التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ} (136)

وقوله : { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط . . . } يأمر الله نبيه الكريم والمسلمين أن ويعلنوا عن إيمانهم الحق بالله ربا خالقا منشئا للوجود من العدم ، وإيمانهم كذلك بما أنزل إليهم وهو القرآن ، وما نزل من كتاب ووحي على النبيين من قبلهم وهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط . والأسباط مفردها سبط وهو القبيلة أو الجماعة ، وقد سميت بالسبط ؛ لتتابعها إذ تأتي واحدة عقب أخرى . ويراد بالأسباط في الآية أبناء يعقوب الاثنا عشر ، وقد ولد لكل واحد منهم أمة من الإسرائيليين ، وقد بعث الله منهم نبيين ومرسلين كثيرين قد أنزل الله عليهم الوحي وأناط بهم وظيفة التبليغ والدعوة إلى الحنيفية المائلة عن الفساد والباطل والشرك .

ومما يلفت النظر ما ذكره ابن عباس إذ قال : كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوحا وشعيبا وهودا وصالحا ولوطا وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمدا ( صلى الله عليه وسلم ) . وكذلك فإن على النبي والمسلمين أن يؤمنوا بما نزل على كليم الله موسى وروح الله عيسى بن مريم فقد أوتي الأول التوراة وأوتي الثاني الإنجيل وهما كتابان عظيمان فيهما خير الدنيا والآخرة ، وينطويان على ما فيه إسعاد بني إسرائيل لو أنهم التزموا بما فيهما من مضمون ولم يتجرأوا عليهما بالتحريف والتنزييف .

ويجب التنبيه هنا إلى حقيقة التكليف الوارد في الآية وهو قوله : { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم . . . } فالمطلوب هو مجرد التصديق والإيمان بما أنزل على النبيين السابقين من كتب ، وأنهم قد أوحي إليهم . وليس على المؤمن من هذه الأمة أن يلتزم بأكثر من ذلك . فالقضية المبدئية أن يؤمن المسلم ويصدق بحقيقة الكتب السماوية الصادقة المبرأة من التلاعب والتحريف . أما ما نشاهده بين ظهراني اليهود والنصارى من توراة وإنجيل فما علينا من بأس أن نقف منهما موقف المحايد الحريص فلا نصدق ولا نكذب ؛ ذلك أننا إذا صدقنا وأيقنا بما فيهما من غير تحفظ فلسوف تقع لا محالة في خطأ التصديق بما ليس من كلام الله مما هو مزيد أو مفترئ قد أضيف إلى كل من التوراة والإنجيل . أما إذا كذبنا بهما جميعا فلسوف يفضي هذا التكذيب المطلق إلى التكذيب بما صح فيهما .

وعلى العموم فإن على المسلمين أن يؤمنوا بالتوراة والإنجيل كتابين منزلين من عند الله من قبل أن يمسهما التحريف والخلط . أما التوراة والإنجيل على حالهما التي نرى اليوم ، فما على المسلمين من سبيل لو أنهم وقفوا منهما موقف المتوسط المحايد من غير تصديق ولا تكذيب ، وخير ما يستدل به على ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " لا تصدقوا أهل الكتاب ، ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا بالله وما أنزل الله " {[141]} .

قوله : { وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم } أي أننا نؤمن بما نزل على النبيين ونصدقهم في ذلك جميعا دون استثناء ، فلا نؤمن ببعض ونكفر ببعض ، وإنما نؤمن بالنبيين كافة وأنهم جميعا صادقون ويصدرون فيما يقولون ويبلّغون عن وحي الله الأمين . ويشبه ذلك قوله سبحانه في المسلمين الذين يؤمنون بجميع النبيين والمرسلين من غير تفريق فلا يصدقون بعضا منهم ويكذبون آخرين { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله } أي لا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعضهم الآخر كالذي عليه اليهود والنصارى .

قوله : ( ونحن له مسلمون ) الضمير في قوله : ( له ) يعود على لفظ الجلالة . أي أننا نحن أتباع هذه الملة نعلن في تصديق قاطع مستيقن أننا على صراط الله القويم وعلى سبيله المستقيم ، وأننا ممتثلون لأمره ودينه وشرعه غير مترددين ولا مرتابين ولا مستنكفين .


[141]:- رواه البخاري عن أبي هريرة.