تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (16)

ثم ذكر مَنْ الذي يهتدي بهذا القرآن ، وما هو السبب الذي من العبد لحصول ذلك ، فقال : { يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ْ } أي : يهدي به من اجتهد وحرص على بلوغ مرضاة الله ، وصار قصده حسنا -سبل السلام التي تسلم صاحبها من العذاب ، وتوصله إلى دار السلام ، وهو العلم بالحق والعمل به ، إجمالا وتفصيلا .

{ وَيُخْرِجُهُم مِّن ْ } ظلمات الكفر والبدعة والمعصية ، والجهل والغفلة ، إلى نور الإيمان والسنة والطاعة والعلم ، والذكر . وكل هذه الهداية بإذن الله ، الذي ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن . { وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ْ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (16)

ثم بين - سبحانه - الغاية من رسالته صلى الله عليه وسلم فقال - تعالى - { يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ سُبُلَ السلام } .

والضمير في قوله ( به ) يعود إلى مجموع ما ذكر ، أو إلى الكتاب المبين باعتباره أقرب مذكور و ( سبل ) جمع سبيل بمعنى طريق . و ( السلام ) مصدر بمعنى السلامة .

والمعنى : قد جاءكم - يا معشر أهل الكتاب - من الله نور وكتاب مبين - يهدي الله - تعالى - بذلك أو بالكتاب { مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ } أي : من علم - سبحانه - منه أنه يريد اتباع ما يرضي بأن يخلص له العبادة ويستجيب للحق الذي أرسل به أنبياءه فإنه متى كان كذلك ، أوصله - سبحانه - إلى { سُبُلَ السلام } أي : إلى طرق السلامة والنجاة من كل خوف وشقاء ، بأن يثبته في الدنيا على طريق الحق ، ويكرمه في الآخرة بمثوبته وجنته هذه هي الثمرة الأولى من ثمار اتباع ما جاء من عندالله من نور وكتاب مبين . أما الثمرة الثانية فقد بينها - سبحانه - بقوله : { وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظلمات إِلَى النور بِإِذْنِهِ } .

والضمير المنصوب في قوله ( ويخرجهم ) وهو ( هم ) يعود إلى ( من ) في قوله { مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ } باعتبار المعنى .

أي : ويخرج - سبحانه - هؤلاء الأخيار الذين علم منهم اتباع ما يرضيه يخرجهم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الحق والإِيمان ( بإذنه ) أي : بإرادته وعلمه .

وقوله : { وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } بيان للثمرة الثالثة من ثمار اتباع ما جاء من عند الله من حق وخير .

أي : ويهدي - سبحانه - هؤلاء الذين علم منهم اتباع ما يرضيه إلى صراط مستقيم ، وطريق قويم لا اعوجاج فيه ولا اضطراب ، وهو طريق الإِسلام الذي يوصل إلى الفوز الفلاح في الدنيا والآخرة .

وبذلك نرى الآيتين الكريمتين قد دعتا أهل الكتاب إلى اتباع الحق الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - من عند الله ، بأوضح أسلوب ، وأكمل بيان ، وبينتا لهم ما يترتب على اتباعه صلى الله عليه وسلم من منافع جليلة ، وفوائد عظيمة تجعلهم يسارعون إلى تصديقه إن كانوا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (16)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مّنِ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ } . .

يعني عزّ ذكره : يهدي بهذا الكتاب المبين الذي جاء من الله جلّ جلاله ، ويَعْنِي بقوله : يَهْدِي بِهِ اللّهُ يرشد به الله ويسدّد به . والهاء في قوله به عائدة على الكتاب . مَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَهُ يقول : من اتبع رضا الله .

واختلف في معنى الرضا من الله جلّ وعزّ ، فقال بعضهم : الرضا منه بالشيء : القبول له والمدح والثناء . قالوا : فهو قابل الإيمان ومزكّ له ، ومثن على المؤمن بالإيمان ، وواصف الإيمان بأنه نور وهدًى وفَصْل .

وقال آخرون : معنى الرضا من الله جلّ وعزّ معنى مفهوم ، هو خلاف السّخْط ، وهو صفة من صفاته على ما يقعل من معاني الرضا ، الذي هو خلاف السخط ، وليس ذلك بالمدح ، لأن المدح والثناء قول ، وإنما يثني ويمدح ما قدر رُضِي قالوا : فالرضا معنى ، والثناء والمدح معنى ليس به .

ويعني بقوله : سُبُلَ السّلام : طرق السلام ، والسلام هو الله عزّ ذكره .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : مَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السّلامِ : سبيل الله الذي شرعه لعباده ، ودعاهم إليه ، وابتعث به رسله ، وهو الإسلام الذي لا يَقبَل من أحد عملاً إلا به ، لا اليهودية ، ولا النصرانية ، ولا المجوسية .

القول في تأويل قوله تعالى : ويُخْرِجُهُمْ مِنَ الظّلُماتِ إلى النّورِ بإذْنِهِ .

يقول عزّ ذكره : يهدي الله بهذا الكتاب المبين من اتبع رضوان الله إلى سبل السلام ، وشرائع دينه . ويُخْرِجُهُمْ يقول : ومن يخرج من اتبع رضوانه ، والهاء والميم في : ويخرجهم إلى من ذكر من الظلمات إلى النور ، يعني : من ظلمات الكفر والشرك إلى نور الإسلام وضيائه بإذنه ، يعني : بإذن الله جلّ وعزّ . وإذنه في هذا الموضع تحبيبه إياه الإيمان برفع طابعَ الكفر عن قلبه ، وخاتَم الشرك عنه ، وتوفيقه لإبصار سبل السلام .

القول في تأويل قوله تعالى : وَيهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .

يعني عزّ ذكره بقوله : وَيهْدِيهِمْ : ويرشدهم ويسدّدهم إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يقول : إلى طريق مسقيم ، وهو دين الله القويم الذي لا اعوجاج فيه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (16)

ضمير { به } راجع إلى الرسول أو إلى الكتاب المبين .

وسُبلُ السلام : طرق السلامة الّتي لا خوف على السائر فيها . وللعرب طرق معروفة بالأمن وطرق معروفة بالمخافة ، مثل وادي السباع ، الذي قال فيه سُحيم بن وثيل الرياحي :

ومررتُ على وادي السباع ولا أرى *** كوادِي السباع حين يُظلِم وادِيا

أقَلّ به ركبٌ أتـــــــوهَ تَئِيَّةً *** وأخوفَ إلاّ ما وقى اللّهُ ساريا

فسبيل السلام استعارة لطرق الحقّ . والظلماتُ والنّور استعارة للضلال والهدى . والصراط المستقيم مستعار للإيمان .