فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ} (136)

{ قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن مسلمون } .

{ قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا } أي القرآن { وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط } أي الصحف ، وهذا خطاب للمسلمين وأمر لهم بأن يقولوا لهم هذه المقالة وقيل إنه خطاب للكفار بأن يقولوا ذلك حتى يكون على الحق ، والأول أولى ، وأعاد الموصول لئلا يتوهم من إسقاطه اتحاد المنزل مع أنه ليس كذلك ، وذكر إسماعيل وما بعده لكونهم مزوجين لها متعبدين بتفاصيلها ، داخلين تحت أحكامها ، ومقررين لما أنزل على إبراهيم فكأنه منزل عليهم أيضا وإلا فليسوا منزلا عليهم في الحقيقة . والأسباط أولاد يعقوب وهم اثنا عشر ولدا ولكل واحد من الأولاد جماعة ، والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في العرب ، وسموا الأسباط من السبط وهو التتابع فهم جماعة متتابعون ، وقيل أصله من السبط بالتحريك وهو الشجر أي هم في الكثرة بمنزلة الشجر ، وقيل الأسباط حفدة يعقوب أي أولاد أولاده لا أولاده لأن الكثرة إنما كانت فيهم دون أولاد يعقوب في نفسه فهم أفراد لا أسباط .

{ وما أوتي موسى } من التوراة ، وعبر بالإيتاء دون الإنزال فرارا من التكرار الصوري الموجب للثقل في العبارة { وعيسى } من الإنجيل ، ولم يقل وما أوتي عيسى إشارة إلى اتحاد المنزل عليه مع المنزل على موسى ، فإن الإنجيل مقرر للتوراة ولم يخالفها إلا في قدر يسير فيه تسهيل كما قال :

{ ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم } { وما أوتي النبيون } المذكورون وغيرهم { من ربهم } يعني والكتب التي أوتي جميع الأنبياء ، وذلك كله حق وهدى ونور ، وإن الجميع من عند الله ، وإن جميع ما ذكر الله من أنبيائه كانوا على هدى وحق { لا نفرق } في الإيمان { بين أحد منهم } بل نؤمن بكل الأنبياء قال الفراء معناه لا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى .

قال في الكشاف { أحد } في معنى الجماعة ولذلك صح دخول { بين } عليه ، ليس كونه في معنى الجماعة من جهة كونه نكرة في سياق النفي كما سبق إلى كثير من الأذهان وقال القرافي : إن { أحدا } الذي لا يستعمل إلا في النفي معناه إنسان بإجماع أهل اللغة ، وأحدا يستعمل في الإثبات معناه الفرد من العدد إذا كان مسمى أحد اللفظين غير مسمى الآخر في اللغة ، وضابط الاشتقاق أن تجد بين اللفظين مناسبة في اللفظ والمعنى ، ولا يكفي أحدهما تغايرا في الاشتقاق ، فإن وجدت المقصود به إنسان فألفه ليست منقلبة عن واو ، وإن وجدت المقصود به نصف الاثنين من العدد فهو الصالح للإثبات والنفي وألفه منقلبة عن واو ، انتهى ، وقد حقق المقام الخفاجي في العناية فليرجع إليه .

{ ونحن له مسلمون } أي ونحن لله تعالى خاضعون بالطاعة مذعنون له بالعبودية ، وأخرج أحمد ومسلم وأبو داوود والنسائي عن ابن عباس قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منها الآية التي في البقرة { قولوا آمنا بالله } كلها وفي الآخرة { آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون } " . وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة : " كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله " الآية{[136]} .


[136]:صحيح الجامع الصغير 7223.