ثم فصل - سبحانه - هذا الوعيد ، وبين ما أعده لهم من عذاب فقال : { إِذِ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ والسلاسل يُسْحَبُونَ . فِي الحميم ثُمَّ فِي النار يُسْجَرُونَ }
و " إذ " هنا ظرف بمعنى " إذا " وهو متعلق بيعلمون ، وعبر - سبحانه - بالظرف الدال على المضى ، للدلالة على تحقق الخبر ، حتى لكأن العذاب قد نزل بهم فعلا .
والأغلال : جمع غل - بضم الغين - وهو القيد يوضع فى اليد والعنق فيجمعهما .
والسلاسل : جمع سلسلة ، وهى ما يربط بها الجانى على سبيل الإِذلال له .
والحميم : الماء البالغ أقصى درجات الحرارة .
ويسجرون : مأخوذ من سجر التنور ، إذا ملأه بالوقود .
والمعنى : فسوف يعلمون سوء عاقبة تكذيبهم وجدالهم بالباطل يوم القيامة ، وقت أن توضع الأغلال والقيود فى أعناقهم ، ثم يسحبون ويجرون إلى الحميم بعنف وإهانة ، ثم يلقى بهم فى النار التى تمتلئ بهم ، ويكونون وقودا لها .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : وهل قوله : { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ . إِذِ الأغلال . . } إلا مثل قولك : سوف أصوم أمس ؟
قلت : المعنى على إذا ، إلا أن الأمور المستقبلة لما كانت فى أخبارك الله - تعالى - متيقنة مقطوعا بها ، عبر عنها بلفظ ما كان ووجد . والمعنى على الاستقبال . .
وقوله تعالى : { إذ الأغلال } يعني يوم القيامة ، والعامل في الظرف { يعلمون } وعبر عن ظرف الاستقبال بظرف لا يقال إلا في الماضي ، وذلك لما تيقن وقوع الأمر حسن تأكيده بالإخراج في صيغة المضي ، وهذا كثير في القرآن كما قال تعالى : { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم }{[10024]} قال الحسن بن أبي الحسن : لم تجعل السلاسل في أعناق أهل النار ، لأنهم أعجزوا الرب ، لكن لترسبهم إذا أطفاهم اللهب{[10025]} .
وقرأ جمهور الناس : «والسلاسلُ » عطفاً على { الأغلال } . وقرأ ابن عباس وابن مسعود : «والسلاسلَ » بالنصب «يسحَبون » بفتح الحاء وإسناد الفعل إليهم وإيقاع الفعل على «السلاسل » . وقرأت فرقة «والسلاسلِ » بالخفض على تقدير إذ أعناقهم في الأغلال والسلاسل . فعطف على المراد من الكلام لا على ترتيب اللفظ ، إذ ترتيبه فيه قلب ، وهو على حد قول العرب : أدخلت القلنسوة في رأسي . وفي مصحف أبي بن كعب : «وفي السلاسل يسحبون » . و : { يسحبون } معناه يجرون ، والسحب الجر . و { الحميم } : الذائب الشديد الحر من النار ، ومنه يقال للماء السخن : حميم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم أخبر عن الوعيد، فقال: {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون} على الوجوه.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 70]
يقول تعالى ذكره: ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون الذين كذّبوا بكتاب الله، وهو هذا القرآن... "وبِمَا أرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا "يقول: وكذّبوا أيضا مع تكذيبهم بكتاب الله بما أرسلنا به رسلنا من إخلاص العبادة لله، والبراءة مما يعبد دونه من الآلهة والأنداد، والإقرار بالبعث بعد الممات للثواب والعقاب.
وقوله: "فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إذِ الأغْلالِ في أعْناقِهِمْ والسّلاسِلُ"، وهذا تهديد من الله المشركين به يقول جلّ ثناؤه: فسوف يعلم هؤلاء الذين يجادلون في آيات الله، المكذّبون بالكتاب حقيقة ما تخبرهم به يا محمد، وصحة ما هم به اليوم مكذبون من هذا الكتاب، حين تجعل الأغلال والسلاسل في أعناقهم في جهنم...
وقوله: "يُسْحَبُونَ" يقول: يسحب هؤلاء الذين كذّبوا في الدنيا بالكتاب زبانيةُ العذاب يوم القيامة "في الحميم"، وهو ما قد انتهى حرّه، وبلغ غايته.
وقوله: "ثُمّ فِي النّارِ يُسْجَرُونَ" يقول: ثم في نار جهنم يحرقون، يقول: تسجر بها جهنم: أي توقد بهم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كانوا في الدنيا قد جمعت أيديهم إلى أذقانهم بجوامع السطوة، ثم وصلت بسلاسل القهر يساقون بها عن مقام الظفر بالنجاح إلى أهويات الكفر بالجدال بالباطل ومهامه الضلال المبين كما قال تعالى: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً} [يس: 8] الآية، فجعل باطن تلك السلاسل الدنيوية والأغلال ظاهراً في ذلك المجمع قال: {إذ} أي حين تكون.
{الأغلال} جمع غل، قال في ديوان الأدب، هو الذي يعذب به الإنسان، وأصله الإدخال، يدخل فيه العنق واليد فتجمعان به.
{في أعناقهم} أي جامعة لأيديهم إلى تراقيهم، وعبر بإذ ومعناها المضي مع سوف ومعناها الاستقبال، لأن التعبير بالمضي إنما هو إشارة إلى تحقق الأمر مع كونه مستقبلاً.
{والسلاسل} أي في أعناقهم أيضاً يقيدهم ذلك عن كل تصرف لكونهم لم يتقيدوا بكتاب ولا رسول، والسلسلة من: تسلسل الشيء: اضطرب، قال الراغب: كأنه تصور منه تسلسل متردد، فردد لفظه تنبيهاً على تردد معناه، وما سلسل متردد في مقره حتى صفا، حال كونهم {يسحبون *} أي بها، والسحب: الجر بعنف
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إنها الإهانة والتحقير في العذاب. لا مجرد العذاب. (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون)
بهذه المهانة كما تسحب الأنعام والوحوش! وعلام التكريم؟ وقد خلعوا عن أنفسهم شارة التكريم؟!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والظرف الذي في قوله: {إذِ الأغلال في أعناقهم} متعلق ب {يعلمون} أي يعلمون في ذلك الزمن. وشأن (إذْ) أن تكون اسماً للزمن الماضي واستعملت هنا للزمن المستقبل بقرينة (سوف) فهو إما استعمالُ المجاز بعلاقة الإِطلاق، وإما استعارة تبعية للزمن المستقبل المحقق الوقوع تشبيهاً بالزمن الماضي وقد تكرر ذلك. وأول ما يعلمونه حين تكون الأغلال في أعناقهم أنهم يتحققون وقوع البعث.
والأغلال: جمع غُل، بضم العين، وهو حلقة من قدِّ أو حديد تحيط بالعنق تناط بها سلسلة من حديد، أو سَير من قِدّ يُمسك بها المجرم والأسير.
والسلاسل: جمع سِلْسِلة بكسر السينين وهي مجموع حلق غليظة من حديد متصل بعضها ببعض.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.