرجل القائم ، وأدناهم نورًا مَن نوره في إبهامه يتَّقد مرة ويطفأ مرة{[28247]} ورواه بن أبي حاتم وبن جرير .

وقال قتادة : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " من المؤمنين من يضيء نُوره من المدينة إلى عَدن أبين وصنعاء فدون ذلك ، حتى إن من المؤمنين من يضيء نوره موضع قدميه " {[28248]}

وقال سفيان الثوري ، عن حُصَين ، عن مجاهد عن جُنَادة بن أمية قال : إنكم مكتوبون عند الله بأسمائكم ، وسيماكم وحُلاكم ، ونجواكم ومجالسكم ، فإذا كان يوم القيامة قيل : يا فلان ، هذا نورك . يا فلان ، لا نور لك . وقرأ : { يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ }

وقال الضحاك : ليس لأحد إلا يعطى نورًا يوم القيامة ، فإذا انتهوا إلى الصراط طفئ نور المنافقين ، فلما رأي ذلك المؤمنون أشفقوا أن يطفأ نورهم كما طُفئ نور المنافقين ، فقالوا : ربنا ، أتمم لنا نورنا .

وقال الحسن [ في قوله ]{[28249]} { يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } يعني : على الصراط .

وقد قال ابن أبي حاتم ، رحمه الله : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب ، أخبرنا عمي{[28250]} عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سعيد{[28251]} بن مسعود : أنه سمع عبد الرحمن بن جُبَيْر يحدث : أنه سَمِع أبا الدرداء وأبا ذر يخبران عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنا أول من يؤذن له يوم القيامة بالسجود ، وأول من يؤذن له برفع رأسه ، فأنظر من بين يدي ومن خلفي ، وعن يميني وعن شمالي ، فأعرف أمتي من بين الأمم " . فقال له رجل : يا نبي الله ، كيف تعرف أمتك من بين الأمم ، ما بين نوح إلى أمتك ؟ قال : " أعرفهم ، مُحَجَّلون من أثر الوضوء ، ولا يكون لأحد من الأمم غيرهم ، وأعرفهم يُؤْتَون كتبهم بأيمانهم ، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم ، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم وذريتهم{[28252]} {[28253]}

وقوله { وَبِأَيْمَانِهِمْ } قال الضحاك : أي وبأيمانهم كتبهم ، كما قال : { فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } [ الإسراء : 71 ] .

وقوله : { بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ } أي : يقال لهم : بشراكم اليوم جنات ، أي : لكم البشارة بجنات تجري من تحتها الأنهار ، { خَالِدِينَ فِيهَا } أي : ماكثين فيها أبدًا { ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .


[28246]:- (1) في م: "أنه".
[28247]:- (2) في م: "ويطفأ أخرى".
[28248]:- (3) تفسير الطبري (27/128).
[28249]:- (4) زيادة من أ.
[28250]:- (1) في أ: "أخي"
[28251]:- (2) في م: "سعيد".
[28252]:- (3) في م: "وبأيمانهم".
[28253]:- (4) ورواه الحاكم في المستدرك (2/478) من طريق عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب به نحوه، وله طريق آخر سيأتي عند تفسير سورة التحريم.