ثم أخبر تعالى عن الراسخين في العلم أنهم يدعون ويقولون { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } أي : لا تملها عن الحق جهلا وعنادا منا ، بل اجعلنا مستقيمين هادين مهتدين ، فثبتنا على هدايتك وعافنا مما{[154]} ابتليت به الزائغين { وهب لنا من لدنك رحمة } أي : عظيمة توفقنا بها للخيرات وتعصمنا بها من المنكرات { إنك أنت الوهاب } أي : واسع العطايا والهبات ، كثير الإحسان الذي عم جودك جميع البريات .
وبعد أن بين - سبحانه - موقف الناس من محكم القرآن ومتشابهه ، شرع في بيان ما يتضرع به المؤمنون الصادقون الذين يؤمنون بكل ما أنزله الله - تعالى - فقال : { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا . . . } .
اشتملت هاتان الآيتان على دعوات طيبات . ويرى بعض العلماء أن هذه الدعوات من مقول الراسخين في العلم ، فهم يقولون : { آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } ويقولون أيضا { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } ويرى بعضهم أن هذا الكلام جديد ، وهو تعليم من الله - تعالى - لعباده ليكثروا من التضرع إليه بهذه الدعوات وأمثالها .
والزيغ - كما أشرنا في الآية السابقة - الميل عن الاستقامة ، والانحراف عن الحق ، يقال : زاغ يزيغ أي مال ومنه زاغت الشمس إذا مالت .
والمعنى : نسألك يا ربنا ونضرع إليك ألا تميل قلوبنا عن الهدى بعد إذ ثبتنا عليه ومكنتنا منه . وأن تباعد بيننا وبين الزيغ الذي لا يرضيك . وبين الضلال الذي يفسد القلوب ، ويعمى البصائر . { وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً } أي وامنحنا من عندك ومن جهتك إنعاما وإحسانا تشرح بهما صدورنا . وتصلح بهما أحوالنا { إِنَّكَ أَنْتَ الوهاب } لا غيرك ، فأنت مالك الملك وأنت القائل { مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة قد تضمنت سؤال المؤمنين ربهم تثبيت الإيمان في قلوبهم ومنحهم المزيد من فضله وإنعامه وإحسانه .
قال الفخر الرازي - ما ملخصه - : وقال - سبحانه - { رَحْمَةً } ليكون ذلك شاملا لجميع أنواعها التي تتناول حصول نور الإيمان والتوحيد والمعرفة في القلب ، وحصول الطاعة في الأعضاء والجوارح ، وحصول سهولة المعيشة والأمن والصحة والكفاية في الدينا وحصول سهولة سكرات الموت عند حضوره ، وحصول سهولة السؤال في القبر ، وغفران السيئات والفوز بالجنات في الآخرة . وقوله { لَّدُنْكَ } يتناول كل هذه الأقسام . لأنه لما ثبت بالبراهين الباهرة أنه لا رحيم إلا هو أكد ذلك بقوله " من لدنك " تنبيها للعقل والقلب والروح على أن هذا المقصود لا يحصل إلا منه - سبحانه- ثم قال : { إِنَّكَ أَنْتَ الوهاب } كأن العبد يقول : إليه هذا الذى طلبته منك في هذا الدعاء عظيم بالنسبة إلى ، حقير بالنسبة إلى كمال كرمك ، فأنت الوهاب الذى من هبتك حصلت حقائق الأشياء وذواتها وماهياتها ووجوداتها ، فكل ما سواك فمن جودك وإحسانك فلا تخيب رجاء هذا المسكين ، ولا ترد دعاءه واجعله أهلا لرحمتك " .
هذا ، وقد ساق الإمام ابن كثير وغيره بعض الأحاديث النبوية عند تفسيرهم لهذه الآية ومن ذلك ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن مردويه عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال " لا إله إلى أنت سبحانك أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك . اللهم زدني علما ، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، وهب لى من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " .
وروى الترمذي عن شهر بن حوشب قال : " قلت لأم سلمة : يا أم المؤمنين ، ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك ؟ قالت : كان أكثر دعائه " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " فقلت : يا رسول الله ، ما أكثر دعاءك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ؟ قال : " يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ " فتلا معاذ - أحد رجال سند هذا الحديث - { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } .
وعن أنس - رضي الله عنه - قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقول : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، قلنا : يا رسول الله قد آمنا بك ، وصدقنا بما جئت به ، أفيخاف علينا ؟ قال : نعم ، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها تبارك -وتعالى- " .
{ رَبّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لّدُنْكَ رَحْمَةً إِنّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ }
يعني بذلك جلّ ثناؤه : أن الراسخين في العلم يقولون : آمنا بما تشابه من آي كتاب الله ، وأنه والمحكم من آيه من تنزيل ربنا ووحيه ، ويقولون أيضا : { رَبّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنا } يعني أنهم يقولون رغبة منهم إلى ربهم ، في أن يصرف عنهم ما ابتلى به الذين زاغت قلوبهم من اتباع متشابه آي القرآن ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله الذي لا يعلمه غير الله ، يا ربنا لا تجعلنا مثل هؤلاء الذين زاغت قلوبهم عن الحقّ فصدّوا عن سبيلك ، { لا تُزِغْ قُلُوبَنَا } لا تملها فتصرفها عن هداك { بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا } له ، فوفقتنا للإيمان بمحكم كتابك ومتشابهه ، { وَهَبْ لَنا } يا ربنا { مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً } يعني من عندك رحمة ، يعني بذلك : هب لنا من عندك توفيقا وثباتا للذي نحن عليه ، من الإقرار بمحكم كتابك ومتشابهه¹ { إنّكَ أنْتَ الوَهّابُ } يعني : إنك أنت المعطي عبادك التوفيق والسداد ، للثبات على دينك ، وتصديق كتابك ورسلك . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { رَبّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا } أي لا تمل قلوبنا وإن ملنا بأحداثنا ، { وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً } .
وفي مدح الله جل ثناؤه هؤلاء القوم بما مدحهم به من رغبتهم إليه في أن لا يزيغ قلوبهم ، وأن يعطيهم رحمة منه معونة لهم للثبات على ما هم عليه من حسن البصيرة بالحقّ الذي هم عليه مقيمون ، ما أبان عن خطأ قول الجهلة من القدرية ، أن إزاغة الله قلب من أزاغ قلبه من عباده عن طاعته ، وإمالته له عنها جور ، لأن ذلك لو كان كما قالوا لكان الذين قالوا : { رَبّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا } بالذم أولى منهم بالمدح ، لأن القول لو كان كما قالوا ، لكان القوم إنما سألوا ربهم مسألتهم إياه أن لا يزيغ قلوبهم ، أن لا يظلمهم ولا يجور عليهم ، وذلك من السائل جهل¹ لأن الله جل ثناؤه لا يظلم عباده ولا يجور عليهم ، وقد أعلم عباده ذلك ، ونفاه عن نفسه بقوله : { وَمَا رَبّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ } ولا وجه لمسألته أن يكون بالصفة التي قد أخبرهم أنه بها ، وفي فساد ما قالوا من ذلك الدليل الواضح ، على أن عدلاً من الله عزّ وجلّ إزاغة من أزاغ قلبه من عباده عن طاعته ، فلذلك استحقّ المدح من رغب إليه في أن لا يزيغه لتوجيهه الرغبة إلى أهلها ووضعه مسألته موضعها ، مع تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم برغبته إلى ربه في ذلك مع محله منه ، وكرامته عليه .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يا مُقَلّبَ القُلُوبِ ثَبّتْ قَلْبِي على دِينِكَ » ثم قرأ : { رَبّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا } . . . » إلى آخر الاَية .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا عبد الحميد بن بهرام الفزاري ، قال : حدثنا شهر بن حوشب ، قال : سمعتُ أم سلمة تحدّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول : «اللّهُمّ مُقَلّبَ القُلُوبِ ثَبّتْ قَلْبِي على دِينِكَ ! » قال : قلت يا رسول الله ، وإن القلب ليقلّب ؟ قال : «نَعَمْ ، مَا خَلَقَ اللّهُ مِنْ بَشَرٍ مِنْ بَنِي آدَمَ إلاّ وَقَلْبُهُ بَيْنَ أصْبُعَيْنِ مِنْ أصابعه ، فإنْ شاءَ أقامَهُ ، وَإنْ شاءَ أزَاغَهُ ، فَنَسألُ اللّهُ رَبّنَا أنْ لا يُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَانا ، ونسألُهُ أنْ يَهَبَ لَنا مِنْ لَدُنْهُ رَحْمَةً إنّهُ هُوَ الوَهّابُ » . قالت : قلت يا رسول الله ، ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي ؟ قال : «بلى ، قولي : اللّهُمّ رَبّ النّبِيّ مُحَمّدٍ ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، وأذْهِبْ غَيْظَ قَلْبِي ، وأجِرْنِي مِنْ مُضِلاّتِ الفِتَنِ » .
حدثني محمد بن منصور الطوسي ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش عن أبي سفيان ، عن جابر ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : «يا مُقَلّبَ القُلُوبِ ثَبّتْ قَلْبِي عَلى دِينِكَ » ! فقال له بعض أهله : يخاف علينا وقد آمنا بك وبما جئت به ؟ قال : «إِنّ القَلْبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أصَابِعِ الرّحْمَنِ تَبارَكَ وَتَعَالَى » يَقُولُ بِهِ هَكَذَا¹ وحرّك أبو أحمد أصبعيه . قال أبو جعفر : وإن الطوسي وسَقَ بين أصبعيه .
حدثني سعيد بن يحيى الأموي ، قال : حدثنا أبو معاوية ، قال : حدثنا الأعمش عن أبي سفيان ، عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما قول : «يا مُقَلّبَ القُلُوبِ ثَبّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ » ! قلنا : يا رسول الله قد آمنا بك ، وصدقنا بما جئت به ، فيخافُ علينا ؟ قال : «نَعَمْ ، إِنّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أصَابِعِ اللّهِ يُقَلّبُها تَبَارَكَ وَتَعَالَى » .
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا بشر بن بكر ، وحدثني عليّ بن سهل ، قال : حدثنا أيوب بن بشر جميعا ، عن ابن جابر ، قال : سمعت بشر بن عبيد الله ، قال : سمعت أبا إدريس الخولاني يقول : سمعت النواس بن سمعان الكلابي ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلاّ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أصَابِعِ الرّحْمَنِ إِنْ شَاءَ أقَامَهُ ، وَإِنْ شَاءَ أزَاغَهُ » وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «يا مُقَلّبَ القُلُوبِ ثَبّتْ قُلُوبَنَا على دِينِكَ ، وَالمِيزانُ بِيَدِ الرّحْمَنِ يَرْفَعُ أقْوَاما وَيَخْفِضُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ » .
حدثني عمر بن عبد الملك الطائي ، قال : حدثنا محمد بن عبيدة ، قال : حدثنا الجرّاح بن مليح البهراني ، عن الزبيدي ، عن جويبر ، عن سمرة بن فاتك الأسدي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : «المَوَازِينُ بِيَدِ اللّهِ يَرْفَعُ أقْوَاما وَيَضَعُ أقْوَاما ، وَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أصَابِعِ الرّ حمَنِ ، إِنْ شَاءَ أزَاغَهُ وَإِنْ شَاءَ أقَامَهُ » .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن حيوة بن شريح ، قال : أخبرني أبو هانىء الخولاني أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول : سمعت عبدالله بن عمرو بن العاص يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إِنّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلّها بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أصَابِعِ الرّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرّفُ كَيْفَ يَشَاءُ » . ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللّهُمّ مُصَرّفَ القُلُوبِ صَرّفْ قُلُوبُنَا إلى طَاعَتِكَ » .
حدثنا الربيع بن سليمان ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا عبد الحميد بن بهرام ، قال : حدثنا شهر بن حوشب ، قال : سمعت أم سلمة تحدّث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول : «اللّهُمّ ثَبّتْ قَلْبِي على دِينِكَ » . قالت : قلت يا رسول الله ، وإن القلوب لتقلب ؟ قال : «نَعَمْ ، ما مِنْ خَلْقِ اللّهِ مِنْ بَنِي آدَمَ بَشَرٌ إِلاّ أنّ قَلْبَهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أصَابِعِ اللّهِ إِنْ شَاءَ أقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أزَاغَهُ ، فَنَسألُ اللّهَ رَبّنَا أنْ لا يَزِيغَ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ، وَنسألُهُ أنْ يَهَبَ لَنا مِنْ لَدُنْهُ رَحْمَةً إِنّهُ هُوَ الوَهّابُ » .
يحتمل أن تكون هذه الآية حكاية عن الراسخين في العلم ، أنهم يقولون هذا مع قولهم { آمنا به } [ آل عمران : 7 ] ويحتمل أن يكون المعنى منقطعاً من الأول لما ذكر أهل الزيغ وذكر نقيضهم ، وظهر{[2973]} ما بين الحالتين عقب ذلك بأن علم عبادة الدعاء إليه في أن لا يكونوا من الطائفة الذميمة التي ذكرت وهي أهل الزيغ ، وهذه الآية حجة على المعتزلة في قولهم ، إن الله لا يضل العباد ، ولو لم تكن الإزاغة من قبله لما جاز أن يدعي في دفع ما لا يجوز عليه فعله{[2974]} و { تزغ } معناه ، تمل قلوبنا عن الهدى والحق ، وقرأ أبو واقد ، والجراح{[2975]} «ولا تزغ قلوبُنا » بإسناد الفعل إلى القلوب ، وهذه أيضاً رغبة إلى الله تعالى . وقال أبو الفتح{[2976]} : ظاهر هذا ونحوه الرغبة إلى القلوب وإنما المسؤول الله تعالى ، وقوله الرغبة إلى القلوب غير متمكن{[2977]} ، ومعنى الآية على القراءتين ، أن لا يكن منك خلق الزيغ فيها فتزيغ هي . قال الزجاج : وقيل : إن معنى الآية لا تكلفنا عبادة ثقيلة تزيغ منها قلوبنا .
قال الفقيه الإمام : وهذا قول فيه التحفظ من خلق الله تعالى الزيغ والضلالة في قلب أحد من العباد ، و { من لدنك } معناه : من عندك ومن قبلك ، أن تكون تفضلاً لا عن سبب منا ولا عمل ، وفي هذا استسلام وتطارح ، والمراد هب لنا نعيماً صادراً عن الرحمة لأن الرحمة راجعة إلى صفات الذات فلا تتصور فيها الهبة .