تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (67)

ثم لما أرسله معهم وصاهم ، إذا هم قدموا مصر ، أن { لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ } وذلك أنه خاف عليهم العين ، لكثرتهم وبهاء منظرهم ، لكونهم أبناء{[448]} رجل واحد ، وهذا سبب .

{ وَ } إلا ف { مَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ } فالمقدر لا بد أن يكون ، { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ } أي : القضاء قضاؤه ، والأمر أمره ، فما قضاه وحكم به لا بد أن يقع ، { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } أي : اعتمدت على الله ، لا على ما وصيتكم به من السبب ، { وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } فإن بالتوكل يحصل كل مطلوب ، ويندفع كل مرهوب .


[448]:- كذا في ب، وفي أ: ابن.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (67)

ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك ما وصى به يعقوب أبناءه عند سفرهم فقال { وَقَالَ يابني لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وادخلوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ . . . } .

أى : وقال يعقوب - الأب العطوف - لأبنائه وهو يودعهم : يا بنى إذا وصلتم إلى مصر ، فلا تدخلوا كلكم من باب واحد ، وأنتم أحد عشر رجلاً بل ادخلوا من أبوابها المتفرقة ، بحيث يدخل كل اثنين أو ثلاثة من باب .

قالوا : وكانت أبواب مصر في ذلك الوقت أربعة أبواب .

وقد ذكر المفسرون أسباباً متعددة لوصية يعقوب هذه لأبنائه ، وأحسن هذه الأسباب ما ذكره الآلوسى في قوله : نهاهم عن الدخول من باب واحد ، حذراً من إصابة العين ، أى من الحسد ، فإنهم كانوا ذوى جمال وشارة حسنة . . فكانوا مظنة لأن يعانوا - أى لأن يحسدوا - إذا ما - دخلوا كوكبة واحدة . . .

ثم قال : والعين حق ، كما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصح أيضاً بزيادة " ولو كان شئ يسبق القدر سبقته العين " .

وقد ورد أيضاً : " إن العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل القدر " .

وقيل : إن السبب في وصية يعقوب لأبنائه بهذه الوصية ، خوفه عليهم من أن يسترعى عددهم حراس مدينة مصر إذا ما دخلوا من باب واحد ، فيترامى في أذهانهم أنهم جواسيس أو ما شابه ذلك ، فربما سجنوهم ، أو حالوا بينهم وبين الوصول إلى يوسف - عليه السلام - . . .

وقوله { وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ الله مِن شَيْءٍ } اعتراف منه - عليه السلام - بأن دخولهم من الأبواب المتفرقة ، لن يحول بينهم وبين ما قدره - تعالى - وأراده لهم ، وإنما هو أمرهم بذلك من باب الأخذ بالأسباب المشروعة .

أى : وإنى بقولى هذا لكم ، لا أدفع عنكم شيئا قدره الله عليكم ، ولو كان هذا الشئ قليلا .

{ إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ } أى : ما الحكم في كل شئ إلى لله - تعالى - وحده لا ينازعه في ذلك منازع . ولا يدافعه مدافع .

{ وعليه } وحده { توكلت } في كل أمورى .

{ وعليه } وحده { فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون } أى المريدون للتوكل الحق ، والاعتماد الصدق الذي لا يتعارض مع الأخذ بالأسباب التي شرعها الله وأمر بها .

إذ أن كلا من التوكل والأخذ بالأسباب مطلوب من العبد ، إلا أن العاقل عندما يأخذ في الأسباب يجزم بأن الحكم لله وحده في كل الأمور ، وأن الأسباب ما هي إلا أمور عادية ، يوجد الله - تعالى - معها ما يريد إيجاده ، ويمنع ما يريد منعه ، فهو الفعال لما يريد .

ويعقوب - عليه السلام - عندما أوصى أبناءه بهذه الوصية ، أرادبها تعليمهم الاعتماد على توفيق الله ولطفه ، مع الأخذ بالأسباب المعتادة الظاهرة تأدباً مع الله - تعالى - واضع الأسباب ومشرعها . . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (67)

54

وبعد هذا الموثق جعل الرجل يوصيهم بما خطر له في رحلتهم القادمة ومعهم الصغير العزيز :

( وقال : يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة . وما أغني عنكم من الله من شيء . إن الحكم إلا لله ، عليه توكلت ، وعليه فليتوكل المتوكلون ) . .

ونقف هنا أمام قول يعقوب - عليه السلام - :

( إن الحكم إلا لله ) .

وواضح من سياق القول أنه يعني هنا حكم الله القدري القهري الذي لا مفر منه ولا فكاك . وقضاءه الإلهي الذي يجري به قدره فلا يملك الناس فيه لأنفسهم شيئا .

وهذا هو الإيمان بالقدر خيره وشره .

وحكم الله القدري يمضي في الناس على غير إرادة منهم ولا اختيار . . وإلى جانبه حكم الله الذي ينفذه الناس عن رضى منهم واختيار . وهو الحكم الشرعي المتمثل في الأوامر والنواهي . . وهذا كذلك لا يكون إلا الله . شأنه شأن حكمه القدري ، باختلاف واحد : هو أن الناس ينفذونه مختارين أو لا ينفذونه . فيترتب على هذا أو ذاك نتائجه وعواقبه في حياتهم في الدنيا وفي جزائهم في الآخرة . ولكن الناس لا يكونون مسلمين حتى يختاروا حكم الله هذا وينفذوه فعلا راضين . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (67)

{ وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة } لأنهم كانوا ذوي جمال وأبهة مشتهرين في مصر بالقربة والكرامة عند الملك ، فخاف عليهم أن يدخلوا كوكبة واحدة فيعانوا ، ولعله لم يوصهم بذلك في الكرة الأولى لأنهم كانوا مجهولين حينئذ ، أو كان الداعي إليها خوفه على بنيامين . وللنفس آثار منها العين والذي يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام في عوذته " اللهم إني أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة " . { وما أُغني عنكم من الله من شيء } مما قضي عليكم بما أشرت به إليكم فإن الحذر لا يمنع القدر . { إن الحكم إلا لله } يصيبكم لا محالة إن قضي عليكم سوء ولا ينفعكم ذلك . { عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون } جمع بين الحرفين في عطف الجملة على الجملة لتقدم الصلة للاختصاص كأن الواو للعطف والفاء لإفادة التسبب ، فإن فعل الأنبياء سبب لأن يقتدى بهم .