تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا وَقَدۡ بَلَغۡتُ مِنَ ٱلۡكِبَرِ عِتِيّٗا} (8)

{ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ ْ } والحال أن المانع من وجود الولد ، موجود بي وبزوجتي ؟ وكأنه وقت دعائه ، لم يستحضر هذا المانع لقوة الوارد في قلبه ، وشدة الحرص العظيم على الولد ، وفي هذه الحال ، حين قبلت دعوته ، تعجب من ذلك ، فأجابه الله بقوله : { كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ْ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا وَقَدۡ بَلَغۡتُ مِنَ ٱلۡكِبَرِ عِتِيّٗا} (8)

ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك ما قاله زكريا بعد هذه البشارة السارة . فقال - تعالى - : { قَالَ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امرأتي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً } .

فالجملة الكريمة استئناف مبنى على سؤال تقديره : فماذا قال زكريا عندما بشره الله - تعالى - بيحيى ؟

ولفظ { أنى } بمعنى : كيف . أو بمعنى : من أين .

أى : قال زكريا مخاطباً ربه بعد أن بشره بابنه يحيى : يا رب كيف يكون لى غلام ، وحال امرأتى أنها كانت عاقراً فى شبابها وفى شيخوختها ، وحالى أنا أننى قد بلغت من الكبر عتيا ، أى : قد تقدمت فى السن تقدماً كبيراً

يقال : عتى الشيخ يعتو عتيا - بكسر العين وضمها - إذا بلغ النهاية فى الكبر .

قال ابن جرير : " قوله : { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً } يقول : وقد عتوت من الكبر فصرت نحيل العظام يابسها ، يقال منه للعود اليابس : عات وعاس . وقد عتا يعتو عتوا وعتيا . . . وكل متناه فى كبر أو فساد أو كفر فهو عات . . . " .

فإن قيل : " ما المراد باستفهام زكريا - عليه السلام - مع علمه بقدرة الله - تعالى - على كل شىء ؟

فالجواب أن استفهامه إنما هو على سبيل الاستعلام والاستخبار ، لأنه لم يكن يعلم أن الله - تعالى - سيرزقه بيحيى عن طريق زوجته العاقر ، أو عن طريق الزواج بامرأة أخرى ، فاستفهم عن الحقيقة ليعرفها .

ويصح أن يكون المقصود بالاستفهام التعجب والسرور بهذا الأمر العجيب حيث رزقه الله الولد مع تقدم سنه وسن زوجته .

ويجوز أن يكون المقصود بالاستفهام الاستبعاد لما جرت به العادة من أن يأتى الغلام مع تقدم سنه وسن زوجته . وليس المقصود به استحالة ذلك على قدرة الله - تعالى - لأنه - سبحانه - لا يعجزه شىء .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا وَقَدۡ بَلَغۡتُ مِنَ ٱلۡكِبَرِ عِتِيّٗا} (8)

وكأنما أفاق زكريا من غمرة الرغبة وحرارة الرجاء ، على هذه الاستجابة القريبة للدعاء . فإذا هو يواجه الواقع . . إنه رجل شيخ بلغ من الكبر عتيا ، وهن عظمه واشتعل شيبه ، وامرأته عاقر لم تلد له في فتوته وصباه : فكيف يا ترى سيكون له غلام ? إنه ليريد أن يطمئن ، ويعرف الوسيلة التي يرزقه الله بها هذا الغلام : ( قال : رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ? ) .

إنه يواجه الواقع ، ويواجه معه وعد الله . وإنه ليثق بالوعد ، ولكنه يريد أن يعرف كيف يكون تحقيقه مع ذلك الواقع الذي يواجهه ليطمئن قلبه . وهي حالة نفسية طبيعية . في مثل موقف زكريا النبي الصالح . الإنسان ! الذي لا يملك أن يغفل الواقع ، فيشتاق أن يعرف كيف يغيره الله !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا وَقَدۡ بَلَغۡتُ مِنَ ٱلۡكِبَرِ عِتِيّٗا} (8)

هذا تعجب من زكريا ، عليه السلام ، حين أجيب إلى ما سأل ، وبُشِّر بالولد ، ففرح فرحًا شديدًا ، وسأل عن كيفية ما يولد له ، والوجه الذي يأتيه منه الولد ، مع أن امرأته [ كانت ]{[18690]} عاقرًا لم تلد من أول عمرها مع كبرها ، ومع أنه قد كبر وعتا ، أي عسا عظمه ونحل{[18691]} ولم يبق فيه لقاح ولا جماع .

تقول العرب للعود إذا يبس : " عَتا يَعْتو عِتيا وعُتُوا ، وعَسا يَعْسو عُسوا وعِسيا " .

وقال مجاهد : { عِتِيًّا } بمعنى : نحول{[18692]} العظم .

وقال ابن عباس وغيره : { عِتِيًّا } يعني : الكبر .

والظاهر أنه أخص من الكبر .

وقال ابن جرير : حدثنا يعقوب ، حدثنا هُشَيْم ، أخبرنا حُصَيْن ، عن عِكْرمة ، عن ابن عباس قال : لقد علمت السنة كلها ، غير أني لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا ؟ ولا أدري كيف كان يقرأ هذا الحرف : { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا } أو " عسيا " .

ورواه الإمام أحمد عن سُرَيْج{[18693]} بن النعمان ، وأبو داود ، عن زياد بن أيوب ، كلاهما عن هشيم ، به .


[18690]:زيادة من ف، أ.
[18691]:في أ: "وقحل".
[18692]:في أ: "يعني قحول".
[18693]:في ف، أ: "شريح".