تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهِ إِلَيۡكَۖ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ أَجۡمَعُوٓاْ أَمۡرَهُمۡ وَهُمۡ يَمۡكُرُونَ} (102)

{ 102 } { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ }

لما قص الله هذه القصة على محمد صلى الله عليه وسلم قال الله له : { ذَلِكَ } الإنباء الذي أخبرناك به { مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ } الذي لولا إيحاؤنا إليك لما وصل إليك هذا الخبر الجليل ، فإنك لم تكن حاضرا لديهم { إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ } أي : إخوة يوسف { وَهُمْ يَمْكُرُونَ } به حين تعاقدوا على التفريق بينه وبين أبيه ، في حالة لا يطلع عليها إلا الله تعالى ، ولا يمكن أحدا أن يصل إلى علمها ، إلا بتعليم الله له إياها .

كما قال تعالى لما قص قصة موسى وما جرى له ، ذكر الحال التي لا سبيل للخلق إلى علمها إلا بوحيه { وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين } الآيات ، فهذا أدل دليل على أن ما جاء به رسول الله حقا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهِ إِلَيۡكَۖ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ أَجۡمَعُوٓاْ أَمۡرَهُمۡ وَهُمۡ يَمۡكُرُونَ} (102)

ثم يختتم الله - تعالى - هذه السورة الكريمة بما يدل على أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - وبما يدخل التسلية على قلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبما يفتح له باب الأمل في النصر على أعدائه . . . فيقول :

{ وَمَآ أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ . . . }

اسم الإشارة في قوله - سبحانه - { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ الغيب نُوحِيهِ إِلَيْكَ . . . } يعود على ما ذكره الله - تعالى - في هذه السورة من قصص يتعلق بيوسف وإخوته وأبيه وغيرهم ، أى : ذلك الذي قصصناه عليك - أيها الرسول الكريم - في هذه السورة ، وما قصصناه عليك في غيرها { مِنْ أَنْبَآءِ الغيب } أى : من الأخبار الغيبية التي لا يعلمها علماً تاما شاملاً إلا الله - تعالى - وحده .

ونحن { نُوحِيهِ إِلَيْك } ونعلمك به لما فيه من العبر والعظات .

وقوله : { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أجمعوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ } مسوق للتدليل على أن هذا القصص من أنباء الغيب الموحاة إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - .

أى : ومما يشهد بأن هذا الذي قصصناه عليك في هذه السورة من أنباء الغيب ، أنك - أيها الرسول الكريم - ما كنت حاضرا مع إخوة يوسف ، وقت أن أجمعوا أمرهم للمكر به ، ثم استقر رأيهم على إلقائه في الجب ، وما كنت حاضراً أيضاً وقت أن مكرت امرأة العزيز بيوسف ، وما كنت مشاهداً لتلك الأحداث المتنوعة التي اشتملت عليها هذه السورة الكريمة ، ولكنا أخبرناك بكل ذلك لتقرأه على الناس ، ولينتفعوا بما فيه من حكم وأحكام ، وعبر وعظات .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - في خلال قصة نوح - عليه السلام - : { تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ الغيب نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هذا فاصبر إِنَّ العاقبة لِلْمُتَّقِينَ } وقوله - تعالى - في خلال قصة موسى - عليه السلام - { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي إِذْ قَضَيْنَآ إلى مُوسَى الأمر وَمَا كنتَ مِنَ الشاهدين } وقوله - تعالى - في خلال حديثه عن مريم { ذلك مِنْ أَنَبَآءِ الغيب نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - لم يكن معاصرا لمن جاء القرآن بقصصهم ، ولم يطلع على كتاب فيه خبرهم ، فلم يبق لعلمه - صلى الله عليه وسلم - بذلك طريق إلا طريق الوحى .