{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }
أمر الله تعالى المؤمنين ، بالاستعانة على أمورهم الدينية والدنيوية { بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ } فالصبر هو : حبس النفس وكفها عما تكره ، فهو ثلاثة أقسام : صبرها على طاعة الله حتى تؤديها ، وعن معصية الله حتى تتركها ، وعلى أقدار الله المؤلمة فلا تتسخطها ، فالصبر هو المعونة العظيمة على كل أمر ، فلا سبيل لغير الصابر ، أن يدرك مطلوبه ، خصوصا الطاعات الشاقة المستمرة ، فإنها مفتقرة أشد الافتقار ، إلى تحمل الصبر ، وتجرع المرارة الشاقة ، فإذا لازم صاحبها الصبر ، فاز بالنجاح ، وإن رده المكروه والمشقة عن الصبر والملازمة عليها ، لم يدرك شيئا ، وحصل على الحرمان ، وكذلك المعصية التي تشتد دواعي النفس ونوازعها إليها وهي في محل قدرة العبد ، فهذه لا يمكن تركها إلا بصبر عظيم ، وكف لدواعي قلبه ونوازعها لله تعالى ، واستعانة بالله على العصمة منها ، فإنها من الفتن الكبار . وكذلك البلاء الشاق ، خصوصا إن استمر ، فهذا تضعف معه القوى النفسانية والجسدية ، ويوجد مقتضاها ، وهو التسخط ، إن لم يقاومها صاحبها بالصبر لله ، والتوكل عليه ، واللجأ إليه ، والافتقار على الدوام .
فعلمت أن الصبر محتاج إليه العبد ، بل مضطر إليه في كل حالة من أحواله ، فلهذا أمر الله تعالى به ، وأخبر أنه { مَعَ الصَّابِرِينَ } أي : مع من كان الصبر لهم خلقا ، وصفة ، وملكة بمعونته وتوفيقه ، وتسديده ، فهانت عليهم بذلك ، المشاق والمكاره ، وسهل عليهم كل عظيم ، وزالت عنهم كل صعوبة ، وهذه معية خاصة ، تقتضي محبته ومعونته ، ونصره وقربه ، وهذه [ منقبة عظيمة ]{[109]} للصابرين ، فلو لم يكن للصابرين فضيلة إلا أنهم فازوا بهذه المعية من الله ، لكفى بها فضلا وشرفا ، وأما المعية العامة ، فهي معية العلم والقدرة ، كما في قوله تعالى : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } وهذه عامة للخلق .
وأمر تعالى بالاستعانة بالصلاة لأن الصلاة هي عماد الدين ، ونور المؤمنين ، وهي الصلة بين العبد وبين ربه ، فإذا كانت صلاة العبد صلاة كاملة ، مجتمعا فيها ما يلزم فيها ، وما يسن ، وحصل فيها حضور القلب ، الذي هو لبها فصار العبد إذا دخل فيها ، استشعر دخوله على ربه ، ووقوفه بين يديه ، موقف العبد الخادم المتأدب ، مستحضرا لكل ما يقوله وما يفعله ، مستغرقا بمناجاة ربه ودعائه لا جرم أن هذه الصلاة ، من أكبر المعونة على جميع الأمور فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولأن هذا الحضور الذي يكون في الصلاة ، يوجب للعبد في قلبه ، وصفا ، وداعيا يدعوه إلى امتثال أوامر ربه ، واجتناب نواهيه ، هذه هي الصلاة التي أمر الله أن نستعين بها على كل شيء .
وبعد أن أمر - سبحانه - عباده بذكره وشكره ، وجه نداء إليهم بين لهم فيه ما يعينهم على ذلك ، كما بين لهم منزلة الشهداء ، وعاقبة الصابرين على البلاء فقال - تعالى - :
{ يَآأَيُّهَا الذين آمَنُواْ استعينوا . . . }
المعنى : يا من آمنتم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، استعينوا على إقامة دينكم والدفاع عنه ، وعلى فعل الطاعات وترك المعاصي ، وعلى احتمال المكاره التي تجري بها الأقدار ، استعينوا على كل ذلك بالصبر الجميل وبالصلاة المصحوبة بالخشوع والإِخلاص والتذلل للخالق - عز وجل - فإن الإِيمان الذي خالط قلوبكم يستدعى منكم القيام بالمصاعب ، واحتمال المكاره ، ولقاء الأذى من عدو أو سفيه ، ولن تستطيعوا أن تتغلبوا على كل ذلك إلا بالصبر والصلاة .
ولقد استجاب النبي صلى الله عليه وسلم لهذا التوجيه الرباني ، وتأسى به أصحابه في ذلك ، فقد أخرج الإِمام أحمد - بسنده - عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان إذا حزبه أمر صلى " .
أي : إذا شق عليه أمر لجأ إلى الصلاة لله رب العالمين .
وافتتحت الآية الكريمة بالنداء ، لأن فيه إشعاراً بخبر مهم عظيم ، فإن من شأن الأخبار العظيمة التي تهول المخاطب أن يقدم قبلها ما يهئ النفس لقبولها لتستأنس بها قبل أن تفجأها ولعل مما يشهد بأفضلية هذه الأمة على غيرها من الأمم ، أن الله - تعالى - قد أمر بني إسرائيل في السورة نفسها بالاستعانة بالصبر والصلاة فقال : { استعينوا بالصبر والصلاة } إلا أنه - سبحانه - قال لهم : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين } ليشعرهم بضعف عزائمهم عن عظائم الأعمال ، ولم يقل - سبحانه - للمؤمنين ذلك في الآية التي معنا ، للإِيماء إلى أنهم قد يسر لهم ما يصعب على غيرهم ، وأنهم هم الخاشعون الذين استثناهم الله هنالك .
وقوله - تعالى - : { إِنَّ الله مَعَ الصابرين } .
ولم يقل " معكم " ليفيد أن معونته إنما تمدهم إذا صار الصبر وصفا لازما لهم .
قال الأستاذ الإِمام : إن من سنة الله : - تعالى - أن الأعمال العظيمة لا تتم ولا ينجح صاحبها إلا بالثبات والاستمرار ، وهذا إنما يكون بالصبر ، فمن صبر فهو على سنة الله والله معه ، لأنه - سبحانه - جعل هذا الصبر سبباً للظفر ، إذ هو يولد الثبات والاستمرار الذي هو شرط النجاح ، ومن لم يصبر فليس الله معه ، لأنه تنكب سنته ، ولن يثبت فيبلغ غايته .
بعد تقرير القبلة ، وإفراد الأمة المسلمة بشخصيتها المميزة ، التي تتفق مع حقيقة تصورها المميزة كذلك . . كان أول توجيه لهذه الأمة ذات الشخصية الخاصة والكيان الخاص ، هذه الأمة الوسط الشهيدة على الناس . . كان أول توجيه لهذه الأمة هو الاستعانة بالصبر والصلاة على تكاليف هذا الدور العظيم . والاستعداد لبذل التضحيات التي يتطلبها هذا الدور من استشهاد الشهداء ، ونقص الأموال والأنفس والثمرات ، والخوف والجوع ، ومكابدة أهوال الجهاد لإقرار منهج الله في الأنفس ، وإقراره في الأرض بين الناس . وربط قلوب هذه الأمة بالله ، وتجردها له ، ورد الأمور كلها إليه . . كل أولئك في مقابل رضى الله ورحمته وهدايته ، وهي وحدها جزاء ضخم للقلب المؤمن ، الذي يدرك قيمة هذا الجزاء . .
( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة . إن الله مع الصابرين ) . .
يتكرر ذكر الصبر في القرآن كثيرا ؛ ذلك أن الله سبحانه يعلم ضخامة الجهد الذي تقتضيه الاستقامة على الطريق بين شتى النوازع والدوافع ؛ والذي يقتضيه القيام على دعوة الله في الأرض بين شتى الصراعات والعقبات ؛ والذي يتطلب أن تبقى النفس مشدودة الأعصاب ، مجندة القوى ، يقظة للمداخل والمخارج . . ولا بد من الصبر في هذا كله . . لا بد من الصبر على الطاعات ، والصبر عن المعاصي ، والصبر على جهاد المشاقين لله ، والصبر على الكيد بشتى صنوفه ، والصبر على بطء النصر ، والصبر على بعد الشقة ، والصبر على انتفاش الباطل ، والصبر على قلة الناصر ، والصبر على طول الطريق الشائك ، والصبر على التواء النفوس ، وضلال القلوب ، وثقلة العناد ، ومضاضة الاعراض . .
وحين يطول الأمد ، ويشق الجهد ، قد يضعف الصبر ، أو ينفد ، إذا لم يكن هناك زاد ومدد . ومن ثميقرن الصلاة إلى الصبر ؛ فهي المعين الذي لا ينضب ، والزاد الذي لا ينفد . المعين الذي يجدد الطاقة ، والزاد الذي يزود القلب ؛ فيمتد حبل الصبر ولا ينقطع . ثم يضيف إلى الصبر ، الرضى والبشاشة ، والطمأنينة ، والثقة ، واليقين .
إنه لا بد للإنسان الفاني الضعيف المحدود أن يتصل بالقوة الكبرى ، يستمد منها العون حين يتجاوز الجهد قواه المحدودة . حينما تواجهه قوى الشر الباطنة والظاهرة . حينما يثقل عليه جهد الاستقامة على الطريق بين دفع الشهوات وإغراء المطامع ، وحينما تثقل عليه مجاهدة الطغيان والفساد وهي عنيفة . حينما يطول به الطريق وتبعد به الشقة في عمره المحدود ، ثم ينظر فإذا هو لم يبلغ شيئا وقد أوشك المغيب ، ولم ينل شيئا وشمس العمر تميل للغروب . حينما يجد الشر نافشا والخير ضاويا ، ولا شعاع في الأفق ولا معلم في الطريق . .
هنا تبدو قيمة الصلاة . . إنها الصلة المباشرة بين الإنسان الفاني والقوة الباقية . إنها الموعد المختار لالتقاء القطرة المنعزلة بالنبع الذي لا يغيض . إنها مفتاح الكنز الذي يغني ويقني ويفيض . إنها الانطلاقة من حدود الواقع الأرضي الصغير إلى مجال الواقع الكوني الكبير . إنها الروح والندى والظلال في الهاجرة ، إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب المكدود . . ومن هنا كان رسول الله [ ص ] إذا كان في الشدة قال : " أرحنا بها يا بلال " . . ويكثر من الصلاة إذا حزبه أمر ليكثر من اللقاء بالله .
إن هذا المنهج الإسلامي منهج عبادة . والعبادة فيه ذات أسرار . ومن أسرارها أنها زاد الطريق . وأنها مدد الروح . وأنها جلاء القلب . وأنه حيثما كان تكليف كانت العبادة هي مفتاح القلب لتذوق هذا التكليف في حلاوة وبشاشة ويسر . . إن الله سبحانه حينما انتدب محمدا [ ص ] للدور الكبير الشاق الثقيل ، قال له :
( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا . نصفه أو انقص منه قليلا . أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا . . إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) . . فكان الإعداد للقول الثقيل ، والتكليف الشاق ، والدور العظيم هو قيام الليل وترتيل القرآن . . إنها العبادة التي تفتح القلب ، وتوثق الصلة ، وتيسر الأمر ، وتشرق بالنور ، وتفيض بالعزاء والسلوى والراحة والاطمئنان .
ومن ثم يوجه الله المؤمنين هنا وهم على أبواب المشقات العظام . . إلى الصبر وإلى الصلاة . .
ثم يجيء التعقيب بعد هذا التوجيه : ( إن الله مع الصابرين ) . .
معهم ، يؤيدهم ، ويثبتهم ، ويقويهم ، ويؤنسهم ، ولا يدعهم يقطعون الطريق وحدهم ، ولا يتركهم لطاقتهم المحدودة ، وقوتهم الضعيفة ، إنما يمدهم حين ينفد زادهم ، ويجدد عزيمتهم حين تطول بهم الطريق . . وهو يناديهم في أول الآية ذلك النداء الحبيب : يا أيها الذين آمنوا . . ويختم النداء بذلك التشجيع العجيب : ( إن الله مع الصابرين ) .
والأحاديث في الصبر كثيرة نذكر بعضها لمناسبته للسياق القرآني هنا في إعداد الجماعة المسلمة لحمل عبئها والقيام بدورها :
عن خباب بن الأرث - رضي الله عنه - قال : شكونا إلى رسول الله [ ص ] وهو متوسد بردة في ظل الكعبة . فقلنا : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو لنا ؟ فقال : " قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ، فيجعل فيها ، ثم يؤتى بالمنشار ، فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد : " ما دون لحمه وعظمه ، ما يصده ذلك عن دينه . . والله ليتمن الله تعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت فلا يخاف إلا الله ، والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون " . .
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : " كأني أنظر إلى رسول الله [ ص ] يحكي نبيا من الأنبياء عليهم السلام ، ضربه قومه فأدموه ، وهو يمسح الدم عن وجهه ، وهو يقول : " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " .
وعن يحيى بن وثاب ، عن شيخ من أصحاب النبي [ ص ] قال : قال رسول الله [ ص ] : " المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم " .
هذه جمل معترضة بين قوله تعالى : { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } [ البقرة : 150 ] وما اتصل به من تعليله بقوله : { لئلا يكون للناس عليكم حجة } [ البقرة : 150 ] وما عطف عليه من قوله { ولأتم نعمتي عليكم } [ البقرة : 150 ] إلى قوله : { واشكروا لي ولا تكفرون } [ البقرة : 152 ] وبين قوله : { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب } [ البقرة : 177 ] لأن ذلك وقع تكملة لدفع المطاعن في شأن تحويل القبلة فله أشد اتصال بقوله : { لئلا يكون للناس عليكم حجةً } المتصل بقوله : { وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره } [ البقرة : 150 ] .
وهو اعتراض مُطْنِبٌ ابتُدىء به إعداد المسلمين لما هم أهله من نصر دين الله شكراً له على خَولهم من النعم المعدودة في الآيات السالفة من جعلهم أمة وسطاً وشهداء على الناس ، وتفضيلِهم بالتوجه إلى استقبال أفضل بقعة ، وتأييدهم بأنهم على الحق في ذلك ، وأمْرِهم بالاستخفافِ بالظالمين وأَنْ لا يخشوهم ، وتبْشيرهم بأنه أتم نعمته عليهم وهداهم ، وامتن عليهم بأنه أرسل فيهم رسولاً منهم ، وهداهم إلى الامتثال للأحكام العظيمة كالشكر والذكر ، فإن الشكر والذكر بهما تهيئة النفوس إلى عظيم الأعمال ، من أجل ذلك كله أَمرهم هنا بالصبر والصلاة ، ونبههم إلى أنهما عون للنفس على عظيم الأعمال ، فناسب تعقيبها بها ، وأيضاً فإن ما ذكر من قوله : { لئلا يكون للناس عليكم حجةً } مشعر بأن أناساً متصدُّون لشغبهم وتشكيكهم والكيد لهم ، فأُمروا بالاستعانة عليهم بالصبر والصلاة . وكلها متماسكة متناسبة الانتقال عدا آية : { إن الصفا والمروة من شعائر الله } إلى قوله : { شاكر عليم } [ البقرة : 158 ] فسيأتي تبييننا لموقعها .
وافتُتح الكلام بالنداء لأن فيه إشعاراً بخبرٍ مهم عظيم ، فإن شأن الأَخبار العظيمة التي تَهُول المخاطبَ أن يقدَّم قبلَها ما يهيءُ النفس لقبولها لتستأنس بها قبل أن تفْجَأَها .
وفي افتتاح هذا الخطاب بالاستعانة بالصبر إيذان بأنه سيُعقب بالنَّدْب إلى عمل عظيم وبلْوى شديدة ، وذلك تهيئةٌ للجهاد ، ولعله إعداد لغزوة بدر الكبرى ، فإن ابتداء المغازي كان قُبيل زمن تحويل القبلة إذ كان تحويل القبلة في رجب أو شعبان من السنة الثانية للهجرة وكانت غزوة بُوَاطَ والعُشَيْرَةِ وبدْرٍ الأولى في ربيع وجمادى من السنة الثانية ولم يكن فيهما قتال ، وكانت بَدْرٌ الكبرى في رمضان من السنة الثانية فكانت بعد تحويل القبلة بنحو شهرين .
وقد تقدم في تفسير قوله تعالى : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } [ البقرة : 143 ] أن ما وقع في حديث البراء بن عازب من قول الراوي أن ناساً قُتلوا قبل تحويل القبلة ، أنه توهم من أحد الرواة عن البراء ، فإن أَوَّلَ قَتْل في سبيل الله وقع في غزوة بدر وهي بعد تحويل القبلة بنحو شهرين ، والأصح ما في حديث الترمذي عن ابن عباس قال « لما وُجِّه النبي إلى الكعبة قالوا يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس » الحديث فلم يقل : ( الذين قتلوا ) . فالوجه في تفسير هذه الآية أنها تهيئة للمسلمين للصبر على شدائد الحرب ، وتحبيبٌ للشهادة إليهم . ولذلك وقع التعبير بالمضارع في قوله : { لمن يقتل في سبيل الله المشعر بأنه أمرٌ مستقبل وهم الذين قتلوا في وقعة بدر بُعَيد نزول هذه الآية .
وقد تقدم القول في نظير هذه الآية عند قوله تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلوات وإنها لكبيرة } [ البقرة : 45 ] الآية إلاَّ أنا نقول هنا إن الله تعالى قال لبني إسرائيل : { إنها لكبيرة } علماً منه بضعف عزائمهم عن عظائم الأعمال وقال هنالك { إلاَّ على الخاشعين } ولم يذكر مثل هذا هنا ، وفي هذا إيماء إلى أن المسلمين قد يُسر لهم ما يصعب على غيرهم ، وأنهم الخاشعون الذين استثناهم الله هنالك ، وزاد هنا فقال : { إن الله مع الصابرين } فبشرهم بأنهم ممن يمتثل هذا الأمر ويعد لذلك في زمرة الصابرين .
وقوله { إن الله مع الصابرين } تذييل في معنى التعليل أي اصبروا ليكون الله معكم لأنه مع الصابرين .