بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرٗا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (53)

قوله تعالى : { ذلك } العذاب الذي نزل بهم ، { بِأَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا على قَوْمٍ حتى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } في الدين والنعم ؛ فإذا غيّروا ، غيّر الله عليهم ما بهم من النعم ؛ وهذا قول الكلبي . وروى أسباط ، عن السدي في قوله { لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا على قَوْمٍ } قال : أنعم الله تعالى بمحمد صلى الله عليه وسلم على أهل مكة وكفروا به ، فنقله إلى الأنصار ؛ ويقال : أطعمهم من جوع ، وأمنهم من خوف ، فلم يشكروا ، فجعل لهم مكان الأمن الخوف ، ومكان الرخاء الجوع . وهذا كقوله : { وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [ النحل : 112 ] . وقال الضحاك : ما عذب الله قوماً قط وسلبهم النعم ، ولا فرق بينهم وبين العافية ، حتى كذبوا رسلهم ؛ فلما فعلوا ذلك ألزمهم الذل وسلبهم العز ، فذلك قوله تعالى : { ذلك بِأَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا على قَوْمٍ حتى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } ثم قال : { وَأَنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ } { سميع } لمقالتهم ، { عليم } بأفعالهم .