تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (64)

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (64)

ثم بين - سبحانه - أهم الوظائف التي من أجلها أنزل كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال : { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الذي اختلفوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .

أي : وما أنزلنا عليك - أيها الرسول الكريم - هذا القرآن ، إلا من أجل أن تبين لمن أرسلت إليهم وجه الصواب فيما اختلفوا فيه من أمور العقائد والعبادات والمعاملات والحلال والحرام . . . وبذلك يعرفون الحق من الباطل ، والخير من الشر .

وسيقت هذه المعاني بأسلوب القصر ؛ لقصد الإِحاطة بأهم الغايات التي من أجلها أنزل الله - تعالى - كتابه على نبيه الكريم ؛ ولترغيب السامعين فى تقبل إرشادات هذا الكتاب بنفس منشرحة ، وقلب متفتح .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (64)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاّ لِتُبَيّنَ لَهُمُ الّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : وما أنزلنا يا محمد عليك كتابنا ، وبعثناك رسولاً إلى خلقنا ، إلا لتبين لهم ما اختلفوا فيه من دين الله ، فتعرّفهم الصواب منه ، والحقّ من الباطل ، وتقيم عليهم بالصواب منه حجة الله الذي بعثك بها .

وقوله : { وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ، يقول : وهدى بيانا من الضلالة ، يعني بذلك الكتاب ، ورَحْمَةً لقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ به ، فيصدّقون بما فيه ، ويقرّون بما تضمن من أمر الله ونهيه ، ويعملون به . وعطف بالهدى على موضع «ليبين » ؛ لأن موضعها نصب . وإنما معنى الكلام : وما أنزلنا عليك الكتاب إلا بيانا للناس فيما اختلفوا فيه ، وهدى ورحمة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (64)

عطف على جملة القسم . والمناسبة أن القرآن أنزل لإتمام الهداية وكشف الشبهات التي عرضت للأمم الماضية والحاضرة فتَرَكَتْ أمثالها في العرب وغيرهم .

فلما ذكرت ضلالاتهم وشبهاتهم عقّب ذلك ببيان الحكمة في إرسال محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن إليه ، فالقرآن جاء مبيّناً للمشركين ضلالهم بياناً لا يترك للباطل مسلكاً إلى النفوس ، ومفصحاً عن الهدى إفصاحاً لا يترك للحَيرة مجالاً في العقول ، ورحمةً للمؤمنين بما جازاهم عن إيمانهم من خير الدنيا والآخرة .

وعبّر عن الضلال بطريقة الموصولية { الذين اختلفوا فيه } للإيماء إلى أن سَبَب الضلال هو اختلافهم على أنبيائهم ، فالعرب اختلفت ضلالتهم في عبادة الأصنام ، عبدت كل قبيلة منهم صنماً ، وعبد بعضهم الشمس والكواكب ، واتّخذت كل قبيلة لنفسها أعمالاً يزعمونها ديناً صحيحاً . واختلفوا مع المسلمين في جميع ذلك الدّين .

والإتيان بصيغة القصر في قوله تعالى : { وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين } لقصد الإحاطة بالأهمّ من غاية القرآن وفائدته التي أنزل لأجلها . فهو قصر ادعائي ليرغب السامعون في تلقّيه وتدبّره من مؤمن وكافر كلّ بما يليق بحاله حتى يستووا في الاهتداء .

ثم إن هذا القصر يعرّض بتفنيد أقوال من حسبوا من المشركين أن القرآن أنزل لذكر القِصص لتعليل الأنفس في الأسمار ونحوها حتى قال مضلّهم : أنَا آتيكم بأحسن مما جاء به محمد ، آتيكم بقصة ( رستم ) و ( اسفنديار ) . فالقرآن أهم مقاصده هذه الفوائد الجامعة لأصول الخير ، وهي كشف الجهالات والهدى إلى المعارف الحقّ وحصول أثر ذيْنِك الأمرين ، وهو الرحمة الناشئة عن مجانبة الضلال واتباع الهدى .

وأدخلت لام التعليل على فعل « تبين » الواقع موقع المفعول لأجله لأنه من فعل المخاطب لا من فعل فاعل { أنزلنا } ، فالنبي هو المباشر للبيان بالقرآن تبليغاً وتفسيراً . فلا يصحّ في العربية الإتيان بالتبيين مصدراً منصوباً على المفعولية لأجله إذ ليس متّحداً مع العامل في الفاعل ، ولذلك خولف في المعطوف فنُصب { هدى ورحمةً } لأنهما من أفعال مُنْزِل القرآن ، فالله هو الهادي والراحم بالقرآن ، وكل من البيان والهدى والرحمة حاصل بالقرآن فآلت الصفات الثلاث إلى أنها صفات للقرآن أيضاً .

والتعبير ب { لقوم يؤمنون } دون للمؤمنين ، أو للذين آمنوا ، للإيماء إلى أنهم الذين الإيمان كالسّجية لهم والعادة الراسخة التي تتقوّم بها قوميّتهم ، كما تقدم في قوله تعالى : { لآيات لقوم يعقلون } في سورة البقرة ( 164 ) .

وهاته الآية بمنزلة التذييل للعبر والحجج الناشئة عن وصف أحوال المخلوقات ونِعم الخالق على الناس المبتدئة من قوله تعالى : { أفمن يخلق كمن لا يخلق } [ سورة النحل : 17 ] .