بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَـٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (157)

قوله تعالى : { الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي } يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم الذي لا يكتب ولا يقرأ الكتب قال الزجاج : { الأُمِّيُّ } الذي هو على خِلْقَةِ أمه لم يتعلم الكتابة وهو على جبلته . ويقال : إنما سمي محمد صلى الله عليه وسلم أمِّيّاً لأنه كان من أم القرى وهي مكة .

ثم قال : { الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ } يعني : يجدون نعته وصفته { فِي التوراة والإنجيل يَأْمُرُهُم بالمعروف } يعني : شرائع الإسلام بالتوحيد { وينهاهم عن المنكر } : عن الشرك ومل لا يعرف في الشريعة ولا السنة { ويحل لهم الطيبات } يعني : يرخص لهم الحلالات من الشحوم واللحوم وأشباهها { وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الخبائث } يعني : ويبيّن لهم الحرام الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ } يعني : ثقلهم من العهود قرأ ابن عامر { آصَارَهُمْ } على معنى الجماعة . وأصل الإصر الثقل . فسمي العهد إصْراً لأن حفظ العهد يكون ثقيلاً . ويقال : يعني الأمور التي كانت عليهم في الشرائع . ويقال : هو ما عهد عليهم من تحريم الطيبات .

ثم قال : { إِصْرَهُمْ والأغلال التي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } وهي كناية عن أمور شديدة لأن في الشريعة الأولى كان الواحد منهم إذا أصابه البول في ثوبه وجب قطعه ، وكان عليهم ألا يعملوا في السبت ، وغير ذلك من الأعمال الشديدة فوضع عنهم ذلك .

ثم قال : { فالذين آمَنُواْ بِهِ } يعني : صدقوه وأقروا بنبوته { وَعَزَّرُوهُ } يعني : عظموه وشرفوه . ويقال : أعانوه { وَنَصَرُوهُ } بالسيف { واتبعوا النور } يعني : القرآن { الذي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ } يعني : أهل هذه الصفة { هُمُ المفلحون } أي والناجون في الآخرة وهم في الرحمة التي قال الله تعالى : { واكتب لَنَا في هذه الدنيا حَسَنَةً وَفِي الآخرة إِنَّا هدنا إِلَيْكَ قَالَ عذابي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أشاء ورحمتي وَسِعَتْ كُلَّ شيء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزكاة والذين هُم بآياتنا يُؤْمِنُونَ } [ الأعراف : 156 ] .