كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور158
( كل نفس ذائقة الموت ) من الذوق وهذه الآية تتضمن الوعد والوعيد للمصدق والمكذب بعد إخباره عن الباخلين القائلين ان الله فقير ونحن أغنياء ، وقرئ ذائقة الموت بالتنوين ونصب الموت ، وقرأ الجمهور بالإضافة .
والمعنى ذائقة موت أجسادها إذ النفس لا تموت ، ولو ماتت لما ذاقت الموت في حال موتها . لأن الحياة شرط في الذوق وسائر الإدراكات ، وقوله تعالى : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) معناه حين موت أجسادها ، قاله الكرخي .
وهذا يقتضي ان المراد بالنفس هنا الروح ، والحامل له على تفسيرها بذلك التأنيت في قوله ذائقة لأنها بمعنى الروح مؤنثة وتطلق أيضا على مجموع الجسد والروح الذي هو الحيوان ، وهي بهذا المعنى مذكر ، وهذا المعنى الثاني تصح إرادته هنا أيضا بل هو الأقرب المتبادر إلى الفهم .
( وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ) أجر المؤمن الثواب وأجر الكافر العقاب أي أن توفية الأجور وتكميلها على التمام إنما يكون في ذلك اليوم ، وما يقع من الأجور في الدنيا أو في البرزخ فإنما هو بعض الأجور كما ينبئ عنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم :القبر روضة من رياض الجنة أو الحفرة من حفر النيران{[392]} .
( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ) الزحزحة التنحية والإبعاد تكرير الزح وهو الجدب بعجلة ، قاله في الكشاف ، وقد سبق الكلام عليه أي فمن بعد عن النار يومئذ ونحى فقد ظفر بما يريد ونجا مما يخاف ، ونال غاية مطلبه .
وهذا هو الفوز الحقيقي الذي لا فوز يقاربه . فإن كل فوز وإن كان بجميع المطالب دون الجنة ليس بشئ بالنسبة إليها إلا رؤية الله سبحانه وتعالى فهو أفضل نعيم الآخرة في الجنة ، اللهم لا فوز إلا فوز الآخرة ولا عيش إلا عيشها ولا نعيم إلا نعيمها فاغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وارض عنا لا سخط بعده ، واجمع لنا بين الرضا منك علينا والجنة .
عن أب هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ، اقرؤوا إن شئتم ( فمن زحزح عن النار إلى قوله الغرور ) أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه وغيرهما{[393]} .
( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) المتاع كل ما يتمتع به الإنسان وينتفع به ثم يزول ولا يبقى كذا قال أكثر المفسرين ، وقيل المتاع كالفارس والقدر والقصعة ونحوها ، والأول أولى ، والغرور إما مصدر أو جمع غار ، وقيل ما يغر الإنسان مما لا يدوم وقيل الباطل ، والغرور الشيطان يغر الناس بالأماني الباطلة والمواعيد الكاذبة .
شبه سبحانه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على من يريده وله ظاهر محبوب ، وباطن مكروه ، قيل متاع متروك يوشك أن يضمحل ويزول فخذوا من هذا المتاع واعملوا فيه بطاعة الله ما استطعتم ، قال سعيد بن جبير : هي متاع الغرور لمن لم يشتغل بطلب الآخرة فأما من اشتغل بطلبها فهي له متاع وبلاغ إلى ما هو خير منها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.