تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُۥ وَلَدٞ وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ صَٰحِبَةٞۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (101)

{ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي : خالقهما ، ومتقن صنعتهما ، على غير مثال سبق ، بأحسن خلق ، ونظام وبهاء ، لا تقترح عقول أولي الألباب مثله ، وليس له في خلقهما مشارك .

{ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ } أي : كيف يكون لله الولد ، وهو الإله السيد الصمد ، الذي لا صاحبة له أي : لا زوجة له ، وهو الغني عن مخلوقاته ، وكلها فقيرة إليه ، مضطرة في جميع أحوالها إليه ، والولد لا بد أن يكون من جنس والده ؛ والله خالق كل شيء وليس شيء من المخلوقات مشابها لله بوجه من الوجوه .

ولما ذكر عموم خلقه للأشياء ، ذكر إحاطة علمه بها فقال : { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } وفي ذكر العلم بعد الخلق ، إشارة إلى الدليل العقلي إلى ثبوت علمه ، وهو هذه المخلوقات ، وما اشتملت عليه من النظام التام ، والخلق الباهر ، فإن في ذلك دلالة على سعة علم الخالق ، وكمال حكمته ، كما قال تعالى : { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } وكما قال تعالى : { وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ } ذلكم الذي خلق ما خلق ، وقدر ما قدر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُۥ وَلَدٞ وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ صَٰحِبَةٞۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (101)

ثم ساق - سبحانه - الأدلة المبطلة لما تفوه به المشركون من مزاعم فقال - تعالى - { بَدِيعُ السماوات والأرض أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .

أى : هو مبدعهما ومنشئهما وخالقهما على غير مثال سبق ، ومنه سميت البدعة بدعة لأنه لا نظير لها فيما سلف .

وقوله : { أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ } أى : من أين وكيف يكون له ولد - كما زعموا - والحال أنه ليس له صاحبة يكون الولد منها ، ويستحيل ضرورة وجود الولد بلا والدة وإن أمكن وجوده بلا والد ، وأيضاً الولد لا يحصل إلا بين متجانسين ولا مجانس له - سبحانه - .

وجملة { أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ } مستأنفة لتقرير تنزهه عن ذلك ، وجملة { وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ } حال مؤكدة لاستحالة ما نسبوه إليه من الولد .

وقوله { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ } جملة أخرى مستأنفة لتحقيق ما ذكر من الاستحالة ، أو حال ثانية مقررة لها .

أى : كيف يكون له ولد والحال أنه خلق كل شىء انتظمه التكوين والإيجاد من الموجودات التى من جملتها ما سموه ولداً له - تعالى - فكيف يتصور أن يكون المخلوق ولداً لخالقه ؟

قال صاحب الكشاف : " وفى هذه الآية الكريمة إبطال لأن يكون لله ولد من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن مبتدع السموات والأرض وهى أجسام عظيمة لا يستقيم أن يوصف بالولادة . لأن الولادة من صفات الأجسام ، ومخترع الأجسام لا يكون جسما حتى يكون والداً .

والثانى : أن الولادة لا تكون إلا لمن له صاحبة والله - تعالى - لا صاحبة له فلم تصح الولادة .

والثالث : أنه ما من شىء إلا وهو خالقه والعالم به ، ومن كان بهذه الصفة كان غنياً عن كل شىء والولد إنما يطلبه المحتاج .

وجملة { وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها من الدلائل القاطعة ببطلان أن يكون له ولد .

أى : أنه - سبحانه - عالم بكل المعلومات ، فلو كان له ولد فلا بد أن يتصف بصفاته ومنها عموم العلم ، وهو منفى عن غيره بالإجماع .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُۥ وَلَدٞ وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ صَٰحِبَةٞۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (101)

95

ثم يواجه فريتهم هذه وتصوراتهم بالحقيقة الإلهية ، ويناقشهم في هذه التصورات بما يكشف عما فيها من هلهلة :

( بديع السماوات والأرض . أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة . وخلق كل شيء ، وهو بكل شيء عليم ) . .

إن الذين يبدع هذا الوجود إبداعا من العدم ما تكون حاجته إلى الخلف ! ؟ والخلف إنما هو امتداد الفانين ، وعون الضعفاء ، ولذة من لا يبدعون !

ثم هم يعرفون قاعدة التكاثر . . أن يكون للكائن صاحبة أنثى من جنسه . . فكيف يكون لله ولد - وليست له صاحبة - وهو - سبحانه - مفرد أحد ، ليس كمثله شيء . فأنى يكون النسل بلا تزاوج ؟ !

وهي حقيقة ، ولكنها تواجه مستواهم التصوري ؛ وتخاطبهم بالأمثلة القريبة من حياتهم ومشاهداتهم !

ويتكى ء السياق - في مواجهتهم - على حقيقة " الخلق " لنفي كل ظل للشرك . فالمخلوق لا يكون أبدا شريكا للخالق . وحقيقة الخالق غير حقيقة المخلوق : كما يواجههم بعلم الله المطلق الذي لا تقابله منهم إلا أوهام وظنون :

( وخلق كل شيء ) . .

( وهو بكل شيء عليم ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُۥ وَلَدٞ وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ صَٰحِبَةٞۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (101)

{ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } أي : مبدع السموات والأرض وخالقهما ومنشئهما و[ محدثها ]{[11001]} على غير مثال سبق ، كما قال{[11002]} مجاهد والسُّدِّي . ومنه سميت البدعة بدعة ؛ لأنه لا نظير لها فيما سلف .

{ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ } أي : كيف يكون له ولد ، ولم تكن له صاحبة ؟ أي : والولد إنما يكون متولدا عن شيئين متناسبين ، والله لا يناسبه ولا يشابهه شيء من خلقه ؛ لأنه خالق{[11003]} كل شيء ، فلا صاحبة له ولا ولد ، كما قال تعالى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا [ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ * هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ] {[11004]} وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا } [ مريم : 88 - 95 ] .

{ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فبين تعالى أنه الذي خلق كل شيء ، وأنه بكل شيء عليم ، فكيف يكون له صاحبة من خلقه تناسبه ؟ وهو الذي لا نظير له فأنى يكون له ولد ؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .


[11001]:زيادة من أ.
[11002]:في أ: "قاله".
[11003]:في أ: "خلق".
[11004]:زيادة من م، أ، وفي هـ: "إلى قوله".