إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ ٱسۡمُهُۥ يَحۡيَىٰ لَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ مِن قَبۡلُ سَمِيّٗا} (7)

{ يَا زَكَرِيَّا } على إرادة القولِ أي قال تعالى : { يَا زَكَرِيَّا } { إِنَّا نُبَشّرُكَ بغلام اسمه يحيى } لكن لا بأن يخاطِبه عليه الصلاة والسلام بذلك بالذات ، بل بواسطة الملَك على أن يحكيَ له عليه الصلاة والسلام هذه العبارةَ عنه عز وجل على نهج قوله تعالى : { قُلْ يا عبادي الذين أَسْرَفُواْ } الآية ، وقد مر تحقيقُه في سورة آل عمران ، وهذا جوابٌ لندائه عليه الصلاة والسلام ووعدٌ بإجابة دعائِه ، لكن لا كما هو المتبادرُ من قوله تعالى : { فاستجبنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى } الخ ، بل بعضاً حسبما تقتضيه المشيئةُ الإلهية المبنية على الحِكَم البالغة فإن الأنبياءَ عليهم الصلاة والسلام وإن كانوا مستجابي الدعوةِ لكنهم ليسوا كذلك في جميع الدعواتِ ، ألا يرى إلى دعوة إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام في حق أبيه وإلى دعوة النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال : « وسألته أن لا يُذيقَ بعضَهم بأسَ بعض فمنعنيها » وقد كان من قضائه عز وعلا أن يهبَه يحيى نبياً مرضياً ولا يرثه ، فاستجيب دعاؤُه في الأول دون الثاني حيث قتل قبلَ موت أبيه عليهما الصلاة والسلام على ما هو المشهورُ ، وقيل : بقي بعده برهةً فلا إشكال حينئذ ، وفي تعيين اسمِه عليه الصلاة والسلام تأكيدٌ للوعد وتشريفٌ له عليه الصلاة والسلام ، وفي تخصيصه به عليه السلام حسبما يُعرب عنه قوله تعالى : { لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } أي شريكاً له في الاسم حيث لم يُسمَّ أحدٌ قبله بيحيى ، مزيدُ تشريفٍ وتفخيم له عليه الصلاة والسلام ، فإن التسميةَ بالأسامي البديعة الممتازة عن أسماء سائرِ الناس تنويهٌ بالمسمّى لا محالة ، وقيل : سميًّا شبيهاً في الفضل والكمالِ كما في قوله تعالى : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } فإن المتشاركين في الوصف بمنزلة المتشاركين في الاسم ، قالوا : لم يكن له عليه الصلاة والسلام مِثْلٌ في أنه لم يعصِ الله تعالى ولم يهُمَّ بمعصية قط وأنه ولد من شيخ فانٍ وعجوزٍ عاقر وأنه كان حَصوراً ، فيكون هذا إجمالاً لما نزل بعده من قوله تعالى : { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ الله وَسَيّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيّا مّنَ الصالحين } والأظهرُ أنه اسمٌ أعجميٌّ وإن كان عربياً فهو منقول عن الفعل كيعمَرَ ويَعيشَ ، قيل : سمي به لأنه حيِيَ به رحِمُ أمِّه أو حيِيَ دينُ الله تعالى بدعوته .