فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞لَتُبۡلَوُنَّ فِيٓ أَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَذٗى كَثِيرٗاۚ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ} (186)

لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور186 وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا ثمنا قليلا فبئس ما يشترون187

( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ) اللام لام القسم أي والله لتبون ، هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمته تسلية لهم بما سيلقونه من الكفرة والفسقة ليوطنوا أنفسهم على الثبات والصبر على المكاره ، والابتلاء الامتحان والاختبار ، والمعنى لتمتحنن ولتختبرن في أموالكم بالمصايب و الإنفاقات الواجبة وسائر التكاليف الشرعية المتعلقة بالأموال ، والابتلاء في الأنفس بالموت والأمراض وفقد الأحباب والقتل في سبيل الله .

( ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) قال الزهري :الذين أوتوا الكتاب هو كعب بن الأشرف وكان يحرض المشركين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه في شعره ، وعن ابن جريج قال :يعني اليهود والنصارى . فكان المسلمون يسمعون من اليهود عزير ابن الله ومن النصارى المسيح ابن الله .

( ومن الذين أشركوا ) سائر الطوائف الكفرية من غير أهل الكتاب ( أذى كثيرا ) من الطعن في دينكم وأعراضكم . وزاد السيوطي والتشبيب بنسائكم ، قاله في الجمل ، هو أوصاف الجمال وكان يفعل ذلك كعب بن الأشرف بنساء المؤمنين .

( وإن تصبروا وتتقوا ) الصبر عبارة عن احتمال الأذى والمكروه والتقوى عن الاحتراز عما لا ينبغي ( فإن ذلك ) الصبر والتقوى المدلول عليهما بالفعلين وأشار بما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو درجتهما وبعد منزلتها وتوحيد حرف الخطاب إما باعتبار كل واحد من المخاطبين ، وإما لأن المراد بالخطاب مجرد التنبيه من غير ملاحظة خصوصية أحوال المخاطبين .

( من عزم الأمور ) معزوماتها التي يتنافس فيها المتنافسون ، أي مما يجب عليكم أن تعزموا عليه لما فيه من كمال المزية والشرف ، أو لكونه عزمة من عزمات الله التي أوجب عليكم القيام بها ، يقال عزم الأمر أي شده وأصلحه ، وأصله ثبات الرأي على الشئ إلى إمضائه .

وقال المرزوقي :إنه توطين النفس عند الفكر ، والمراد ان يوطدوا أنفسهم على الصبر ، فإن العالم بنزول البلاء عليه لا يعظم وقعه في قلبه بخلاف غير العالم فإنه يعظم عنده ويشق عليه .

وقال ابن جريج :أي من القوة مما عزم الله عليه وأمركم به ، والحاصل أن المصدر بمعنى إسم المفعول قال التفتازاني : إما معزوم العبد بمعنى أنه يجب عليه العزم والتصميم عليه أو معزوم الله عزم الله أي أراد الله وفرض ان يكون ذلك ويحصل .