ثم بين - سبحانه - أن حال الكافرين مع الحق الذي جاءهم به النبي صلى الله عليه وسلم كحال الذين سبقوهم في الجحود والعناد فقال - تعالى - : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ والذين مِن قَبْلِهِمْ } .
الدأب : أصله الدوام والاستمرار . يقال : دأب على كذا يداب دأباً ودأباً ودءوباً ، إذا داوم عليه وجد فيه وتعب . ثم غلب استعماله في الحال والشان والعادة ، لأن من يستمر في عمل أمدا طويلا يصير عادة من عاداته ، وحالا من أحواله فهو من باب إطلاق الملزوم وإرادة اللازم .
وآل فرعون : هم أعوانه ونصراؤه وأشياعه الذين استحبوا العمى على الهدى واستمروا على النفاق والضلال حتى صار ديدنا لهم .
قال الراغب : " والآل مقلوب عن الأهل . ويصغر على أهيل إلا أنه خص بالإضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات ودون الأزمنة والأمكنة . يقال آل فلان ولا يقال آل رجل . . . ولا يقال آل الخياط بل يضاف إلى الأشرف والأفضل ، فيقال آل الله وآل السلطان ، والأهل يضاف إلى الكل فيقال أهل الله وأهل الخياط كما يقال أهل زمن كذا " .
والمعنى : حال هؤلاء الكافرين الذين كرهوا الحق الذي جئت به - يا محمد - ولم يؤمنوا بك حالهم في استحقاق العذاب ، كحال آل فرعون والذين من قبلهم من أهل الزيغ والضلال ، كفروا بآيات الله ، وكذبوا بما جاءت به من هدايات فكانت نتيجة ذلك أن أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر حيث أهلكهم بسبب ما ارتكبوه من ذنوب ، والله - تعالى - شديد العقاب لمن كفر بآياته .
والجار والمجرور بقوله { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } في موضع رفع خبر لمبتدأ محذوف . أى شأن هؤلاء في تكذيبك يا محمد كشأن آل فرعون والذين من قبلهم في تكذيبهم لأنبيائهم .
والمقصود بآل فرعون أعوانه وبطانته ، لأن الآل يطلق على أشد الناس التصاقا واختصاصا بالمضاف إليه ، والاختصاص هنا في المتابعة ، والتواطؤ على الكفر ، لأنه إذا وجد العناد في التابع فهو في الغالب يكون في المتبوع أشد وأكبر . ولأنهم هم الذين حرضوه على الشرور والآثام والطغيان فلقد حكى القرآن عنهم ذلك في قوله - تعالى - { وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ موسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأرض وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } وخص القرآن آل فرعون بالذكر من بين الذين سبقوهم في الكفر ، لأن فرعون كان اشد الطغاة طغيانا ، وأكبرهم غرورا وبطرا وأكثرهم استهانة بقومه ، واحتقارا لعقولهم وكيانهم ، ألم يقل لهم - كما حكى القرآن - { أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى } ألم يبلغ به غروره أن يقول لهم : { أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهار تَجْرِي مِن تحتي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } ألم يقل لوزيره : { ياهامان ابن لِي صَرْحاً لعلي أَبْلُغُ الأسباب أَسْبَابَ السماوات فَأَطَّلِعَ إلى إله موسى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً . . . }
ولقد وصف الله - تعالى - قوم فرعون بهوان الشخصية ، وتفاهة العقل ، والخروج عن كل مكرمة فقال : { فاستخف قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } لأن الأمة التي تترك الظالم وبطانته يعيثون في الأرض فسادا لا تستحق الحياة ، ولا يكون مصيرها إلا إلى التعاسة والخسران .
وجملة { كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } تفسير لصنيعم الباطل ، ودأبهم على الفساد والضلال . والمراد بالآيات ما يعم المتلوة في كتب الله - تعالى - والبراهين والمعجزات الدالة على صدق الأنبياء فيما يبلغونه عن ربهم .
وفي إضافتها إلى الله - تعالى - تعظيم لها وتنبيه على قوة دلالتها على الحق والخير وقوله { فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ } بيان لما أصابهم بسبب كفرهم وتكذيبهم للحق ، وفي التعبير بالأخذ إشارة إلى شدة العقوبة ، فهو - سبحانه - قد أخذهم كما يؤخذ الأسير الذى لا يستطيع فكاكا من آسره .
والباء للسببية أى أخذهم بسبب ما اجترحوه من ذنوب . أو الملابسة والمصاحبة . أى أخذهم وهم متلبسون بذنوبهم دون أن يتوبوا منها أو يقعلوا عنها ، والجمل على الوجهين تدل على كمال عدل الله - تعالى - لأنه ما عاقبهم إلا لأنهم اتسحقوا ذلك .
وأصل الذنب : الأخذ بذنب الشيء ، أي بمؤخرته ثم أطلق على الجريمة لأن مرتكبها يعاقب بعدها .
وفي قوله : { والله شَدِيدُ العقاب } إشارة إلى أن شدة العقاب سببها شدة الجريمة وتعليم للناس بأن كل فعل له جزاؤه ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، وتقرير وتأكيد لمضمون ما قبلها .
{ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
يعني بذلك جلّ ثناؤه : إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا عند حلول عقوبتنا بهم ، كسنة آل فرعون وعادتهم ، والذين من قبلهم من الأمم الذين كذبوا بآياتنا ، فأخذناهم بذنوبهم فأهلكناهم حين كذبوا بآياتنا ، فلن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا حين جاءهم بأسنا كالذي عوجلوا بالعقوبة على تكذيبهم ربهم من قبل آل فرعون من قوم نوح وقوم هود وقوم لوط وأمثالهم .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } فقال بعضهم : معناه : كسنتهم . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق بن الحجاج ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } يقول : كسنتهم .
وقال بعضهم : معناه : كعملهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان جميعا ، عن جويبر ، عن الضحاك : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنِ } قال : كعمل آل فرعون .
حدثنا يحيى بن أبي طالب ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا جويبر . عن الضخاك في قوله : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } قال : كعمل آل فرعون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } قال : كفعلهم كتكذيبهم حين كذبوا الرسل . وقرأ قول الله : { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ } أن يصيبكم مثل الذي أصابهم عليه من عذاب الله . قال : الدأب : العمل .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن عكرمة ومجاهد في قوله : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } قال : كفعل آل فرعون ، كشأن آل فرعون .
حدثت عن المنجاب ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } قال : كصنع آل فرعون .
وقال آخرون : معنى ذلك : كتكذيب آل فرعون . ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذّبُوا بِآيَاتِنَا فَأخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ } ذكر الذين كفروا وأفعال تكذيبهم كمثل تكذيب الذين من قبلهم في الجحود والتكذيب .
وأصل الدأب من دأبت في الأمر دأْبا : إذا أدمنت العمل والتعب فيه . ثم إن العرب نقلت معناه إلى الشأن والأمر والعادة ، كما قال امرؤ القيس بن حجر :
وَإِنّ شِفائي عَبْرَةٌ مُهَرَاقَةٌ *** فَهَلْ عندَ رَسْمٍ دَارِسٍ من مُعَوّلِ
كَدأْبِكَ مِنْ أُم الحُوَيْرِث قَبْلَه *** اوَجارَتِها أُمّ الرّبابِ بِمأْسَل
يعني بقوله كدأبك : كشأنك وأمرك وفعلك ، يقال منه : هذا دأبي ودأبك أبدا ، يعني به : فعلي وفعلك وأمري وأمرك ، وشأني وشأنك ، يقال منه : دأبت دووبا ودَأْبا . وحكي عن العرب سماعا : دأبت دَأَبا مثقلة محركة الهمزة ، كما قيل هذا شعَر وبهَر ، فتحرك ثانيه لأنه حرف من الحروف الستة ، فألحق الدأب إذ كان ثانيه من الحروف الستة ، كما قال الشاعر :
لَهُ نَعْلٌ لاَ يَطّبِي الكَلْبَ رِيحُها *** وَإِنْ وُضِعَتْ بَيْنَ المَجالِسِ شُمّتِ
وأما قوله : { وَاللّهُ شَدِيدُ العِقَابِ } فإنه يعني به : والله شديد عقابه لمن كفر به وكذّب رسله بعد قيام الحجة عليه .
{ كدأب آل فرعون } متصل بما قبله أي لن تغن عن أولئك ، أو توقد بهم كما توقد بأولئك ، أو استئناف مرفوع المحل تقديره دأب هؤلاء كدأبهم في الكفر والعذاب ، وهو مصدر دأب في العمل إذا كدح فيه فنقل إلى معنى الشأن . { والذين من قبلهم } عطف على { آل فرعون } . وقيل استئناف . { كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم } حال بإضمار قد ، أو استئناف بتفسير حالهم ، أو خبر إن ابتدأت بالذين من قبلهم . { والله شديد العقاب } تهويل للمؤاخذة وزيادة تخويف الكفرة .
والكاف في قوله { كدأب } في موضع رفع ، التقدير : دأبهم { كدأب } ، ويصح أن يكون الكاف في موضع نصب ، قال الفراء : هو نعت لمصدر محذوف تقديره كفراً { كدأب } ، فالعامل فيه { كفروا } ، ورد هذا القول الزجاج بأن الكاف خارجة من الصلة فلا يعمل فيها ما في الصلة .
قال القاضي رحمه الله : ويصح أن يعمل فيه فعل مقدر من لفظ «الوقود » ويكون التشبيه في نفس الاحتراق ، ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى : { النار يعرضون عليها غدواً وعشياً{[2980]} ، أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } [ غافر : 46 ] ، والقول الأول أرجح الأقوال أن يكون الكاف في موضع رفع ، والهاء في { قبلهم } عائدة على { آل فرعون } ، ويحتمل أن تعود على معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكفار ، وقوله : { بآياتنا } يحتمل أن يريد بالآيات المتلوة ، ويحتمل أن يريد العلامات المنصوبة ، واختلفت عبارة المفسرين ، في تفسير الدأب ، وذلك كله راجع إلى المعنى الذي ذكرناه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{كدأب آل فرعون}: كأشباه آل فرعون في التكذيب. {والذين من قبلهم} من الأمم الخالية قبل آل فرعون، والأمم الخالية قبل آل فرعون: قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وقوم شعيب. {كذبوا بآياتنا}، بأنهم كذبوا أيضا بالعذاب في الدنيا بأنه غير نازل بهم.
{فأخذهم الله بذنوبهم}: في الدنيا، فعاقبهم الله. {والله شديد العقاب}، يعني إذا عاقب...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا عند حلول عقوبتنا بهم، كسنة آل فرعون وعادتهم، والذين من قبلهم من الأمم الذين كذبوا بآياتنا، فأخذناهم بذنوبهم فأهلكناهم حين كذبوا بآياتنا، فلن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا حين جاءهم بأسنا كالذي عوجلوا بالعقوبة على تكذيبهم ربهم من قبل آل فرعون من قوم نوح وقوم هود وقوم لوط وأمثالهم.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ}؛
وقال بعضهم: معناه: كعملهم... الدأب: العمل.
وقال آخرون: معنى ذلك: كتكذيب آل فرعون.
وأصل الدأب من دأبت في الأمر دأْبا: إذا أدمنت العمل والتعب فيه. ثم إن العرب نقلت معناه إلى الشأن والأمر والعادة، يقال منه: هذا دأبي ودأبك أبدا، يعني به: فعلي وفعلك، وأمري وأمرك، وشأني وشأنك.
وأما قوله: {وَاللّهُ شَدِيدُ العِقَابِ}: والله شديد عقابه لمن كفر به وكذّب رسله بعد قيام الحجة عليه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{كدأب آل فرعون} قيل: كأشباه آل فرعون، وكصنيعهم، وكله واحد. ثم يحتمل بعد هذا وجهين: يحتمل كصنيع هؤلاء وعملهم، بل كصنيع آل فرعون ومن كان قبلهم بموسى في الكذب والتعنت، فألحق أولئك من العذاب بتكذيب الرسل وتعنتهم عليهم {والله شديد العقاب}...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ} فيه وجهان: والثاني: أن الدأب هنا الاجتهاد، مأخوذ من قولهم: دأبت في الأمر، إذا اجتهدت فيه... احتمل ما أشار إليه من اجتهادهم وجهين: أحدهما: كاجتهادهم في نصرة الكفر على الإِيمان. والثاني: كاجتهادهم في الجحود والبهتان. وفيمن أشار إليهم أنهم كدأب آل فرعون قولان: أحدهما: أنهم مشركو قريش يوم بدر، كانوا في انتقام الله منهم لرسله والمؤمنين، كآل فرعون في انتقامه منهم لموسى وبني إسرائيل، فيكون هذا تذكيراً للرسول والمؤمنين بنعمة سبقت، لأن هذه الآية نزلت بعد بدر استدعاء لشكرهم عليها، ووعداً بنعمة مستقبلة لأنها نزلت قبل قتل يهود بني قينقاع، فحقق وعده وجعله معجزاً لرسوله...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أصرُّوا في العتوِّ على سَنَنهم، وأدَمْنَا لهم في الانتقام سَنَنَا، فلا عن الإصرار أقلعوا، ولا في المَبَارِّ طَعِمُوا، ولعمري إنهم هم الذين نَدِموا وتحسَّرُوا على ما قدَّموا -ولكن حينما وجدوا البابَ مسدوداً، والندمَ عليهم مردوداً...
يقال: دأبت الشيء أدأب؛ إذا أجهدت في الشيء وتعبت فيه، قال الله تعالى: {سبع سنين دأبا} [يوسف: 47] أي بجد واجتهاد ودوام، ويقال: سار فلان يوما دائبا، إذا أجهد في السير يومه كله، هذا معناه في اللغة، ثم صار الدأب عبارة عن الشأن والأمر والعادة، يقال: هذا دأب فلان أي عادته، وقال بعضهم: الدؤب والدأب: الدوام.
إذا عرفت هذا فنقول: في كيفية التشبيه وجوه:
الأول: أن يفسر الدأب بالاجتهاد، كما هو معناه في أصل اللغة، وهذا قول الأصم والزجاج، ووجه التشبيه أن دأب الكفار، أي جِدهم واجتهادهم في تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وكفرهم بدينه كدأب آل فرعون مع موسى عليه السلام، ثم إنا أهلكنا أولئك بذنوبهم، فكذا نهلك هؤلاء.
الوجه الثاني: أن يفسر الدأب بالشأن والصنع، وفيه وجوه: الأول: {كدأب ءال فرعون}: أي شأن هؤلاء وصنعهم في تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم، كشأن آل فرعون في التكذيب بموسى، ولا فرق بين هذا الوجه وبين ما قبله إلا أنا حملنا اللفظ في الوجه الأول على الاجتهاد، وفي هذا الوجه على الصنع والعادة. والثاني: أن تقدير الآية: أن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا، ويجعلهم الله وقود النار كعادته وصنعه في آل فرعون، فإنهم لما كذبوا رسولهم أخذهم بذنوبهم... والمراد ههنا، كدأب الله في آل فرعون، فإنهم لما كذبوا برسولهم أخذهم بذنوبهم، ونظيره قوله تعالى: {يحبونهم كحب الله} [البقرة: 165] أي كحبهم الله وقال: {سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا} [الإسراء: 77] والمعنى: سنتي فيمن أرسلنا قبلك. والثالث: قال القفال رحمه الله: يحتمل أن تكون الآية جامعة للعادة المضافة إلى الله تعالى، والعادة المضافة إلى الكفار، كأنه قيل: إن عادة هؤلاء الكفار ومذهبهم في إيذاء محمد صلى الله عليه وسلم كعادة من قبلهم في إيذاء رسلهم، وعادتنا أيضا في إهلاك هؤلاء، كعادتنا في إهلاك أولئك الكفار المتقدمين. والمقصود على جميع التقديرات نصر النبي صلى الله عليه وسلم على إيذاء الكفرة وبشارته بأن الله سينتقم منهم. الوجه الثالث: في تفسير الدأب والدؤب، وهو اللبث والدوام وطول البقاء في الشيء، وتقدير الآية، وأولئك هم وقود النار كدأب آل فرعون، أي دؤبهم في النار كدؤب آل فرعون.
والوجه الرابع: أن الدأب هو الاجتهاد، كما ذكرناه، ومن لوازم ذلك التعب والمشقة ليكون المعنى: ومشقتهم وتعبهم من العذاب كمشقة آل فرعون بالعذاب وتعبهم به، فإنه تعالى بين أن عذابهم حصل في غاية القرب، وهو قوله تعالى: {أغرقوا فأدخلوا نارا} [نوح: 25] وفي غاية الشدة أيضا وهو قوله {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب} [غافر: 46].
الوجه الخامس: أن المشبه هو أن أموالهم وأولادهم لا تنفعهم في إزالة العذاب، فكان التشبيه بآل فرعون حاصلا في هذين الوجهين، والمعنى: أنكم قد عرفتم ما حل بآل فرعون ومن قبلهم من المكذبين بالرسل من العذاب المعجل الذي عنده لم ينفعهم مال ولا ولد، بل صاروا مضطرين إلى ما نزل بهم فكذلك حالكم أيها الكفار المكذبون بمحمد صلى الله عليه وسلم في أنه ينزل بكم مثل ما نزل بالقوم تقدم أو تأخر ولا تغني عنكم الأموال والأولاد.
الوجه السادس: يحتمل أن يكون وجه التشبيه أنه كما نزل بمن تقدم العذاب المعجل بالاستئصال فكذلك ينزل بكم أيها الكفار بمحمد صلى الله عليه وسلم وذلك من القتل والسبي وسلب الأموال ويكون قوله تعالى: {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم} [آل عمران: 12] كالدلالة على ذلك فكأنه تعالى بين أنه كما نزل بالقوم العذاب المعجل، ثم يصيرون إلى دوام العذاب، فسينزل بمن كذب بمحمد صلى الله عليه وسلم أمران أحدهما: المحن المعجلة وهي القتل والسبي والإذلال، ثم يكون بعده المصير إلى العذاب الأليم الدائم، وهذان الوجهان الأخيران ذكرهما القاضي رحمه الله تعالى. {والذين من قبلهم}: والذين من قبلهم من مكذبي الرسل. {كذبوا بئاياتنا}: المراد بالآيات المعجزات، ومتى كذبوا بها فقد كذبوا لا محالة بالأنبياء. {فأخذهم الله بذنوبهم}: وإنما استعمل فيه الأخذ، لأن من ينزل به العقاب يصير كالمأخوذ المأسور الذي لا يقدر على التخلص. {والله شديد العقاب}.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان السبب المقتضي لاستمرار الكفر من النصارى المجادلين في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام الخوف ممن فوقهم من ملوك النصرانية نبههم سبحانه وتعالى على أول قصة أسلافهم من بني إسرائيل، وما كانوا فيه من الذل مع آل فرعون، وما كان فيه فرعون من العظمة التي تُقسر بها ملوك زمانهم، ثم لما أراد الله سبحانه وتعالى قهر أسلافهم له لم تضرهم ذلتهم ولا قلتهم، ولا نفعته عزته ولا كثرة آله، فلذلك صرح بهم سبحانه وتعالى وطوى ذكر من قبلهم فقال: {كدأب} أي لم يغن عنهم ذلك شيئاً مثل عادة {آل فرعون} أي الذين اشتهر لديكم استكبارهم وعظمتهم وفخارهم، قال الحرالي: الدأب العادة الدائمة التي تتأبد بالتزامها، وآل الرجل من إذ أحصر تراءى فيهم فكأنه لم يغب؛ وفرعون اسم ملك مصر في الكفر، ومصر أرض جامعة كليتها وجملة، إقليمها نازل منزلة الأرض كلها، فلها إحاطة بوجه ما، فلذلك أعظم شأنها في القرآن وشأن العالي فيها من الفراعنة، وكان الرسول المبعوث إليه أول المؤمنين بما وراء أول الخلق من طليعة ظهور الحق لسماع كلامه بلا واسطة ملك، فكان أول من طوى في رتبة نبوتة رتبة النبوة ذات الواسطة، فلذلك بدئ به في هذا الخطاب لعلو رتبة نبوته بما هو كليم الله ومصطفاه على الناس، ولحق به من تقدمهم... وخص آله لأنه هو كان عارفاً بأمر الله سبحانه وتعالى فكان جاحداً لا مكذباً انتهى. {والذين} ولما كان المكذبون إنما هم بعض المتقدمين أدخل الجار فقال: {من قبلهم} وقد نقلت إليكم أخبارهم وقوتهم واستظهارهم فكأنه قيل: ماذا كانت عادتهم؟ فقيل: {كذبوا} ولما كان التكذيب موجباً للعقوبة كان مظهر العظمة به أليق، فصرف القول إليه فقال: {بآياتنا} السورية والصورية مع ما لها من العظمة بما لها من إضافتها إلينا {فأخذهم} ولما أفحشوا في التكذيب عدل إلى أعظم من مظهر العظمة تهويلاً لأخذهم فقال: {الله} فأظهر الاسم الشريف تنبيهاً على باهر العظمة {بذنوبهم} أي من التكذيب وغيره. قال الحرالي: فيه إشعار بأن صريح المؤاخذة مناط بالذنوب، وأن المؤاخذة الدنيوية لا تصل إلى حد الانتقام على التكذيب، فكان ما ظهر من أمر الدنيا يقع عقاباً على ما ظهر من الأعمال، وما بطن من أمر الآخرة يستوفي العقاب على ما أصرت عليه الضمائر من التكذيب، ولذلك يكون عقاب الدنيا طهرة للمؤمن لصفاء باطنه من التكذيب، و يكون واقع يوم الدنيا كفاف ما جرى على ظاهره من المخالفة، فكأن الذنب من المؤمن يقع في دنياه خاصة، والذنب من الكافر يقع في دنياه وأخراه من استغراقه لظاهره وباطنه، وأظهر الاسم الشريف ولم يضمر للتنبيه على زيادة العظمة في عذابهم لمزيد اجترائهم فقال: {والله} أي الحال أن الملك الذي لا كفوء له في جبروته ولا شيء من نعوته {شديد العقاب} لا يعجزه شيء...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
ثم ذكر تعالى مثلا لهؤلاء الكافرين الذين استغنوا بما أوتوا في الدنيا عن الحق فعارضوه وناهضوه حتى ظفر بهم فقال: {كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم} بأن أهلكهم ونصر موسى على آل فرعون ومن قبله من الرسل على أممهم المكذبين، ذلك بأنهم كانوا بكفرهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فما أخذوا إلا بذنوبهم، وما نصر الرسل ومن آمن معهم إلا بصلاحهم وإصلاحهم. فالله تعالى لا يحابي ولا يظلم. {والله شديد العقاب} على مستحقه إذ مضت سنته بأن يكون العقاب أثرا طبيعيا للذنوب والسيئات. وأشدها الكفر وما تفرع عنه. فليعتبر المخذولون إن كانوا يعقلون...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هو مثل مضى في التاريخ مكرورا، وقَصَّهُ الله في هذا الكتاب تفصيلا: وهو يمثل سنة الله في المكذبين بآياته، يجريها حيث يشاء. فلا أمان إذن ولا ضمان لمكذب بآيات الله...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والدأب: أصله الكَدْح في العمل وتكريره... وأريد بآل فرعون، فرعون وآلهُ؛ لأنّ الآل يطلق على أشدّ الناس اختصاصاً بالمضاف إليه، والاختصاص هنا اختصاص في المتابعةِ والتواطؤ على الكفر، كقوله: {أدْخِلُوا ءال فرعون أشدّ العذاب} [غافر: 46] فلذكر الآل هنا من الخصوصية ما ليس لذكر القوم؛ إذ قوم الرجل قد يخالفون، فلا يدل الحكم المتعلّق بهم على أنّه مساوٍ لهم في الحكم، قال تعالى: {ألا بعداً لعاد قوم هود} [هود: 60] في كثير من الآيات نظائرها، وقال: {أن ائْتِ القومَ الظالمين قومَ فرعون} [الشعراء: 10، 11]. وقوله: « كذبوا» بيان لدأبهم، استئناف بياني. وتخصيص آل فرعون بالذكر من بين بقية الأمم لأنّ هلكهم معلوم عند أهل الكتاب، بخلاف هلك عاد وثمود فهو عند العرب أشهر؛ ولأنّ تحدّي موسى إياهم كان بآيات عظيمة فما أغنتهم شيئاً تُجاه ضلالهم؛ ولأنّهم كانوا أقرب الأمم عهداً بزمان النبي صلى الله عليه وسلم فهو كقول شعيب: {وما قوم لوط منكم ببعيد} [هود: 89] وكقول الله تعالى للمشركين: {وإنّها لبسبيل مقيم} [الحجر: 76] وقوله: {وإنّهما لبإمام مبين} [الحجر: 79] وقوله: {وإنّكم لَتَمُرُّون عليهم مُصبحين وبالليلِ أفلا تعقلون} [الصافات: 137، 138]...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
شبه الله سبحانه وتعالى حال الكافرين الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به، بحال آل فرعون والذين سبقوا فرعون من الطغاة العتاة القساة المغرورين،وقد كان وجه السبب في أمرين: أولهما:أن الغرور هو الذي دفع إلى الجحود واللجاجة فيه والإصرار عليه، حتى إنهم ليردون الدليل تلو الدليل، وما تزيدهم الآيات إلا كفورا، وما تزيدهم الموعظة إلا عتوا في الأرض وفسادا. وثانيهما:في الجزاء؛ وهنا يرد سؤالان أولهما: لم ذكر آل فرعون، ولم يذكر فرعون؟ والثاني: لماذا نص على قوم فرعون من بين الذين سبقوهم بالكفر والجحود ومعاندة النبيين؟ والجواب عن السؤال الأول:ان ذكر آل فرعون يتضمن ذكر فرعون؛ لأنه إذا كان العناد في التابع فهو في المتبوع أشد؛ وفوق ذلك فإن آل فرعون وحاشيته ونصراءه هم السبب في طغيانه، وهم الذين سهلوا له سبيل الطغيان وضنوا بالموعظة في إبانها، وهم الذين حرضوه على الاستمرار في الشر والإيغال فيه، فهم اتبعوه اولا،ثم حرضوه على الطغيان ثانيا بمبالغتهم في مرضاته، واستحسان ما يفعل. وأما الجواب عن السؤال الثاني، وهو اختصاص فرعون وآله بالذكر، فلأن فرعون كان أقوى الطغاة وأشدهم، وكان أكثرهم مالا، وأعزهم نفرا، وأكثرهم غرورا؛ أليس هو القائل: {أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي} [الزخرف 51] أليس هو الذي ذهب به فرط غروره على ان يقول في حماقة ظاهرة: {يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى} [غافر 37] ولقد كان مستكبرا يصم آذانه عن سماع الحق حتى لقد قال سبحانه فيه: {واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق} [القصص 39]. ولقد بين سبحانه وتعالى نتيجة الغرور في آل فرعون والذين من قبلهم، وهو التكذيب بآيات الله، وقد ترتب على التكذيب نزول العقاب الشديد؛ سنة الله في الذين كفروا ولجوا ولم يثوبوا إلى رشدهم، وينيبوا إلى ربهم، فقال سبحانه: {كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب} هذا هو الدأب والعادة، وهو الغرور المردي، وهذه نتائجه التي تجمع بين المغرورين دائما، وهو التكذيب بآيات الله تعالى. وفي هذه الجملة السامية يقرر الله سبحانه ثلاث حقائق ثابتة؛ اثنتان منها تتعلقان بالكافرين المغرورين، وهما: التكذيب بآيات الله تعالى، والعقاب الذي يأخذهم سبحانه وتعالى به؛ والثالثة بيان شأن من شئون الله تعالى جلت قدرته، وهو أنه سبحانه وتعالى شديد العقاب، كما أنه سبحانه غفور رحيم، وأنه المنتقم الجبار،كما أنه اللطيف الخبير. فأما الحقيقة الأولى: فقد قال سبحانه فيها: {كذبوا بآياتنا}: أي كذبوا بالآيات والأدلة التي تثبت رسالات الرسل، وتثبت وحدانية الله تعالى. وأضاف سبحانه الآيات إليه جلت قدرته، للإشارة إلى عظم دلالتها وقوة إثباتها، وأنها آيات الخالق لتعريف خلقه، وأدلة الواحد الأحد لإثبات وحدانيته، ومع ذلك لجوا واستمروا في غيهم يعمهون. والحقيقة الثانية:قال سبحانه وتعالى فيها: {فأخذهم الله بذنوبهم}: أي أنه سبحانه وتعالى يعاقبهم على هذه الذنوب بما يساويها، وبما يقابلها، وعبر عن العقاب بهذا التعبير؛ لأنه يفيد أمورا ثلاثة: أولها: أن الأخذ يفيد الوقع التام في سلطان الله تعالى،فهو سبحانه أخذهم كما يؤخذ الأسير،لا يستطيع من أمره فكاكا. ثانيها: أن التعبير بالباء يفيد أمرين: المصاحبة والمقابلة؛ فهم قد أخذوا مصاحبين ومتلبسين بذنوبهم لم يقلعوا،ولم يتوبوا،بل استمروا على حالهم ملابسين لها ومقترنة بهم،كما تدل على أن العقاب مقابل للذنوب، فهو بدل ببدل، وكما أنهم قدموا الذنب،فليتسلموا العقاب. وثالثها: أن هذا التعبير فيه إشارة إلى عدل الله سبحانه وتعالى الكامل؛ فالذنب هو الذي ولد العقاب، وهو يماثله تمام المماثلة،وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون. والحقيقة الثالثة: قال سبحانه وتعالى فيها: {والله شديد العقاب}: وفي ذكر هذا الوصف للذات العلية إشارة إلى شدة العقاب لشدة الجريمة، وإشارة إلى أن العدالة الإلهية تقتضي شدة العقاب؛ لأنه لا يستوي الذين يحسنون والذين يسيئون، ولا يستوي الأخيار والأشرار؛ فإن المساواة هي الظلم في هذه الحال. ثم في هذا الوصف للذات العلية تعليم للناس بأن كل فعل يجب أن يكون له جزاءه {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره7ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره8} [الزلزلة]. وهذا النص الكريم فوق ذلك المهابة في النفس، ويجعل كل مؤمن يغلب الخوف على الرجاء، فإن الخوف يجعل العابد يستشعر الطاعة دائما ولا يدل بالعبادة،وتغليب الرجاء يمكن للنفس الأمارة بالسوء أن تسيطر، ويجعل العابد يدل بعبادته...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وهذه صورة حيّة من صور التاريخ التي يحفظها هؤلاء الكافرون، في ما يحفظونه من تاريخ عظماء الكفر والكبرياء والضلال، ليكون ذلك لهم مصدر زهو وخيلاء، ولكن الله يريد أن يربط تصورهم لبدايات الأشياء بنهاياتها، فيحدثهم عن مسيرة آل فرعون ومن سبقهم من الطغاة الكافرين بالله المكذبين بآياته، كيف كانوا، وكيف أخذهم الله بذنوبهم فلم يغنِ عنهم ملكهم شيئاً وذاقوا أشد العقاب، فهل يتعظ اللاحقون بالسابقين؟...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
هذا في الواقع إنذار للكافرين المعاندين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكي يعتبروا بمصير الفراعنة والأقوام السالفة، ويصحّحوا أعمالهم. صحيح أنّ الله «أرحم الراحمين» ولكنه في المواضع ومن أجل تربية عبيده «شديد العقاب» أيضاً، ولا ينبغي أن يغترّ العبيد برحمة مولاهم الواسعة أبداً. يستفاد أيضاً من «الدأب» أنّ هذا الاتجاه الخطأ أي العناد إزاء الحقيقة وتكذيب آيات الله أصبح عادة ثابتة فيهم، ولهذا يهدّدهم بعذاب شديد، وذلك لأنّه ما دام الإثم لم يصبح عادةً ونهجاً في الحياة فإنّ الرجوع عنه ميسور وعقابه خفيف، ولكنّه إذا نفذ إلى داخل أعماق الإنسان فالرجوع عنه متعذّر، والعقاب عليه شديد...