{ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }
هذه الآية الكريمة ، قد اشتملت على جميع ما يجب الإيمان به .
واعلم أن الإيمان الذي هو تصديق القلب التام ، بهذه الأصول ، وإقراره المتضمن لأعمال القلوب والجوارح ، وهو بهذا الاعتبار يدخل فيه الإسلام ، وتدخل فيه الأعمال الصالحة كلها ، فهي من الإيمان ، وأثر من آثاره ، فحيث أطلق الإيمان ، دخل فيه ما ذكر ، وكذلك الإسلام ، إذا أطلق دخل فيه الإيمان ، فإذا قرن بينهما ، كان الإيمان اسما لما في القلب من الإقرار والتصديق ، والإسلام ، اسما للأعمال الظاهرة وكذلك إذا جمع بين الإيمان والأعمال الصالحة ، فقوله تعالى : { قُولُوا } أي : بألسنتكم ، متواطئة عليها قلوبكم ، وهذا هو القول التام ، المترتب عليه الثواب والجزاء ، فكما أن النطق باللسان ، بدون اعتقاد القلب ، نفاق وكفر ، فالقول الخالي من العمل عمل القلب ، عديم التأثير ، قليل الفائدة ، وإن كان العبد يؤجر عليه ، إذا كان خيرا ومعه أصل الإيمان ، لكن فرق بين القول المجرد ، والمقترن به عمل القلب .
وفي قوله : { قُولُوا } إشارة إلى الإعلان بالعقيدة ، والصدع بها ، والدعوة لها ، إذ هي أصل الدين وأساسه .
وفي قوله : { آمَنَّا } ونحوه مما فيه صدور الفعل ، منسوبا إلى جميع الأمة ، إشارة إلى أنه يجب على الأمة ، الاعتصام بحبل الله جميعا ، والحث على الائتلاف حتى يكون داعيهم واحدا ، وعملهم متحدا ، وفي ضمنه النهي عن الافتراق ، وفيه : أن المؤمنين كالجسد الواحد .
وفي قوله : { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ } إلخ دلالة على جواز إضافة الإنسان إلى نفسه الإيمان ، على وجه التقييد ، بل على وجوب ذلك ، بخلاف قوله : " أنا مؤمن " ونحوه ، فإنه لا يقال إلا مقرونا بالاستثناء بالمشيئة ، لما فيه من تزكية النفس ، والشهادة على نفسه بالإيمان .
فقوله : { آمَنَّا بِاللَّهِ } أي : بأنه موجود ، واحد أحد ، متصف بكل صفة كمال ، منزه عن كل نقص وعيب ، مستحق لإفراده بالعبادة كلها ، وعدم الإشراك به في شيء منها ، بوجه من الوجوه .
{ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا } يشمل القرآن والسنة لقوله تعالى : { وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } فيدخل فيه الإيمان بما تضمنه كتاب الله وسنة رسوله ، من صفات الباري ، وصفات رسله ، واليوم الآخر ، والغيوب الماضية والمستقبلة ، والإيمان بما تضمنه ذلك من الأحكام الشرعية الأمرية ، وأحكام الجزاء وغير ذلك .
{ وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ } إلى آخر الآية ، فيه الإيمان بجميع الكتب المنزلة على جميع الأنبياء ، والإيمان بالأنبياء عموما وخصوصا ، ما نص عليه في الآية ، لشرفهم ولإتيانهم بالشرائع الكبار . فالواجب في الإيمان بالأنبياء والكتب ، أن يؤمن بهم على وجه العموم والشمول ، ثم ما عرف منهم بالتفصيل ، وجب الإيمان به مفصلا .
وقوله : { لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ } أي : بل نؤمن بهم كلهم ، هذه خاصية المسلمين ، التي انفردوا بها عن كل من يدعي أنه على دين .
فاليهود والنصارى والصابئون وغيرهم - وإن زعموا أنهم يؤمنون بما يؤمنون به من الرسل والكتب - فإنهم يكفرون بغيره ، فيفرقون بين الرسل والكتب ، بعضها يؤمنون به وبعضها يكفرون به ، وينقض تكذيبهم تصديقهم ، فإن الرسول الذي زعموا ، أنهم قد آمنوا به ، قد صدق سائر الرسل وخصوصا محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا كذبوا محمدا ، فقد كذبوا رسولهم فيما أخبرهم به ، فيكون كفرا برسولهم .
وفي قوله : { وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ } دلالة على أن عطية الدين ، هي العطية الحقيقية المتصلة بالسعادة الدنيوية والأخروية . لم يأمرنا أن نؤمن بما أوتي الأنبياء من الملك والمال ونحو ذلك ، بل أمرنا أن نؤمن بما أعطوا من الكتب والشرائع .
وفيه أن الأنبياء مبلغون عن الله ، ووسائط بين الله وبين خلقه في تبليغ دينه ، ليس لهم من الأمر شيء .
وفي قوله : { مِنْ رَبِّهِمْ } إشارة إلى أنه من كمال ربوبيته لعباده ، أن ينزل عليهم الكتب ، ويرسل إليهم الرسل ، فلا تقتضي ربوبيته ، تركهم سدى ولا هملا .
وإذا كان ما أوتي النبيون ، إنما هو من ربهم ، ففيه الفرق بين الأنبياء وبين من يدعي النبوة ، وأنه يحصل الفرق بينهم بمجرد معرفة ما يدعون إليه ، فالرسل لا يدعون إلا إلى لخير ، ولا ينهون إلا عن كل شر ، وكل واحد منهم ، يصدق الآخر ، ويشهد له بالحق ، من غير تخالف ولا تناقض لكونه من عند ربهم { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا }
وهذا بخلاف من ادعى النبوة ، فلا بد أن يتناقضوا في أخبارهم وأوامرهم ونواهيهم ، كما يعلم ذلك من سبر أحوال الجميع ، وعرف ما يدعون إليه .
فلما بيَّن تعالى جميع ما يؤمن به ، عموما وخصوصا ، وكان القول لا يغني عن العمل قال : { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } أي : خاضعون لعظمته ، منقادون لعبادته ، بباطننا وظاهرنا ، مخلصون له العبادة بدليل تقديم المعمول ، وهو { لَهُ } على العامل وهو { مُسْلِمُونَ }
فقد اشتملت هذه الآية الكريمة - على إيجازها واختصارها - على أنواع التوحيد الثلاثة : توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، واشتملت على الإيمان بجميع الرسل ، وجميع الكتب ، وعلى التخصيص الدال على الفضل بعد التعميم ، وعلى التصديق بالقلب واللسان والجوارح والإخلاص لله في ذلك ، وعلى الفرق بين الرسل الصادقين ، ومن ادعى النبوة من الكاذبين ، وعلى تعليم الباري عباده ، كيف يقولون ، ورحمته وإحسانه عليهم بالنعم الدينية المتصلة بسعادة الدنيا والآخرة ، فسبحان من جعل كتابه تبيانا لكل شيء ، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون .
ثم أرشد الله - تعالى - المؤمنين إلى جواب جامع وكلمة سواء تفيد نبذ التعصب جانباً وتدعو إلى اتباع الوحي الإِلهي الذي أرسل الله به الرسل مبشرين ومنذرين بدون تفرقة بين أحد منهم ، وهو يتضمن دعوة أهل الكتاب إلى الطريق الحق فقال تعالى : { قولوا آمَنَّا بالله وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأسباط وَمَآ أُوتِيَ موسى وعيسى وَمَا أُوتِيَ النبيون مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } .
أي : قولوا أيها المؤمنون لأولئك اليهود الذين يزعمون أن الهداية في اتباع ملتهم ، قولوا لهم : ليست الهداية في اتباع ملتكم فقد دخلها الشرك والتحريف ، وإنما الهداية في أن نصدق بالله ، وبالقرآن الكريم الذي أنزله الله على موسى وبالإنجيل الذي أنزله الله على عيسى ، ونحن في تصديقنا بالأنبياء لا نفرق بين أحد منهم فنؤمن ببعضهم ونكفر بالبعض الآخر كما فعلتم أنتم يا معشر اليهود وإنما نؤمن بهم جميعاً بدون تفرقة بينهم ، ونحن لربنا مسلمون خاضعون بالطاعة .
قال الإِمام الرازي : " فإن قيل : كيف يجوز الإِيمان بإبراهيم وموسى وعيسى مع القول بأن شرائعهم منسوخة ؟ قلنا : نحن نؤمن بأن كل واحد من تلك الشرائع كان حقاً في زمانه ، فلا يلزم منا المناقضة ، أما اليهود فإنهم لما اعترفوا بنبوة بعض من ظهر المعجز على يديه ، وأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم مع قيام المعجز على يديه ، فحينئذ يلزمهم المناقضة فظهر الفرق .
وقوله تعالى : { قولوا آمَنَّا } خطاب للمؤمنين .
والأسباط : جمع سبط ، وهو الحفيد ، وهم أبناء يعقوب - عليه السلام - سموا بذلك لكونهم حفدة إبراهيم وإسحاق - عليه السلام - وكانوا اثني عشر سبطاً كما قال تعالى : { وَقَطَّعْنَاهُمُ اثنتي عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً } والمراد : الإِيمان بما أنزل الله من الوحي على الأنبياء منهم .
قال الإمام القرطبي : والأسباط : ولقد يعقوب ، وهم اثنا عشر ولداً ، ولكل واحد من هم أمة من الناس ، واحدهم سبط ، والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل ، وسموا الأسباط من السبط وهو التتابع ، فهم جماعة متتابعون ، وقيل أصله من السبط " بالتحريك " وهو الشجر ، أي هم في الكثرة بمنزلة الشجرة : الواحد سبطه ، وبين لك هذا ما روى عن ابن عباس ، قال : كل الأنبياء من إسرائيل إلا عشرة : نوحا وشعيبا ، وهودا وصالحا ولوطا وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمداً - صلوات الله وسلامه عليهعم جميعاً " .
وقوله تعالى : { وَمَآ أُوتِيَ موسى وعيسى وَمَا أُوتِيَ النبيون مِن رَّبِّهِمْ } معناه : وآمنا - أيضاً - بالتوراة التي أعطاها الله - تعالى - لموسى ، وبالإنجيل الذي أعطاه لعيسى ، وبكل ما آتاه الله لأنبيائه تصديقاً لهم في نبوتهم .
وعطف - سبحانه - عيسى على موسى بدون إعادة الفعل لأن عيسى جاء مصدقاً للتوراة ، وما نسخ منها إلا أحكاماً يسيرة ، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في قوله حكاية عنه { وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوراة وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الذي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } وقدم - سبحانه - الإِيمان بالله على غيره لأن الإيمان بالأنبياء . وما أنزل إليهم متوقف على الإِيمان بالله .
وقدم الإِيمان بما أنزل إلينا - نحن معشر المسلمين - وهو القرآن الكريم لأن الإِيمان به يجب أن يكون على وجهي الإِجمال والتفصيل ، أما ما أنزل على الأنبياء من قبل كالتوراة والإِنجيل ، فيكفي الإِيمان به على و جه الإِجمال .
وقوله تعالى : { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ } معناه : لا نفرق يبن جماعة النبيين ، فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلتم يا معشر اليهود ، إذ كفرتم بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وفعلكم هذا في حقيقته كفر بالأنبياء جميعا لأن من كفر بواحد منهم فقد كفر بالكل ، ولذلك فنحن معشر المسلمين نؤمن بجميع الأنبياء بدون تفرقة أو استثناء .
ثم يدعو المسلمين لإعلان الوحدة الكبرى للدين ، من لدن إبراهيم أبي الأنبياء إلى عيسى بن مريم ، إلى الإسلام الأخير . ودعوة أهل الكتاب إلى الإيمان بهذا الدين الواحد :
( قولوا : آمنا بالله ، وما أنزل إلينا ، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وما أوتي موسى وعيسى ، وما أوتي النبيون من ربهم . لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ) . .
تلك الوحدة الكبرى بين الرسالات جميعا ، وبين الرسل جميعا ، هي قاعدة التصور الإسلامي وهي التي تجعل من الأمة المسلمة ، الأمة الوارثة لتراث العقيدة القائمة على دين الله في الأرض ، الموصولة بهذا الأصل العريق ، السائرة في الدرب على هدى ونور . والتي تجعل من النظام الإسلامي النظام العالمي الذي يملك الجميع الحياة في ظله دون تعصب ولا اضطهاد . والتي تجعل من المجتمع الإسلامي مجتمعا مفتوحا للناس جميعا في مودة وسلام .
أرشد الله تعالى عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم بواسطة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مفصلا وبما أنزل على الأنبياء المتقدمين مجملا ونص على أعيان من الرسل ، وأجمل ذكر بقية الأنبياء ، وأن{[2845]} لا يفرقوا بين أحد منهم ، بل يؤمنوا بهم كلّهم ، ولا يكونوا كمن قال الله فيهم : { وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا } [ النساء : 150 ، 151 ] .
وقال البخاري : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عثمان بن عُمَر ، أخبرنا علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، قال : كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبْرَانيَّة ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تُكَذبوهم ، وقولوا : آمنا بالله وما أنزل إلينا{[2846]} " {[2847]} .
وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي من حديث عثمان بن حكيم ، عن سعيد بن يَسار عن ابن عباس ، قال ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما يصلى الركعتين اللتين قبل الفجر ب { آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْنَا } الآية ، والأخرى ب { آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [ آل عمران : 52 ] {[2848]} وقال أبو العالية والربيع وقتادة : الأسباط : بنو يعقوب اثنا عشر رجلا ؛ ولد كل{[2849]} رجل منهم أمة من الناس ، فسمّوا الأسباط .
وقال الخليل بن أحمد وغيره : الأسباط في بني إسرائيل ، كالقبائل في بني إسماعيل ؛ وقال الزمخشري في الكشاف : الأسباط : حفدة يعقوب ذراري أبنائه الاثنى عشر ، وقد نقله الرازي عنه ، وقرره ولم يعارضه . وقال البخاري : الأسباط : قبائل بني إسرائيل ، وهذا يقتضي أن المراد بالأسباط هاهنا شعوب بني إسرائيل ، وما أنزل الله تعالى من الوحي على الأنبياء الموجودين منهم ، كما قال موسى لهم : { اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ } [ المائدة : 20 ] وقال تعالى : { وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا } [ الأعراف : 160 ] وقال القرطبي : وسموا الأسباط من السبط ، وهو التتابع ، فهم جماعة متتابعون . وقيل : أصله من السبط ، بالتحريك ، وهو الشجر ، أي : هم في الكثرة بمنزلة الشجر الواحدة سبطة . قال الزجاج : ويبين لك هذا : ما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري ، حدثنا أبو نجيد الدقاق ، حدثنا الأسود بن عامر ، حدثنا إسرائيل عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمد - عليهم الصلاة والسلام . قال القرطبي : والسبط : الجماعة والقبيلة ، الراجعون إلى أصل واحد .
وقال قتادة : أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا به ، ويصدقُوا بكتبه كلّها وبرسله .
وقال سليمان بن حبيب : إنما أمرنا أن نؤمن بالتوراة والإنجيل ، ولا نعمل بما فيهما .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن محمد بن مُصْعب الصوري ، حدثنا مُؤَمَّل ، حدثنا عبيد الله بن أبي حميد ، عن أبي المليح ، عن مَعْقل بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آمنوا بالتوراة والزبور والإنجيل وليسَعْكمُ القرآن " {[2850]} .
{ قولوا آمنا بالله } الخطاب للمؤمنين لقوله تعالى : { فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به } { وما أنزل إلينا } القرآن ، قدم ذكره لأنه أول بالإضافة إلينا ، أو سبب للإيمان بغيره { وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط } الصحف ، وهي وإن نزلت إلى إبراهيم لكنهم لما كانوا متعبدين بتفاصيلها داخلين تحت أحكامها فهي أيضا منزلة إليهم ، كما أن القرآن منزل إلينا ، والأسباط جمع سبط وهو الحافد ، يريد به حفدة يعقوب ، أو أبناءه وذراريهم فإنهم حفدة إبراهيم وإسحاق { وما أوتي موسى وعيسى } التوراة والإنجيل ، أفردهما بالذكر بحكم أبلغ لأن أمرهما بالإضافة إلى موسى وعيسى مغاير لما سبق ، والنزاع وقع فيهما { وما أوتي النبيون } جملة المذكورين منهم وغير المذكورين .
{ من ربهم } منزلا عليهم من ربهم . { لا نفرق بين أحد منهم } كاليهود ، فنؤمن ببعض ونكفر ببعض ، وأحد لوقوعه في سياق النفي عام فساغ أن يضاف إليه بين . { ونحن له } أي لله { مسلمون } مذعنون مخلصون .