أي : بشره الله تعالى على يد الملائكة ب " يحيى " وسماه الله له " يحيى " وكان اسما موافقا لمسماه : يحيا حياة حسية ، فتتم به المنة ، ويحيا حياة معنوية ، وهي حياة القلب والروح ، بالوحي والعلم والدين . { لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ْ } أي : لم يسم هذا الاسم قبله أحد ، ويحتمل أن المعنى : لم نجعل له من قبل مثيلا ومساميا ، فيكون ذلك بشارة بكماله ، واتصافه بالصفات الحميدة ، وأنه فاق من قبله ، ولكن على هذا الاحتمال ، هذا العموم لا بد أن يكون مخصوصا بإبراهيم وموسى ونوح عليهم السلام ، ونحوهم ، ممن هو أفضل من يحيى قطعا ، فحينئذ لما جاءته البشارة بهذا المولود الذي طلبه استغرب وتعجب وقال : { رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ ْ }
ثم بين القرآن الكريم أن الله - تعالى - قد أجاب بفضله وكرمه دعاء عبده زكريا . كما بين ما قاله زكريا عندما بشره ربه بغلام اسمه يحيى فقال - تعالى - : { يازكريآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ . . . . } .
قال القرطبى : قوله - تعالى - { يازكريآ } فى الكلام حذف ، أى : فاستجاب الله دعاءه فقال : { يازكريآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسمه يحيى } فتضمنت هذه البشارة ثلاثة أشياء : أحدها : إجابة دعائه وهى كرامة . الثانى : إعطاؤه الولد وهو قوة . الثالث : أن يفرد بتسميته . . . " .
وقد بين - سبحانه - فى آيات أخرى أن الذى بشر زكريا هو بعض الملائكة ، وأن ذلك كان وهو قائم يصلى فى المحراب ، قال - تعالى - : { فَنَادَتْهُ الملائكة وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المحراب أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بيحيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصالحين } وقوله - سبحانه - : { اسمه يحيى } يدل على أن هذه التسمية قد سماها الله - تعالى - ليحيى ، ولم يكل تسميته لزكريا أو لغيره ، وهذا لون من التشريف والتكريم .
وقوله - تعالى - : { لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } أى لم نجعل أحداً من قبل مشاركاً له فى هذا الاسم ، بل هو أول من تسمى بهذا الاسم الجميل .
قال بعض العلماء : " وقول من قال : إن معناه : لم نجعل له من قبل سميا ، أى : نظيرا يساويه فى السمو والرفعة غير صواب ، لأنه ليس بأفضل من إبراهيم ونوح وموسى فالقول الأول هو الصواب ، وممن قال به : ابن عباس ، وقتادة ، والسدى ، وابن أسلم وغيرهم . . . " .
ثم ترتسم لحظة الاستجابة في رعاية وعطف ورضى . . فالرب ينادي عبده من الملأ الأعلى : ( يا زكريا ) . . ويعجل له البشرى : ( إنا نبشرك بغلام )ويغمره بالعطف فيختار له اسم الغلام الذي بشره به : ( اسمه يحيى ) . وهو اسم فذ غير مسبوق : ( لم نجعل له من قبل سميا ) . .
إنه فيض الكرم الإلهي يغدقه على عبده الذي دعاه في ضراعة ، وناجاه في خفية ، وكشف له عما يخشى ، وتوجه إليه فيما يرجو . والذي دفعه إلى دعاء ربه خوفه الموالي من بعده على تراث العقيدة وعلى تدبير المال والقيام على الأهل بما يرضي الله . وعلم الله ذلك من نيته فأغدق عليه وأرضاه .
يقول تعالى ذكره : فاستجاب له ربه ، فقال له : يا زكريا إنا نبشرك بهبتنا لك غلاما اسمه يحيى . كان قتادة يقول : إنما سماه الله يحيى لإحيائه إياه بالإيمان .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله يا زَكَرِيّا إنّا نُبَشّرُكَ بغُلام اسمُهُ يَحْيَى عبد أحياه الله للإيمان .
وقوله : لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه لم تلد مثله عاقر قط . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله ليحيى : لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا يقول : لم تلد العواقر مثله ولدا قط .
وقال آخرون : بل معناه : لم نجعل له من قبله مثلاً . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا أبو الربيع ، قال : حدثنا سالم بن قتيبة ، قال : أخبرنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، في قوله لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا قال : شبيها .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا قال : مثلاً .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
وقال آخرون : معنى ذلك ، أنه لم يسمّ باسمه أحد قبله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا لم يسمّ به أحد قبله .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا قال : لم يسمّ يحيى أحد قبله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قول الله : لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا قال : لم يسمّ أحد قبله بهذا الاسم .
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ إنّ اللّهَ يُبَشّرُكَ بغُلامٍ اسمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا لم يسمّ أحد قبله يحيى .
قال أبو جعفر : وهذا القول أعني قول من قال : لم يكن ليحيى قبل يحيى أحد سمي باسمه أشبه بتأويل ذلك ، وإنما معنى الكلام : لم نجعل للغلام الذي نهب لك الذي اسمه يحيى من قبله أحدا مسمى باسمه ، والسميّ : فعيل صرف من مفعول إليه .
{ يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى } جواب لندائه ووعد بإجابة دعائه وإنما توالي تسميته تشريفا له . { لم نجعل له من قبل سميا } لم يسم أحد بيحيى قبله ، وهو شاهد بأن التسمية بالأسامي الغريبة تنويه للمسمى . وقيل سميا شبيها كقوله تعالى : { هل تعلم له سميا } لأن المتماثلين يتشاركان في الاسم ، والأظهر أنه أعجمي وإن كان عربيا فمنقول عن فعل كيعيش ويعمر . وقيل سمي به لأنه حيي به رحم أمه ، أو لأن دين الله حيي بدعوته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.