ثم بين - سبحانه - جانبا آخر من إكرامه لبنى اسرائيل فقال : { وَلَقَدِ اخترناهم على عِلْمٍ عَلَى العالمين } .
والاختيار : الاصطفاء على سبيل التشريف والتكريم ، أى : ولقد اطصفينا بنى إسرائيل على عالمى زمانهم ، ونحن عالمون بذلك علما اقتضته حكمتنا ورحمتنا .
فقوله { على عِلْمٍ } فى موضع الحال من الفاعل ، والمراد بالعالمين : أهل زمانهم المعاصرين لهم ، بدليل قوله - تعالى - فى الأمة الإِسلامية : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ . . . } وهذا الاصطفاء والاختيار ، إنما مرده إلى من يعمل منهم عملا صالحا ، أما الذين لم يعلموا ذلك فلا مزية لهم ولا فضل ، ولذا نجد كثيرا من الآيات تذم من يستحق الذم منهم .
ومن ذلك قوله - تعالى - : { لُعِنَ الذين كَفَرُواْ مِن بني إِسْرَائِيلَ على لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ ذلك بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }
ثم يذكر اختيار الله لبني إسرائيل - على علم - بحقيقتهم كلها ، خيرها وشرها . اختيارهم على العالمين في زمانهم بطبيعة الحال ، لما يعلمه الله من أنهم أفضل أهل زمانهم وأحقهم بالاختيار والاستخلاف ؛ على كل ما قصه عنهم بعد ذلك من تلكؤ ومن انحراف والتواء . مما يشير إلى أن اختيار الله ونصره قد يكون لأفضل أهل زمانهم ؛ ولو لم يكونوا قد بلغوا مستوى الإيمان العالي ؛ إذا كانت فيهم قيادة تتجه بهم إلى الله على هدى وعلى بصيرة واستقامة .
إشارة إلى أن الله تعالى قد اختار الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم على أمم عصرهم كما اختار الذين آمنوا بموسى عليه السلام على أمم عصرهم وأنه عالم بأن أمثالهم أهل لأن يختارهم الله . والمقصود : التنويه بالمؤمنين بالرسل وأن ذلك يقتضي أن ينصرهم الله على أعدائهم ولأجل هذه الإشارة أكد الخبر باللام و ( قد ) ، كما أكد في قوله آنِفاً { ولقد نجينا بني إسرائيل } [ الدخان : 30 ] ، و { على } في قوله : { على علم } بمعنى ( مع ) ، كقول الأحوص :
إني على ما قد علمتتِ محسَّد *** أنمي على البغضاء والشنآن
وموضع المجرور بها موضع الحال .
والمراد ب { العالمين } الأمم المعاصرة لهم . ثم بدلوا بعد ذلك فضربت عليهم الذلة ، وقد اختار الله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على الأمم فقال : { كنتم خير أمة أخرجت للناس } [ آل عمران : 110 ] أي أخرجها الله للناس . واختار المسلمين بعدهم اختياراً نسبياً على حسب استقامتهم واستقامة غيرهم من الأمم على أن التوحيد لا يعدله شيء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.