تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمۡ تَخۡلُدُونَ} (129)

{ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ } أي : بركا ومجابي للحياة { لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } والحال أنه لا سبيل إلى الخلود لأحد .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمۡ تَخۡلُدُونَ} (129)

{ وَتَتَّخِذُونَ } أى : وتعملون { مَصَانِعَ } أى : قصورا ضخمة متينة ، أو حياضا تجمعون فيها مياه الأمطار . . . { لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } أى : عاملين عمل من يرجو الخلود فى هذه الحياة الفانية

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمۡ تَخۡلُدُونَ} (129)

ويبدو كذلك من قوله : ( وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون )أن عادا كانت قد بلغت من الحضارة الصناعية مبلغا يذكر ؛ حتى لتتخذ المصانع لنحت الجبال وبناء القصور ، وتشييد العلامات على المرتفعات ؛ وحتى ليجول في خاطر القوم أن هذه المصانع وما ينشؤونه بوساطتها من البنيان كافية لحمايتهم من الموت ، ووقايتهم من مؤثرات الجو ومن غارات الأعداء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمۡ تَخۡلُدُونَ} (129)

ثم قال : { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } . قال مجاهد : المصانع : البروج المشيدة ، والبنيان المخلد . وفي رواية عنه : بروج الحمام .

وقال قتادة : هي مأخذ الماء . قال قتادة : وقرأ بعض القراء{[21809]} : وتتخذون مصانع كأنكم خالدون " .

وفي القراءة المشهورة : { لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } أي : لكي تقيموا فيها أبدًا ، وليس ذلك بحاصل لكم ، بل زائل عنكم ، كما زال عمن كان قبلكم .

وقال ابن أبي حاتم ، رحمه الله : حدثنا أبي ، حدثنا الحكم بن موسى ، حدثنا الوليد ، حدثنا ابن عَجْلان ، حدثني عَوْن بن عبد الله بن عتبة ، أن أبا الدرداء ، رضي الله عنه ، لما رأى ما أحدث المسلمون في الغُوطة من البنيان ونصب الشجر ، قام في مسجدهم فنادى : يا أهل دمشق ، فاجتمعوا إليه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ألا تستحيون ! ألا تستحيون ! تجمعون ما لا تأكلون ، وتبنون ما لا تسكنون ، وتأملون ما لا تدركون ، إنه كانت قبلكم{[21810]} قرون ، يجمعون فيرعون ، ويبنون فيوثقون{[21811]} ، ويأملون فيطيلون ، فأصبح أملهم غرورًا ، وأصبح جمعهم بورًا ، وأصبحت مساكنهم{[21812]} قبورًا ، ألا إن عادًا ملكت ما بين عدن وعمان خيلا وركابًا ، فمن يشتري مني ميراث عاد بدرهمين ؟ .


[21809]:- في ف : "الكوفيين".
[21810]:- في ف : "قد كانت قبلكم" وفي أ : "قد كانت لكم".
[21811]:- في أ : "فيوبقون".
[21812]:- في ف : "منازلهم".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمۡ تَخۡلُدُونَ} (129)

رأى من قومه تمحّضاً للشغل بأمور دنياهم ، وإعراضاً عن الفكر في الآخرة والعمل لها والنظرِ في العاقبة ، وإشراكاً مع الله في إلهيته ، وانصرافاً عن عبادة الله وحده الذي خلقهم وأَعْمَرهم في الأرض وزادهم قوة على الأمم ، فانصرفت همّاتهم إلى التعاظم والتفاخر واللهو واللعب .

وكانت عاد قد بلغوا مبلغاً عظيماً من البَأس وعظم السلطان والتغلب على البلاد مما أثار قولهم : { مَن أشدُّ منَّا قوةً } [ فصلت : 15 ] فقد كانت قبائل العرب تصِف الشيء العظيم في نوعه بأنه « عَادي » وكانوا أهل رأي سديد ورجاحة أحلام ، قال ودَّاك بن ثُمَيْل المازني :

وأحلامُ عاد لا يخاف جلِيسهم *** ولو نطقَ العُوَّار غَرْبَ لِسان

وقال النابغة يمدح غسان :

أحلامُ عاد وأجساد مطهرة *** من المَعَقَّة والآفات والأثَم

فطال عليهم الأمد ، وتفننوا في إرضاء الهوى ، وأقبلوا على الملذّات واشتد الغرور بأنفسهم فأضاعوا الجانب الأهم للإنسان وهو جانب الدين وزكاء النفس ، وأهملوا أن يقصدوا من أعمالهم المقاصد النافعة ونية إرضاء الله على أعمالهم لحب الرئاسة والسمعة ، فعبدوا الأصنام ، واستخفوا بجانب الله تعالى ، واستحمقوا الناصحين ، وأرسل الله إليهم هوداً ففاتحهم بالتوبيخ على ما فُتِنوا بالإعجاب به وبذمه إذ ألهاهم التنافس فيه عن معرفة الله فنبذُوا اتّباع الشرائع وكذَّبوا الرسول . فمِن سابِق أعمال عاد أنهم كانوا بَنوا في طرق أسفارهم أعلاماً ومنارات تدل على الطريق كيلا يضِلّ السائرون في تلك الرمال المتنقلة التي لا تبقى فيها آثار السائرين واحتفروا وشيّدوا مصانع للمياه وهي الصهاريج تَجمع ماء المطر في الشتاء ليشرب منها المسافرون وينتفع بها الحاضرون في زمن قلة الأمطار ، وبنوْا حصوناً وقصوراً على أشراف من الأرض ، وهذا من الأعمال النافعة في ذاتها لأن فيها حفظ الناس من الهلاك في الفيافي بِضلال الطرق ، ومن الهلكة عطشاً إذا فقدوا الماء وقت الحاجة إليه ، فمتى أريد بها رضى الله تعالى بنفع عبيده كانت جديرةً بالثناء عاجلاً والثواب آجلاً .

فأما إذا أهمل إرضاء الله تعالى بها واتُّخِذت للرياء والغرور بالعظمة وكانوا مُعرضين عن التوحيد وعن عبادة الله انقلبت عظمة دنيويةً محْضة لا ينظر فيها إلى جانب النفع ولا تحث الناس على الاقتداء في تأسيس أمثالها وقصاراها التمدح بما وجدوه منها . فصار وجودها شبيهاً بالعبث لأنها خلت عن روح المقاصد الحسنة فلا عبرة عند الله بها لأن الله خلق هذا العالم ليكون مظهر عبادته وطاعته . وكانوا أيضاً في الإعراض عن الآخرة والاقتصار على التزود للحياة الدنيا بمنزلة من يحسبون أنفسهم خالدين في الدنيا .

والأعمال إذا خلت عن مراعاة المقاصد التي ترضي الله تعالى اختلفت مشارب عامليها طرائق قِدَداً على اختلاف الهمم واجتلاب المصالح الخاصة ، فلذلك أنكرها عليهم رسولهم بالاستفهام الإنكاري على سنة المواعظ فإنها تُبنَى على مراعاة ما في الأعمال من الضر الراجح على النفع ، فلا يلفت الواعظ إلى ما عسى أن يكون في الأعمال من مرجوح إذا كان ذلك النفع مرغوباً للناس ، فإن باعث الرغبة المنْبَثَّ في الناس مغنٍ عن ترغيبهم فيه ، وتصدي الواعظ لذلك فضول وخروج عن المقصد بتحذيرهم أو تحريضهم فيما عدا ذلك ، إذا كان الباعث على الخير مفقوداً أو ضئيلاً .

وقد كان هذا المقام مقام موعظة كما دلّ عليه قوله تعالى عنهم { قالوا سواءٌ علينا أوعَظت أم لم تكن من الواعظين } [ الشعراء : 136 ] . ومقام الموعظة أوسع من مقام تغيير المنكر ، فموعظة هود عليه السلام متوجهة إلى ما في نفوسهم من الأدواء الروحية ، وليس في موعظته أمر بتغيير ما بنَوه من العلامات ولا ما اتخذوه من المصانع .

ولما صار أثر البناء شاغلاً عن المقصد النافع للحياة في الآخرة نُزّل فعلهم المفضي إلى العبث منزلة الفعل الذي أريد منه العبث عند الشروع فيه فأنكر عليهم البناءُ بإدخال همزة الإنكار على فعل { تبنون } ، وقُيّد بجملة : { تعبثون } التي هي في موضع الحال من فاعل { تبنون } ، مع أنهم لما بنوا ذلك ما أرادوا بفعلهم عبثاً ، فمناط الإنكار من الاستفهام الإنكاري هو البناء المقيّد بالعبث ، لأن الحكم إذا دخل على مقيّد بقيْد انصرف إلى ذلك القيد .

وكذلك المعطوف على الفعل المستفهَم عنه وهو جملة : { وتتخذون مصانع } هو داخل في حيّز الإنكار ومقيَّد بجملة الحال المقيَّد بها المعطوفُ عليه بناءً على أن الحال المتوسطة بين الجملتين ترجع إلى كلتيهما على رأي كثير من علماء أصول الفقه لا سيما إذا قامت القرينة على ذلك .

وقد اختلفت أقوال المفسّرين في تعيين البناء والآيات والمصانع كما سيأتي . وفي بعض ما قالوه ما هو متمحّض للّهو والعبث والفساد ، وفي بعضه ما الأصل فيه الإباحة ، وفي بعضه ما هو صلاح ونفع كما سيأتي .

وموقع جملة : { أتبنون } في موضع بدل الاشتمال لجملة : { ألا تتقون } [ الشعراء : 124 ] فإن مضمونها مما يشتمل عليه عدم التقوى الذي تسلط عليه الإنكار وهو في معنى النفي .

والرِّيع بكسر الراء : الشَّرف ، أي المكان المرتفع ، كذا عن ابن عباس ، والطريقُ والفج بين الجبلين ، كذا قال مجاهد وقتادة .

والآية : العلامة الدالة على الطريق ، وتطلق الآية على المصنوع المعجِب لأنه يكون علامة على إتقان صانعه أو عظمة صاحبه .

و ( كل ) مستعمل في الكثرة ، أي في الأرياع المشرفة على الطرق المسلوكة ، والعبث : العمل الذي لا فائدة نفع فيه .

المصانع : جمع مَصنع وأصله مَفعَل مشتق من صَنَع فهو مصدر ميمي وُصف به للمبالغة ، فقيل : هو الجابية المحفورة في الأرض . وروي عن قتادة : مبنية بالجير يخزن بها الماء ويُسمّى صهريجاً وماجِلاً ، وقيل : قصور وهو عن مجاهد .

وكانت بلاد عاد ما بين عُمان وحضرموت شرقاً وغَرباً ومتغلغلة في الشمال إلى الرمال وهي الأحقاق .

وجملة : { لعلكم تخلدون } مستأنفة .

و ( لعل ) للترجي ، وهو طلب المتكلم شيئاً مستقرب الحصول ، والكلام تهكّم بهم ، أي أرجو لكم الخلود بسبب تلك المصانع . وقيل : جعلت عاد بنايات على المرتفعات على الطرق يعبثون فيها ويسخرون بالمارة . وقد يفسر هذا القول بأن الأمة في حال انحطاطها حولت ما كان موضوعاً للمصالح إلى مفاسد فعمدوا إلى ما كان مبنياً لقصد تيسير السير والأمن على السابلة من الضلال في الفيافي المهلكة فجعلوه مكامن لَهو وسخرية ، كما اتخذت بعض أديرة النصارى في بلاد العرب مجالس خمر ، وكما أدركنا الصهاريج التي في قرطاجنة كانت خَزَّاناً لمياه زغوان المنسابة إليها على الحنايا فرأيناها مكامِن للّصوص ومخازن للدواب إلى أول هذا القرن سنة 1303 ه .

وقيل : إن المصانع قصور عظيمة اتّخذوها فيكون الإنكار عليهم متوجهاً إلى الإسراف في الإنفاق على أبنية راسخة مكينة كأنها تمنعهم من الموت ، فيكون الكلام مسوقاً مساق الموعظة من التوغّل في الترف والتعاظم . هذا ما استخلصناه من كلمات انتثرت في أقوال عن المفسرين وهي تدل على حيرة من خلال كلامهم في توجيه إنكار هود على قومه عملَيْن كانا معدودين في النافع من أعمال الأمم ، وأحسب أن قد أزلنا تلك الحيرة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمۡ تَخۡلُدُونَ} (129)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وتتخذون مصانع} يعنى القصور ليذكروا بها؛ هذا منزل بني فلان، وبني فلان {لعلكم} يعني: كأنكم {تخلدون} في الدنيا فلا تموتون.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَتَتّخِذُونَ مَصَانِعَ"، اختلف أهل التأويل في معنى المصانع؛ فقال بعضهم: هي قصور مشيدة...

وقال آخرون: بل هي مآخذ للماء... والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن المصانع جمع مصنعة، والعرب تسمي كل بناء مصنعة، وجائز أن يكون ذلك البناء كان قصورا وحصونا مشيدة، وجائز أن يكون كان مآخذ للماء، ولا خبر يقطع العذر بأيّ ذلك كان، ولا هو مما يُدرك من جهة العقل. فالصواب أن يقال فيه، ما قال الله: إنهم كانوا يتخذون مصانع.

وقوله: "لَعَلّكُمْ تَخْلُدُنَ "يقول: كأنكم تخلدون، فتبقون في الأرض... وكان ابن زيد يقول: «لعلكم» في هذا الموضع استفهام... يقول: لعلكم تخلدون حين تبنون هذه الأشياء؟

وكان بعض أهل العربية يزعم أن لعلكم في هذا الموضع بمعنى «كيما».

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... {لعلكم تخلدون} ولا تموتون، أي تنفقون نفقة من يطمع أن يخلد في هذه الدنيا، ليست بنفقة من يموت، ويرجو ثوابه لا عقابه، أو يكون قوله: {لعلكم تخلدون} لما وسع عليهم الدنيا، ورزقهم الدعة، يحسبون أنهم يخلدون، لأن من وسع عليه الدنيا، ونال الدعة والسعة في هذه الدنيا، يطمئن فيها، ويسكن، وهو كما قال: {يحسب أن ماله أخلده} [الهمزة: 3] فعلى ذلك الأول، والله أعلم...

فكان المعنى أنهم يستوثقون في البناء والحصون، ويذهبون إلى أنها تحصنهم من أقدار الله وقضائه. وهذا يشبه أن يكون ما ذكر لأنه قال في آخره: {لعلكم تخلدون} أي تبنون بناء، كأنكم تخلدون، ولا تموتون.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} ترجون الخلود في الدنيا. أو تشبه حالكم حال من يخلد.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

{لعلكم تخلدون}: الظاهر أن لعل على بابها من الرجاء، وكأنه تعليل للبناء والاتخاذ، أي الحامل لكم على ذلك هو الرجاء للخلود، ولا خلود.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

وفي القراءة المشهورة: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} أي: لكي تقيموا فيها أبدًا، وليس ذلك بحاصل لكم، بل زائل عنكم، كما زال عمن كان قبلكم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان من يموت لا ينبغي له إنكار الموت بفعل ولا قول قال: {وتتخذون مصانع} أي أشياء بأخذ الماء، أو قصوراً مشيدة وحصوناً تصنعونها، هي في إحكامها بحيث تأكل الدهر قوة وثباتاً، فلا يبنيها إلا من حاله حال الراجي للخلود، ولذلك قال: {لعلكم تخلدون} وهو معنى ما في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما من تفسيرها ب (كأنكم).

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

و (لعل) للترجي، وهو طلب المتكلم شيئاً مستقرب الحصول، والكلام تهكّم بهم، أي أرجو لكم الخلود بسبب تلك المصانع..وقيل: إن المصانع قصور عظيمة اتّخذوها فيكون الإنكار عليهم متوجهاً إلى الإسراف في الإنفاق على أبنية راسخة مكينة كأنها تمنعهم من الموت، فيكون الكلام مسوقاً مساق الموعظة من التوغّل في الترف والتعاظم.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

أي تبنون أماكن وقصورا مشيدة مصنوعة صناعة محبوكة تبقي على الأزمان وتناطح الدهر، لعلكم تخلدون، أي ترجون لها أن تخلدوا فيها..وقد بين سبحانه، أنهم يبنون، ويستعلون عابثين، ويبنون القصور المشيدة لعلهم يخلدون، وذلك لتكون لهم السلطة والقهر والغلب،

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وأمّا الأمر الثّالث الذي ذكره القرآن حاكياً على لسان هود منتقداً به قومه، فهو قوله: (وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون).

«المصانع» جمع «مصنع» ومعناه المكان أو البناء المجلّل المحكم، والنّبي هود لا يعترض عليهم لأنّ لديهم هذه البنايات المريحة الملائِمة، بل يريد أن يقول لهم: إنّكم غارقون في أمواج الدنيا، ومنهمكون بعبادة الزينة والجمال والعمل في القصور حتى نسيتم الدار الآخرة!... فلم تتخذوا الدنيا على أنها دار ممر، بل اتخذتموها دار مقر دائم لكم...

أجل، إنّ مثل هذه المباني التي تُذهل أهلها، وتجعلهم غافلين عن اليوم الآخر، هي لا شك مذمومة!

... فكل بناء «طاغوتي» مشيد بالإسراف والبذخ ومستوجب للغفلة... يمقته الإسلام، ويكره للمسلمين أن يبنوا مثل هذه الأبنية التي يبنيها المستكبرون المغرورون الغافلون عن الله، ولاسيما في محيط يسكن فيه المحرومون والمستضعفون...