تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقِهِمُ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمۡتَهُۥۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

{ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ } أي : الأعمال السيئة وجزاءها ، لأنها تسوء صاحبها . { وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ } أي : يوم القيامة { فَقَدْ رَحِمْتَهُ } لأن رحمتك لم تزل مستمرة على العباد ، لا يمنعها إلا ذنوب العباد وسيئاتهم ، فمن وقيته السيئات وفقته للحسنات وجزائها الحسن . { وَذَلِكَ } أي : زوال المحذور بوقاية السيئات ، وحصول المحبوب بحصول الرحمة ، { هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } الذي لا فوز مثله ، ولا يتنافس المتنافسون بأحسن منه .

وقد تضمن هذا الدعاء من الملائكة كمال معرفتهم بربهم ، والتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى ، التي يحب من عباده التوسل بها إليه ، والدعاء بما يناسب ما دعوا الله فيه ، فلما كان دعاؤهم بحصول الرحمة ، وإزالة أثر ما اقتضته النفوس البشرية التي علم الله نقصها واقتضاءها لما اقتضته من المعاصي ، ونحو ذلك من المبادئ والأسباب التي قد أحاط الله بها علمًا توسلوا بالرحيم العليم .

وتضمن كمال أدبهم مع الله تعالى بإقرارهم بربوبيته لهم الربوبية العامة والخاصة ، وأنه ليس لهم من الأمر شيء وإنما دعاؤهم لربهم صدر من فقير بالذات من جميع الوجوه ، لا يُدْلِي على ربه بحالة من الأحوال ، إن هو إلا فضل الله وكرمه وإحسانه .

وتضمن موافقتهم لربهم تمام الموافقة ، بمحبة ما يحبه من الأعمال التي هي العبادات التي قاموا بها ، واجتهدوا اجتهاد المحبين ، ومن العمال الذين هم المؤمنون الذين يحبهم الله تعالى من بين خلقه ، فسائر الخلق المكلفين يبغضهم الله إلا المؤمنين منهم ، فمن محبة الملائكة لهم دعوا الله ، واجتهدوا في صلاح أحوالهم ، لأن الدعاء للشخص من أدل الدلائل على محبته ، لأنه لا يدعو إلا لمن يحبه .

وتضمن ما شرحه الله وفصله من دعائهم بعد قوله : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } التنبيه اللطيف على كيفية تدبر كتابه ، وأن لا يكون المتدبر مقتصرًا على مجرد معنى اللفظ بمفرده ، بل ينبغي له أن يتدبر معنى اللفظ ، فإذا فهمه فهمًا صحيحًا على وجهه ، نظر بعقله إلى ذلك الأمر والطرق الموصلة إليه وما لا يتم إلا به وما يتوقف عليه ، وجزم بأن الله أراده ، كما يجزم أنه أراد المعنى الخاص ، الدال عليه اللفظ .

والذي يوجب له الجزم بأن الله أراده أمران :

أحدهما : معرفته وجزمه بأنه من توابع المعنى والمتوقف عليه .

والثاني : علمه بأن الله بكل شيء عليم ، وأن الله أمر عباده بالتدبر والتفكر في كتابه .

وقد علم تعالى ما يلزم من تلك المعاني . وهو المخبر بأن كتابه هدى ونور وتبيان لكل شيء ، وأنه أفصح الكلام وأجله إيضاحًا ، فبذلك يحصل للعبد من العلم العظيم والخير الكثير ، بحسب ما وفقه الله له وقد كان في تفسيرنا هذا ، كثير من هذا من به الله علينا .

وقد يخفى في بعض الآيات مأخذه على غير المتأمل صحيح الفكرة ، ونسأله تعالى أن يفتح علينا من خزائن رحمته ما يكون سببًا لصلاح أحوالنا وأحوال المسلمين ، فليس لنا إلا التعلق بكرمه ، والتوسل بإحسانه ، الذي لا نزال نتقلب فيه في كل الآنات ، وفي جميع اللحظات ، ونسأله من فضله ، أن يقينا شر أنفسنا المانع والمعوق لوصول رحمته ، إنه الكريم الوهاب ، الذي تفضل بالأسباب ومسبباتها .

وتضمن ذلك ، أن المقارن من زوج وولد وصاحب ، يسعد بقرينه ، ويكون اتصاله به سببًا لخير يحصل له ، خارج عن عمله وسبب عمله كما كانت الملائكة تدعو للمؤمنين ولمن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ، وقد يقال : إنه لا بد من وجود صلاحهم لقوله : { وَمَنْ صَلَحَ } فحينئذ يكون ذلك من نتيجة عملهم والله أعلم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقِهِمُ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمۡتَهُۥۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

{ وَقِهِمُ } يا ربنا { السيئات } أى : احفظهم يا ربنا من ارتكاب الأعمال السيئات ، ومن العقوبات التى تترتب على ذلك ، بأن تتجاوز عن خطاياهم .

{ وَمَن تَقِ السيئات يَوْمَئِذٍ } أى : فى يوم القيامة الذى تجازى فيه كل نفس بما كسبت { فَقَدْ رَحِمْتَهُ } أى : فقد رحمته برحمتك الواسعة من كل سوء .

{ وَذَلِكَ } الذى تقدم من رحمتهم ومن إدخالهم الجنة ، ومن وقايتهم السوء .

{ هُوَ الفوز العظيم } الذى لا يضارعه فوز ، والظفر الكبير الذى لا يقاربه ظفر ، والأمل الذى لا مطمع وراءه لطامع .

وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة ، قد أخبرتنا أن الملائكة المقربين يدعون للمؤمنين بما يسعدهم فى دنياهم وآخرتهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقِهِمُ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمۡتَهُۥۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

( وقهم السيئات . ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته . وذلك هو الفوز العظيم ) . .

وهذه الدعوة - بعد الدعاء بإدخالهم جنات عدن - لفتة إلى الركيزة الأولى في الموقف العصيب . فالسيئات هي التي توبق أصحابها في الآخرة ، وتوردهم مورد التهلكة . فإذا وقى الله عباده المؤمنين منها وقاهم نتائجها وعواقبها . وكانت هذه هي الرحمة في ذلك الموقف . وكانت كذلك أولى خطوات السعادة . ( وذلك هو الفوز العظيم ) . . فمجرد الوقاية من السيئات هو أمر عظيم !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقِهِمُ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمۡتَهُۥۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

{ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ } أي : فعلها أو وَبالها ممن وقعت منه ، { وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ } أي : يوم القيامة ، { فَقَدْ رَحِمْتَهُ } أي : لطفت به ونجيته من العقوبة ، { وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقِهِمُ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمۡتَهُۥۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

وقوله : { وقهم } أصله أوقهم ، حذفت الواو اتباعاً لحذفها في المستقبل ، واستغني عن ألف الوصل لتحرك القاف ، ومعناه : اجعل لهم وقاية تقيهم { السيئات } ، واللفظ يحتمل أن يكون الدعاء في دفع العذاب اللاحق من { السيئات } ، فيكون في اللفظ على هذا حذف مضاف ، كأنه قال : وقهم جزاء السيئات .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقِهِمُ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمۡتَهُۥۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

وأعقبوا بسؤال النجاة من العذاب والنعيم بدار الثواب بدعاء بالسلامة من عموم كل ما يسوءهم يوم القيامة بقولهم : { وَقِهِم السيئات } وهو دعاء جامع إذ السيئات هنا جمع سيئة وهي الحالة أو الفعلة التي تسوء من تعلقت به مثل ما في قوله : { فوقاه اللَّه سيئات ما مكروا } [ غافر : 45 ] وقوله تعالى : { وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه } [ الأعراف : 131 ] صيغت على وزن فَيْعَلَة للمبالغة في قيام الوصف بالموصوف مثل قيّم وسيّد وصيقل ، فالمعنى : وقِهِمْ من كل ما يسوءهم .

فالتعريف في { السَّيّئَاتِ } للجنس وهو صالح لإِفادة الاستغراق ، فوقوعه في سياق ما هو كالنفي وهو فعل الوقاية يفيد عموم الجنس ، على أن بساط الدعاء يقتضي عموم الجنس ولو بدون لام نفي كقول الحريري :

يا أهلَ ذا المغنى وُقيتم ضُرا

وفي الحديث « اللهم أعط منفقاً خَلفاً ، ومُمسكاً تلَفاً » أي كلّ منفق ومُمسك .

والمراد : إبلاغ هؤلاء المؤمنين أعلى درجات الرضى والقبول يومَ الجزاء بحيث لا ينالهم العذاب ويكونون في بحبوحة النعيم ولا يعتريهم ما يكدرهم من نحو التوبيخ والفضيحة . وقد جاء هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله : { فوقاهم اللَّه شر ذلك اليوم } [ الإنسان : 11 ] .

وجملة { ومن تَقِ السَّيئات يومئذ فقد رحمته } تذييل ، أي وكل من وقي السيئات يوم القيامة فقد نالته رحمة الله ، أي نالته الرحمة كاملة ففعل { رحمته } مراد به تعظيم مصدره .

وقد دل على هذا المراد في هذه الآية قوله : { وذلك هُوَ الفَوْزُ العَظِيم } إذ أشير إلى المذكور من وقاية السيئات إشارةً للتنويه والتعظيم . ووصف الفوز بالعظيم لأنه فوز بالنعيم خالصاً من الكدرات التي تنقص حلاوة النعمة .

وتنوين { يومئذ } عوض عن المضاف إليه ، أي يوم إذ تدخلهم جنات عدن .