{ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى } أي : أغنى العباد بتيسير أمر معاشهم من التجارات وأنواع المكاسب ، من الحرف وغيرها ، وأقنى أي : أفاد عباده من الأموال بجميع أنواعها ، ما يصيرون به مقتنين لها ، ومالكين لكثير من الأعيان ، وهذا من نعمه على عباده أن جميع النعم منه تعالى{[911]} وهذا يوجب للعباد أن يشكروه ، ويعبدوه وحده لا شريك له
وقوله : { وَأَنَّهُ هُوَ أغنى وأقنى } أى : وأنه - سبحانه - هو الذى أغنى الناس بالأموال الكثيرة المؤثلة ، التى يقتنيها الناس ويحتفظون بها لأنفسهم ولمن بعدهم .
فقوله : { أقنى } من القنية بمعنى الادخار للشىء ، والمحافظة عليه .
قال الآلوسى : قوله : { وَأَنَّهُ هُوَ أغنى وأقنى } أى : وأعطى القُنْية وهو ما يبقى ويدوم من الأموال ، ببقاء نفسه ، كالرياض والحيوان والبناء .
وأفرد - سبحانه - ذلك بالذكر مع دخوله فى { أغنى } لأن القنية أنفس الأموال وأشرفها .
وفي النشأة الأولى . وفي النشأة الأخرى . يغني الله من يشاء من عباده ويقنيه :
أغنى من عباده من شاء في الدنيا بأنواع الغنى وهي شتى . غنى المال . وغنى الصحة . وغى الذرية . وغنى النفس . وغنى الفكر . وغنى الصلة بالله والزاد الذي ليس مثله زاد .
وأغنى من عباده من شاء في الآخرة من غنى الآخرة !
وأقنى من شاء من عباده . من كل ما يقتنى في الدنيا كذلك وفي الآخرة !
والخلق فقراء ممحلون . لا يغتنون ولا يقتنون إلا من خزائن الله . فهو الذي أغنى . وهو الذي أقنى . وهي لمسة من واقع ما يعرفون وما تتعلق به أنظارهم وقلوبهم هنا وهناك . ليتطلعوا إلى المصدر الوحيد . ويتجهوا إلى الخزائن العامرة وحدها ، وغيرها خواء !
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَنّهُ هُوَ أَغْنَىَ وَأَقْنَىَ * وَأَنّهُ هُوَ رَبّ الشّعْرَىَ * وَأَنّهُ أَهْلَكَ عَاداً الاُولَىَ * وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىَ } .
يقول تعالى ذكره : وأن ربك هو أغنى من أغنى من خلقه بالمال وأقناه ، فجعل له قُنية أصول أموال . واختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم بالذي قلنا في ذلك . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمارة الأسديّ ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن السديّ ، عن أبي صالح ، قوله : أغْنَى وأقْنَى قال : أغنى المال وأقنى القنية .
وقال آخرون : عُنِي بقوله : أغْنَى : أخدم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : وأنّهُ هُوَ أغْنَى وأقْنَى قال : أغنى : مَوّل ، وأقنى : أخدم .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، قوله : أغْنَى وأقْنَى قال : أخدم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : أغْنَى وأقْنَى قال : أغنى وأخدم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله أغْنَى وأقْنَى قال : أعطى وأرضى وأخدم .
وقال آخرون : بل عُنِي بذلك أنه أغنى من المال وأقنى : رضي . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وأنّهُ هُوَ أغْنَى وأقْنَى قال : فإنه أغنى وأرضَى .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد وأنّهُ هُوَ أغْنَى وأقْنَى قال : أغنى موّل ، وأقنى : رضّي .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : أغْنَى قال : موّل وأقْنَى قال رضي .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وأنّهُ هُوَ أغْنَى وأقْنَى يقول : أعطاه وأرضاه .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثل حديث ابن بشار ، عن عبد الرحمن ، عن سفيان .
وقال آخرون : بل عُنِي بذلك أنه أغنى نفسه ، وأفقر خلقه إليه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه وأنّهُ هُوَ أغْنَى وأقْنَى قال : زعم حضرميّ أنه ذُكِر له أنه أغنى نفسه ، وأفقر الخلائق إليه .
وقال آخرون : بل عُنِي بذلك أنه أغنى من شاء من خلقه ، وأفقر من شاء . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وأنّهُ هُوَ أغْنَى وأقْنَى قال : أغنى فأكثر ، وأقنى أقلّ ، وقرأ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَه .
ومعنى { أغنى } جَعَل غنِيًّا ، أي أعطى ما به الغِنى ، والغنى التمكن من الانتفاع بما يحب الانتفاع به .
ويظهر أن معنى { أقنى } ضد معنى { أغنى } رعيا لنظائره التي زاوجت بين الضدين من قوله : { أضحك وأبكى } [ النجم : 43 ] و { أمات وأحيا } [ النجم : 44 ] ، و { الذكر والأنثى } [ النجم : 45 ] ، ولذلك فسره ابن زيد والأخفش وسليمان التميمي بمعنى أرضى .
وعن مجاهد وقتادة والحسن : { أقنى } : أخدَم ، فيكون مشتقاً من القِنّ وهو العبد أو المولود في الرّق فيكون زيادة على الإِغناء . وقيل : { أَقنى } : أعطى القنية . وهذا زيادة في الغنى . وعن ابن عباس : { أقنى } : أرضى ، أي أرضى الذي أغناه بما أعطاه ، أي أغناه حتى أرضاه فيكون زيادة في الامتنان .
والإِتيان بضمير الفصل لِقصر صفة الإِغناء والإِقناء عليه تعالى دون غيره وهو قصر ادعائي لِمقابلة ذهول الناس عن شكر نعمة الله تعالى بإسنادهم الأرزاق لوسَائله العادية ، مع عدم التنبه إلى أن الله أوجد مواد الإِرزاق وأسبابها وصرف موانعها ، وهذا نظير ما تقدم من القصر في قوله تعالى : { الحمد لله رب العالمين } [ الفاتحة : 2 ] .
وموقع جملة { وأنه هو أغنى وأقنى } كموقع جملة { وأن سعيه سوف يرى } [ النجم : 40 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.