روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَأَنَّهُۥ هُوَ أَغۡنَىٰ وَأَقۡنَىٰ} (48)

{ وَأَنَّهُ هُوَ أغنى وأقنى } وأعطى القنية وهو ما يبقى ويدوم من الأموال ببقاء نفسه أو أصله كالرياض والحيوان والبناء ، وإفراد ذلك بالذكر مع دخوله في قوله تعالى : { أغنى } لأن القنية أنفس الأموال وأشرفها ، وفي «البحر » يقال : قنيت المال أي كسبته ويعدي أيضاً بالهمزة والتضعيف فيقال : أقناه الله تعالى مالاً وقناه الله تعالى مالاً ، وقال الشاعر

: كم من غني أصاب الدهر ثرواته *** ومن فقير ( يقني ) بعد إقلال

أي يقني المال ، وعن ابن عباس { أغنى } مول ، و { أقنى } أرضى . وهو بهذا المعنى مجاز من القنية قتل الراغب : وتحقيق ذلك أنه جعل له قنية من الرضا والطاعة وذلك أعظم القنائن ، ولله تعالى در من قال

: هل هي إلا مدة وتنقضي *** ما يغلب الأيام إلا من رضى

وعن ابن زيد . والأخفش { أقنى } أفقر ، ووجه بأنهما جعلا الهمزة فيه للسلب والإزالة كما في أشكى ، وقيل : إنهما جعلا { أقنى } بمعنى جعل له الرضا والصبر قنية كناية عن ذلك ليظهر فيه الطباق كما في { هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } [ النجم : 44 ] و { أَضْحَكَ وأبكى } [ النجم : 43 ] وفسره بأفقر أيضاً الحضرمي إلا أنه كما أخرج عنه ابن جرير . وأبو الشيخ قال { أغنى } نفسه سبحانه و { أفقر } الخلائق إليه عز وجل ، والظاهر على تقدير اعتبار المفعول في جميع الأفعال المتقدمة أن يكون من المحدثات الصالحة لتعلق الفعل ، وعندي أن { وَمَا أُغْنِى } سبحانه نفسه كأوجد جل شأنه نفسه لا يخلو عن سماجة وإيهام محذور ، وإنما لم يذكر مفعول لأن القصد إلى الفعل نفسه .