تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦٓۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ لِلظَّـٰلِمِينَ بَدَلٗا} (50)

{ 50 } { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا }

يخبر تعالى ، عن عداوة إبليس لآدم وذريته ، وأن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم ، إكراما وتعظيما ، وامتثالا لأمر الله ، فامتثلوا ذلك { إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } وقال : { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا } وقال : { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ } فتبين بهذا عداوته لله ولأبيكم ولكم ، فكيف تتخذونه وذريته أي : الشياطين { أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا } أي : بئس ما اختاروا لأنفسهم من ولاية الشيطان ، الذي لا يأمرهم إلا بالفحشاء والمنكر عن ولاية الرحمن ، الذي كل السعادة والفلاح والسرور في ولايته . وفي هذه الآية ، الحث على اتخاذ الشيطان عدوا ، والإغراء بذلك ، وذكر السبب الموجب لذلك ، وأنه لا يفعل ذلك إلا ظالم ، وأي : ظلم أعظم من ظلم من اتخذ عدوه الحقيقي وليا ، وترك الولي الحميد ؟ " .

قال تعالى : { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ } وقال تعالى : { إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦٓۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ لِلظَّـٰلِمِينَ بَدَلٗا} (50)

فقوله - سبحانه - : { وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمََ فسجدوا إِلاَّ إِبْلِيسَ } تذكير لبنى آدم بالعداوة القديمة بين أبيهم آدم وبين إبليس وذريته .

والمقصود بهذا التذكير تحذيرهم من وساوسه ، وحضهم على مخالفته ، كما قال - تعالى - : { إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السعير } والملائكة : جمع ملك . وهم - كما وصفهم الله تعالى - : { لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } وآدم : اسم لأبى البشر ، قيل : إنه اسم عبرانى مشتق من أدمه بمعنى التراب .

والسجود لغة : التذلل والخضوع . وخص فى الشرع بوضع الجبهة على الأرض بقصد العبادة .

وإبليس اسم مشتق من الإِبلاس ، وهو الحزن الناشئ عن شدة اليأس وفعله أبلس ، والراجح أنه اسم أعجمى . ومنعه من الصرف للعلمية والعجمة .

والمعنى - واذكر - أيها العاقل - لتعتبر وتتعظ ، وقت أن قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، سجود تحية واحترام وتوقير ، لا سجود عبادة وطاعة لأن ذلك لا يكون إلا لله رب العالمين . فامتثلوا أمرنا وسجدوا جميعاً ، كما قال - تعالى - : { فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } وجاء العطف فى قوله { فسجدوا } بالفاء المفيدة للتعقيب ، للإِشارة إلى أن الملائكة قد بادروا بالامتثال بدون تردد ، استجابة لأمر خالقهم - عز وجل .

وقوله - تعالى - { إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } بيان لموقف إبليس من أمر الله تعالى ، وهو أنه أبى واستكبر وامتنع عن السجود لآدم . وظاهر الآية يفيد أن سبب فسقه عن أمر ربه : كونه من الجن لا من الملائكة إذ من المقرر فى علم الأصول ؛ أن الفاء من الحروف الدالة على التعليل ، كما فى قولهم ، سرق فقطعت يده .

والمعنى : امتثل الملائكة جميعاً أمرنا فسجدوا لآدم ، إلا إبليس فإنه أبى واستكبر ولم يسجد ؛ لأنه كان من الجن ولم يكن من الملائكة { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } أى . فخرج بذلك عن طاعتنا ، واستحق لعنتنا وغضبنا .

وأصل الفسق : الخروج عن الطاعة مأخوذ من قولهم : فسق الرطب فسوقا إذا خرج عن قشره وهو أعم من الكفر ، فيقال للعاصى فاسق ، وللكافر فاسق .

قال بعض العلماء ما ملخصه : والخلاف فى كون إبليس من الملائكة أولا مشهور عند أهل العلم .

وحجة من قال إنه ليس منهم أمران : أحدهما : عصمة الملائكة من ارتكاب الكفر الذى ارتكبه إبليس ، فهم - كما قال الله عنهم : { لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } والثانى : أن الله - تعالى - صرح فى هذه الآية الكريمة بأنه كان من الجن ، والجن غير الملائكة . قالوا : وهو نص قرآنى فى محل النزاع .

واحتج من قال بأنه منهم ، بما تكرر فى الآيات القرآنية من قوله : { فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ }

قالوا : فإخراجه بالاستثناء من لفظ الملائكة دليل على أنه منهم ، والظواهر إذا كثرت صارت بمنزلة النص ومن المعلوم أن الأصل فى الاستثناء الاتصال لا الانقطاع .

قالوا : ولا حجة لمن خالفنا فى قوله - تعالى - { كَانَ مِنَ الجن } ، لأن الجن قبيلة من الملائكة ، خلقوا من بين الملائكة من نار السموم .

وأظهر الحجج فى المسألة . حجة من قال : إنه ليس من الملائكة ، لأن قوله - تعالى - { إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن } هو أظهر شئ فى الموضوع من نصوص الوحى ، والعلم عند الله - تعالى - .

ومن المفسرين الذين يدل كلامهم على أن إبليس لم يكن من الملائكة . الإِمام ابن كثير ، فقد قال - رحمه الله - قوله : { فسجدوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن } أى : خانه أصله ، فإنه خلق من مارج من نار ، وأصل خلق الملائكة من نور ، كما ثبت فى صحيح مسلم ، عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " خلقت الملائكة من نور ، وخلق إبليس من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم " فعند الحاجة نضح كل إناء بما فيه ، وخانه الطبع عند الحاجة ، وذلك أنه قد توسم بأفعال الملائكة ، وتشبه بهم ، وتعبد وتنسك فلهذا دخل فى خطابهم ، وعصى بالمخالفة .

ونبه - تعالى - هاهنا على أنه { من الجن } أى : " أنه خلق من نار . . " .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بالإِنكار والتوبيخ والتعجيب ممن يتبع خطوات إبليس وذريته فقال : { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } .

أى : أفبعد أن ظهر لكم - يا بنى آدم - ما ظهر من فسوق إبليس عن أمر ربه ، تتخذونه وذريته الذين نهجوا نهجه ، أولياء ، وأصفياء من دونى ، فتطيعونهم بدل أن تطيعونى ، والحال أن إبليس وذريته لكم عدو ؟

لا شك أن من يفعل ذلك منكم يكون قد استبدل الذى هو أدنى بالذى هو خير ، وآثر الغى على الرشد ، والضلالة على الهداية ، والفسوق على الإِيمان ! ! .

فالجملة الكريمة تستبعد من كل عاقل ، أن يطيع إبليس وذريته ، بعد أن تبين له عداوتهم إياه ، وحرصهم على إيقاعه فى موارد الهلكة والسوء .

وقوله : { وذريته } يدل على أن لإِبليس ذرية ، إلا أن الطريقة التى بواسطتها كانت له الذرية ، لم يرد بها نص صحيح يعتمد عليه ، لذا وجب تفويض علمها إلى - الله تعالى - .

قال الآلوسى عند تفسيره لهذه الآية : والظاهر أن المراد من الذرية الأولاد فتكون الآية دالة على أن له أولادا ، وبذلك قال جماعة . . وعن قتادة أنه قال : إنه ينكح وينسل كما ينسل بنو آدم .

ثم قال الآلوسى : ولا يلزمنا أن نعلم كيفية ولادته ، فكثير من الأشياء مجهول الكيفية عندنا ، ونقول به .

وقوله - تعالى - : { بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } حكم منه - سبحانه - بسوء التفكير والمصير على المتخذين إبليس وذريته أولياء من دونه - تعالى - وبئس فعل يفيد الذم ، والبدل : العوض عن الشئ .

أى بئس للظالمين ، الواضعين الشئ فى غير موضعه ، ما فعلوه من تركهم طاعة الله - تعالى - وأخذهم فى مقابل ذلك طاعة إبليس وذريته .

والمخصوص بالذم محذوف دل عليه المقام والتقدير : بئس البدل والعوض عن طاعة الله - تعالى - طاعة إبليس وذريته .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦٓۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ لِلظَّـٰلِمِينَ بَدَلٗا} (50)

47

هؤلاء المجرمون الذين وقفوا ذلك الموقف كانوا يعرفون أن الشيطان عدولهم ، ولكنهم تولوه فقادهم إلى ذلك الموقف العصيب . فما أعجب أن يتولوا إبليس وذريته وهم لهم عدو منذ ما كان بين آدم وإبليس :

( وإذ قلنا للملائكة : اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه . أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني ، وهم لكم عدو ، بئس للظالمين بدلا ) .

وهذه الإشارة إلى تلك القصة القديمة تجيء هنا للتعجيب من أبناء آدم الذين يتخذون ذرية إبليس أولياء من دون الله بعد ذلك العداء القديم .

واتخاذ إبليس وذريته أولياء يتمثل في تلبية دواعي المعصية والتولي عن دواعي الطاعة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦٓۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ لِلظَّـٰلِمِينَ بَدَلٗا} (50)

يقول تعالى منبهًا بني آدم على عداوة إبليس لهم ولأبيهم من قبلهم ، ومقرعًا لمن اتبعه منهم وخالف خالقه ومولاه ، الذي أنشأه وابتداه ، وبألطاف رزقه وغذاه ، ثم بعد هذا كله والى إبليس وعادى الله ، فقال تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ } أي : لجميع الملائكة ، كما تقدم تقريره في أول سورة " البقرة " {[18251]} .

{ اسْجُدُوا لآدَمَ } أي : سجود تشريف وتكريم وتعظيم ، كما قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } [ الحجر : 29 ، 28 ]

وقوله { فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ } أي : خانه أصله ؛ فإنه خلق من مارج من نار ، وأصل خلق الملائكة من نور ، كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " خُلِقت الملائكة من نور ، وخُلق إبليس من مارج من نار ، خُلق{[18252]} آدم مما وصف لكم " {[18253]} . فعند الحاجة نضح{[18254]} كل وعاء بما فيه ، وخانه الطبع عند الحاجة ، وذلك أنه كان قد تَوَسَّم بأفعال الملائكة وتشبه بهم ، وتعبد وتنسك ، فلهذا دخل في خطابهم ، وعصى بالمخالفة .

ونبه تعالى هاهنا على أنه { مِنَ الْجِنِّ } أي : إنه خُلِق من نار ، كما قال : { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } [ الأعراف : 12 ، ص : 76 ]

قال الحسن البصري : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قَط ، وإنه لأصل الجن ، كما أن آدم ، عليه السلام ، أصل البشر . رواه ابن جرير بإسناد صحيح [ عنه ]{[18255]} {[18256]} .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس : كان إبليس من حي من أحياء الملائكة ، يقال لهم : الجن ، خلقوا من نار السموم من بين الملائكة - قال : وكان اسمه الحارث ، وكان خازنًا من خزان الجنة ، وخُلقت الملائكة من نور غير هذا الحي - قال : وخلقت الجن الذين ذُكروا في القرآن من مارج من نار . وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت .

وقال الضحاك أيضًا ، عن ابن عباس : كان إبليس من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة ، وكان خازنًا على الجنان ، وكان له سلطان [ السماء ]{[18257]} الدنيا وسلطان الأرض ، وكان مما سولت له نفسه ، من قضاء الله أنه رأى أن له بذلك شرفًا على أهل السماء ، فوقع من ذلك في قلبه كبر{[18258]} لا يعلمه إلا الله . فاستخرج الله ذلك الكبر منه حين{[18259]} أمره بالسجود لآدم " فاستكبر ، وكان من الكافرين . قال ابن عباس : وقوله : { كَانَ مِنَ الْجِنِّ } أي : من خزان [ الجنان ، كما يقال للرجل : مكي ، ومدني ، وبصري ، وكوفي . وقال ابن جريج ، عن ابن عباس ، نحو ذلك .

وقال سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس قال : هو من خزان ]{[18260]} الجنة ، وكان يدبر أمر السماء الدنيا ، رواه ابن جرير من حديث الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد ، به .

وقال سعيد بن المسيب : كان رئيس ملائكة سماء{[18261]} الدنيا .

وقال ابن إسحاق ، عن خَلاد بن{[18262]} عطاء ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : كان إبليس - قبل أن يركب المعصية - من الملائكة ، اسمه عزازيل ، وكان من سكان الأرض . وكان من أشد الملائكة اجتهادًا وأكثرهم علمًا . فذلك دعاه إلى الكبر ، وكان من حي يسمون جنا .

وقال ابن جُرَيْج ، عن صالح مولى التَّوْأمة وشريك بن أبي نَمِر ، أحدهما أو كلاهما عن ابن عباس قال : إن من الملائكة قبيلة من الجن ، وكان إبليس منها ، وكان يسوس ما بين السماء والأرض . فعصى ، فسخط الله عليه ، فمسخه شيطانًا رجيمًا - لعنه الله - ممسوخًا ، قال : وإذا كانت خطيئة الرجل في كِبْر فلا تَرْجُه ، وإذا كانت في معصية فارجه .

وعن سعيد بن جُبَيْر أنه قال : كان من الجنانين ، الذين يعملون في الجنة .

وقد رُوي في هذا آثار كثيرة عن السلف ، وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها ، والله أعلم بحال كثير منها . ومنها ما قد يقطع بكذبه لمخالفته للحق الذي بأيدينا ، وفي القرآن غُنْيَةٌ عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة ؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان ، وقد وضع فيها أشياء كثيرة ، وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذين يَنْفُون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، كما لهذه [ الأمة من ]{[18263]} الأئمة والعلماء ، والسادة الأتقياء والأبرار والنجباء{[18264]} من الجهابذة النقاد ، والحفاظ الجياد ، الذين دونوا الحديث وحرروه ، وبينوا صحيحه من حسنه ، من ضعيفه ، من منكره وموضوعه ، ومتروكه ومكذوبه ، وعرفوا الوضاعين والكذابين والمجهولين ، وغير ذلك من أصناف الرجال ، كل ذلك صيانة للجناب النبوي والمقام المحمدي ، خاتم الرسل ، وسيد البشر [ عليه أفضل التحيات والصلوات والتسليمات ]{[18265]} ، أن ينسب إليه كذب ، أو يحدث عنه بما ليس [ منه ]{[18266]} ، فرضي الله عنهم وأرضاهم ، وجعل جنات الفردوس مأواهم ، وقد فعل .

وقوله : { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } أي : فخرج عن طاعة الله ؛ فإن الفسق هو الخروج ، يقال{[18267]} فَسَقت الرُّطَبة : إذا خرجت من أكمامها{[18268]} وفسقت الفأرة من جُحْرها : إذا خرجت منه للعيث{[18269]} والفساد .

ثم قال تعالى مقرعًا وموبخًا لمن اتبعه وأطاعه : { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي } أي : بدلا عني ؛ ولهذا قال : { بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا }

وهذا المقام كقوله بعد ذكر القيامة وأهوالها ومصير كل من الفريقين السعداء والأشقياء في سورة يس : { وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ . وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ . وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ } [ يس : 59 - 62 ] .


[18251]:عند تفسير الآية: 34.
[18252]:في ت، ف، ومسلم: "وخلق".
[18253]:صحيح مسلم برقم (2996).
[18254]:في أ: "نضح لكم".
[18255]:زيادة من ف، أ.
[18256]:تفسير الطبري (15/170).
[18257]:زيادة من ت، ف، أ.
[18258]:في ف: "كبر في قلبه".
[18259]:في ت: "حتى".
[18260]:زيادة من ف.
[18261]:في ت، ف: "السماء".
[18262]:في ف: "عن".
[18263]:زيادة من ف.
[18264]:في أ: "البررة والنجباء".
[18265]:زيادة من أ.
[18266]:زيادة من ف.
[18267]:في أ: "تقول".
[18268]:في أ: "كمامها".
[18269]:في أ: "للعنت".