تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (25)

فلما رأى موسى عليه السلام عتوهم عليه { قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي } أي : فلا يدان لنا بقتالهم ، ولست بجبار على هؤلاء . { فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } أي : احكم بيننا وبينهم ، بأن تنزل فيهم من العقوبة ما اقتضته حكمتك ، ودل ذلك على أن قولهم وفعلهم من الكبائر العظيمة الموجبة للفسق .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (25)

بعد أن رأى من قومه ما رأى من عناد وجبن ، لجأ إلى ربه يشكو إليه منهم ، يلتمس منه أن يفرق بينه وبينهم ، فقال : { رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فافرق بَيْنَنَا وَبَيْنَ القوم الفاسقين } .

أي : قال موسى باثا شكواه وحزنه إلى الله ، ومعتذرا إليه من فسوق قومه وسفاهتهم وجبنهم : رب إنك تعلم أني لا أملك لنصرة دينك أمر أحد ألزمه بطاعتك سوى أمر نفسي ، وأمر أخي هارون ، ولا ثقة لي في غيرنا أن يطيعك في العسر واليسر والمنشط والمكره .

ولم يذكر الرجلين اللذين قالا لقومهما فيما سبق { ادخلوا عَلَيْهِمُ الباب } لعدم ثقته الكاملة في دخولهما معه أرض الجبارين ، وفي وقوفهما بجانبه عند القتال إذا تخلى بقية القوم عنه فإن بعض الناس كثيرا ما يقدم على القتال مع الجيش الكبير ، ولكنه قد يحجم إذا رأى أن عدد المجاهدين قليل .

ومن هنا لم يذكر أنه يملك أمر هذين الرجلين كما يملك أمر نفسه وامر أخيه .

وصرح موسى - عليه السلام - بأنه يملك أمر أخيه هارون كما يملك أمر نفسه ، لمؤازرته التامة له في كفاحه ظلم فرعون ، ولوقوفه إلى جانبه بعزيمة صادقة في كل موطن من مواطن الشدة وليقينه بأنه مؤيد بروح من الله - تعالى .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : أما كان معه الرجلان المذكوران ؟ قلت كأنه لم يثق بهما كل الوثوق ، ولم يطمئن إلى ثباتهما لما ذاق على طول الزمان واتصال الصحية من أحوال قومه ، وتلونهم وقسوة قلوبهم فلم يذكر إلا النبي المعصوم الذي لا شبهة في أمره . ويجوز أن يكون قال ذلك لفرط ضجره عندما سمع منهم تقليلا لمن يوافقه . ويجوز أن يريد ومن يؤاخيني على ديني .

هذا وقد ذكر النحويون وجوها من الإِعراب لقوله ( وأخي ) منها : أنه منصوب عطفا على قوله : ( نفسي ) أي : ولا أملك إلا أخي مع ملكي نفسي دون غيرهما .

وقوله - تعالى - : { فافرق بَيْنَنَا وَبَيْنَ القوم الفاسقين } بيان لما يرجوه موسى من ربه - عز وجل - بعد أن خرج بنو إسرائيل عن طاعته .

والفاء هنا لترتيب الفرق والدعاء به على ما قبله . والفرق معناه الفصل بين شيئين .

والمعنى : قال موسى مخاطباً ربه : لقد علمت يا إلهي أني لا أملك لنصرة دينك إلا أمر نفسي وأمر أخي ، أما قومي فقد خرجوا عن طاعتي وفسقوا عن أمرك وما دام هذا شأنهم فافصل بيننا وبينهم بقضائك العادل ، بأن تحكم لنا بما نستحق ، وتحكم عليهم بما يستحقون فإنك أنت الحكم العدل بين العباد .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (25)

( قال : رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي . فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ) . .

دعوة فيها الألم . وفيها الالتجاء . وفيها الاستسلام . وفيها - بعد ذلك - المفاصلة والحسم والتصميم !

وإنه ليعلم أن ربه يعلم أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه . . ولكن موسى في ضعف الإنسان المخذول . وفي إيمان النبي الكليم . وفي عزم المؤمن المستقيم ، لا يجد متوجها إلا لله . يشكو له بثه ونجواه ، ويطلب إليه الفرقة الفاصلة بينه وبين القوم الفاسقين . فما يربطه بهم شيء بعد النكول عن ميثاق الله الوثيق . . ما يربطه بهم نسب . وما يربطه بهم تاريخ . وما يربطه بهم جهد سابق . إنما تربطه بهم هذه الدعوة إلى الله ، وهذا الميثاق مع الله .

وقد فصلوه . فانبت ما بينه وبينهم إلى الأعماق . وما عاد يربطه بهم رباط . . إنه مستقيم على عهد الله وهم فاسقون . . إنه مستمسك بميثاق الله وهم ناكصون . .

هذا هو أدب النبي . . وهذه هي خطة المؤمن . وهذه هي الآصرة التي يجتمع عليها أو يتفرق المؤمنون . . لا جنس . لا نسب . لا قوم . لا لغة . لا تاريخ . لا وشيجة من كل وشائج الأرض ؛ إذا انقطعت وشيجة العقيدة ؛ وإذا اختلف المنهج والطريق . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (25)

وقوله : { قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } يعني : لما نكل بنو إسرائيل عن القتال غضب عليهم موسى عليه السلام ، وقال داعيا عليهم : { رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي } أي : ليس أحد يطيعني منهم فيمتثل أمر الله ، ويجيب إلى ما دعوتَ إليه إلا أنا وأخي هارون ، { فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } قال العَوْفِي ، عن ابن عباس : يعني اقض بيني وبينهم . وكذا قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس .

وكذا قال الضحاك : اقض بيننا وبينهم ، وافتح بيننا وبينهم ، وقال غيره : افرق : افصل بيننا وبينهم ، كما قال الشاعر{[9565]} :

يَا رب فافرق بَيْنَه وبَيْني *** أشدّ ما فَرقْت بَيْن اثنين


[9565]:يقول الأستاذ محمود شاكر حفظه الله: "لعله حبينة بن طريف العكلي". انظر: حاشية تفسير الطبري (10/188).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (25)

ولما سمع موسى عليه السلام قولهم ورأى عصيانهم تبرأ إلى الله تعالى منهم ، وقال داعياً عليهم : { رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي } يعني هارون ، وقوله : { وأخي } يحتمل أن يكون إعرابه رفعاً إما على الابتداء والتقدير وأخي لا يملك إلا نفسه ، وإما على العطف على الضمير الذي في { أملك } تقديره لا أملك أنا ، ويحتمل أن يكون إعرابه نصباً على العطف على { نفسي } ، وذلك لأن هارون كان يطيع «موسى » فلذلك أخبر أنه يملكه{[4505]} ، وقرأ الحسن «إلا نفسيَ وأخي » بفتح الياء فيهما ، وقوله : { فافرق بيننا } دعاء حرج ، قال السدي ، هي عجلة عجلها موسى عليه السلام ، وقال ابن عباس والضحاك وغيرهما : المعنى افصل بيننا وبينهم بحكم وافتح ، فالمعنى احكم بحكم يفرق هذا الاختلاف ويلم الشعث .

قال القاضي أبو محمد : وعلى هذا التأويل فليس في الدعاء عجلة ، وقال قوم : المعنى «فافرق بيننا وبينهم » في الآخرة حتى تكون منزلة المطيع مفارقة لمنزلة العاصي الفاسق ، ويحتمل الدعاء أن يكون معناه : «فرق بيننا وبينهم » بمعنى أن يقول :«فقدنا وجوههم وفرق بيننا وبينهم » حتى لا نشقى بفسقهم ، وبهذا الوجه تجيء العجلة في الدعاء ، وقرأ عبيد بن عمير «فافرِق » بكسر الراء .


[4505]:- وجوز بعضهم أن يكون مجرورا معطوفا على ياء المتكلم في (نفسي)- ولكن هذا ضعيف على مذهب البصريين. والسر في هذا الحصر {لا أملك إلا نفسي وأخي} أن موسى لم يثق بالرجلين الذين قالا: ادخلوا عليهم الباب، ولم يطمئن إلى ثباتهما لما عاين من أحوال قومه، ومن تلونهم مع طول الصحبة، فلم يذكر إلا النبي المعصوم الذي لا شبهة في ثباته وهو هارون- وقيل: أراد بقوله: [وأخي] من يوافقني في الدين لا هارون خاصة. قاله في "البحر المحيط".