{ ذلك بِأَنَّ الله } ، " ذلك " مبتدأ وخبر أيضاً ، كنظيره أي : ذلك العذابُ أو الانتقامُ بسبب أنَّ اللَّه .
قوله " لَمْ يَكُ " قال أكثرُ النحاةِ : إنَّما حذفت النون ؛ لأنَّها لم تشبه الغُنَّة المحضة فأشبهت حروف اللين ووقعت طرفاً ، فحذفت تشبيهاً بها ، كما تقولُ : لَمْ يَدْعُ ، ولمْ يَرْمِ .
قال الواحدي - رحمه الله تعالى - : " هذا ينتقض بقولهم : لَمْ يَزنْ ، ولمْ يَخنْ ، ولم يسمع حذف النون ههنا " .
وأجاب علي بن عيسى فقال : إنَّ " كان " و " يكون " أم الأفعال ، من أجل أن كل فعل قد حصل فيه معنى " كان " ، فقولنا : ضرب ، معناه : كان ضرب ، ويضرب معناه : يكون ضرب ، وهكذا القول في الكُلِّ ؛ فثبت أنَّ هذه الكلمة أم الأفعال ، فاحتيج إلى الاستعمال في أكثر الأوقات ، فاحتملت هذا الحذف ، بخلاف قولنا : لم يخُنْ ، ولم يزن ، فإنَّه لا حاجة إلى ذكرها كثيراً ، فظهر الفرق .
معنى الآية إنَّ الله لا يُغَيِّر ما أنعم على قوم ، حتى يُغَيِّرُوا ما بهم بالكفران وترك الشكر ، فإذا فعلوا ذلك غيَّر اللَّهُ ما بهم ، فسلبهم النعمة
قال القاضي{[17417]} " معنى الآية : أنه تعالى أنعم عليهم بالعقل والقدرة وإزالة الموانع ، وتسهيل السبل ، والمقصودُ : أن يشتغلوا بالعبادة والشَّكْرِ ، ويعدلوا عن الكفر ، فإذا صرفوا هذه الأمور إلى الكفر والفسق ، فقد غيَّروا نعم اللَّهِ على أنفسهم فلا جرم استحقوا تبديل النعم بالنقم ، والمنح بالمحن " .
قال : " وهذا من أوكد ما يدلُّ على أنه تعالى لا يبتدأ أحداً بالعذاب والمضرة ، وأنَّ الذي يفعله لا يكون إلاّ َجزاء على معاصٍ سلفت ، لو كان تعالى خلقهم ، وخلق جسمانهم وعقولهم ابتداء للنَّار كما يقوله القومُ لما صحَّ ذلك " .
وأجيب : بأن ظاهر الآية مشعر بما قاله القاضي ؛ إلاَّ أنَّا لو حملنا الآية عليه لزم أن يكون صفةُ اللَّهِ تعالى مُعَلَّلَةً بفعل الإنسان ؛ لأنَّ حكمَ اللَّهِ بذلك التغيير وإرادته ، لمَّا كان لا يحصل إلاَّ عند إتيان الإنسان بذلك الفعل ، فلو لم يصدر عنه ذلك الفعل لم يحصل للَّه تعالى ذلك الحكم وتلك الإرادة ، فحينئذٍ يكون فعل الإنسان مؤثراً في حدوث صفة في ذات اللَّهِ تعالى ، ويكون الإنسان مغيراً صفة اللَّهِ ومؤثراً فيها ، وذلك محال في بديهة العقل ؛ فثبت أنه لا يمكن حمل هذا الكلام على ظاهره ، بل الحقُ أنَّ صفة الله غالبة على صفات المحدثات ، فلولا حكمه وقضاؤه أولاً لما أمكن للعبد أن يأتي بشيء من الأفعال والأقوال .
ثم قال : { وَأَنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي : سميع لأقوالهم ، عليم بأفعالهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.