اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرٗا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (53)

{ ذلك بِأَنَّ الله } ، " ذلك " مبتدأ وخبر أيضاً ، كنظيره أي : ذلك العذابُ أو الانتقامُ بسبب أنَّ اللَّه .

قوله " لَمْ يَكُ " قال أكثرُ النحاةِ : إنَّما حذفت النون ؛ لأنَّها لم تشبه الغُنَّة المحضة فأشبهت حروف اللين ووقعت طرفاً ، فحذفت تشبيهاً بها ، كما تقولُ : لَمْ يَدْعُ ، ولمْ يَرْمِ .

قال الواحدي - رحمه الله تعالى - : " هذا ينتقض بقولهم : لَمْ يَزنْ ، ولمْ يَخنْ ، ولم يسمع حذف النون ههنا " .

وأجاب علي بن عيسى فقال : إنَّ " كان " و " يكون " أم الأفعال ، من أجل أن كل فعل قد حصل فيه معنى " كان " ، فقولنا : ضرب ، معناه : كان ضرب ، ويضرب معناه : يكون ضرب ، وهكذا القول في الكُلِّ ؛ فثبت أنَّ هذه الكلمة أم الأفعال ، فاحتيج إلى الاستعمال في أكثر الأوقات ، فاحتملت هذا الحذف ، بخلاف قولنا : لم يخُنْ ، ولم يزن ، فإنَّه لا حاجة إلى ذكرها كثيراً ، فظهر الفرق .

فصل

معنى الآية إنَّ الله لا يُغَيِّر ما أنعم على قوم ، حتى يُغَيِّرُوا ما بهم بالكفران وترك الشكر ، فإذا فعلوا ذلك غيَّر اللَّهُ ما بهم ، فسلبهم النعمة

فصل

قال القاضي{[17417]} " معنى الآية : أنه تعالى أنعم عليهم بالعقل والقدرة وإزالة الموانع ، وتسهيل السبل ، والمقصودُ : أن يشتغلوا بالعبادة والشَّكْرِ ، ويعدلوا عن الكفر ، فإذا صرفوا هذه الأمور إلى الكفر والفسق ، فقد غيَّروا نعم اللَّهِ على أنفسهم فلا جرم استحقوا تبديل النعم بالنقم ، والمنح بالمحن " .

قال : " وهذا من أوكد ما يدلُّ على أنه تعالى لا يبتدأ أحداً بالعذاب والمضرة ، وأنَّ الذي يفعله لا يكون إلاّ َجزاء على معاصٍ سلفت ، لو كان تعالى خلقهم ، وخلق جسمانهم وعقولهم ابتداء للنَّار كما يقوله القومُ لما صحَّ ذلك " .

وأجيب : بأن ظاهر الآية مشعر بما قاله القاضي ؛ إلاَّ أنَّا لو حملنا الآية عليه لزم أن يكون صفةُ اللَّهِ تعالى مُعَلَّلَةً بفعل الإنسان ؛ لأنَّ حكمَ اللَّهِ بذلك التغيير وإرادته ، لمَّا كان لا يحصل إلاَّ عند إتيان الإنسان بذلك الفعل ، فلو لم يصدر عنه ذلك الفعل لم يحصل للَّه تعالى ذلك الحكم وتلك الإرادة ، فحينئذٍ يكون فعل الإنسان مؤثراً في حدوث صفة في ذات اللَّهِ تعالى ، ويكون الإنسان مغيراً صفة اللَّهِ ومؤثراً فيها ، وذلك محال في بديهة العقل ؛ فثبت أنه لا يمكن حمل هذا الكلام على ظاهره ، بل الحقُ أنَّ صفة الله غالبة على صفات المحدثات ، فلولا حكمه وقضاؤه أولاً لما أمكن للعبد أن يأتي بشيء من الأفعال والأقوال .

ثم قال : { وَأَنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي : سميع لأقوالهم ، عليم بأفعالهم .


[17417]:ينظر: تفسير الفخر الرازي 15/144.