فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّـٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (2)

ثم بين سبحانه شأن الظهار في نفسه وذكر حكمه بطريق الاستئناف فقال : { الذين يظاهرون } بضم الياء وتخفيف الظاء وكسر الهاء ، وقرأ الجمهور يظهرون بالتشديد مع فتح حرف المضارعة ، وقرئ يظاهرون بفتح الياء وتشديد الظاء وزيادة ألف ، وقد تقدم مثل هذا في سورة الأحزاب وقرئ يتظاهرون وكلها سبعيات ومعنى الظهار شرعا أن يقول لامرأته : أنت عليّ كظهر أمي ، أنت منّي أو معي أو عندي كظهر أمي ولا خلاف في كون هذا ظهارا ، واختلفوا إذا قال أنت علي كظهر ابنتي أو أختي أو غير ذلك من ذوات المحارم ، فذهب جماعة منهم أبو حنيفة ومالك إلى أنه ظهار وبه قال الحسن والنخعي والزهري والأوزاعي والثوري ، وقال جماعة منهم قتادة والشعبي : إنه لا يكون ظهارا بل يختص الظهار بالأم وحدها واختلفت الرواية عن الشافعي فروي عنه كالقول الأول وكالقول الثاني .

وأصل الظهار مشتق من الظهر وهو لغة العلو وليس هو من ظهر الإنسان واختلفوا إذا قال لامرأته : أنت عليّ كرأس أمي أو يدها أو رجلها أو نحو ذلك ، هل يكون ظهارا أم لا ؟ وهكذا إذا قال : أنت عليّ كأمي ولم يذكر الظهر ، والظاهر أنه إذا قصد بذلك الظهار كان ظهارا ، وروي عن أبي حنيفة أنه إذا شبهها بعضو من أمه يحل له النظر إليه لم يكن ظهارا ، وروي عن الشافعي أنه لا يكون الظهار إلا في الظهر وحده ، واختلفوا إذا شبه امرأته بأجنبية فقيل : يكون ظهارا ، وقيل : لا ، والكلام في هذا مبسوط في كتب الفروع .

{ منكم } أي حال كونهم منكم أيها العرب ، وهذا توبيخ لهم ، وتهجين لعادتهم ، لأن الظهار كان خاصا بالعرب ومن أيمان جاهليتهم دون سائر الأمم { من نسائهم } يعني يحرمون زوجاتهم كتحريم الله عليهم ظهور أمهاتهم ، يقولون لهن : أنتن كظهور أمهاتنا { ما هن أمهاتهم } أي ما نساؤهم بأمهاتهم فذلك كذب بحت منهم ، وإنه منكر وزور ، وفي هذا توبيخ للمظاهرين وتبكيت لهم قرأ الجمهور أمهاتهم بالنصب على اللغة الحجازية في إعمال { ما } عمل ليس ، وقرئ بالرفع على عدم الإعمال ، وهي لغة نجد وبني أسد . ثم بيّن لهم سبحانه أمهاتهم على الحقيقة فقال :

{ إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم } أي ما أمهاتهم إلا النساء اللاتي ولدنهم ، يريد أن الأمهات على الحقيقة الوالدات ، والمرضعات ملحقات بالوالدات بواسطة الرضاع ، وكذا أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لزيادة حرمتهن وأما الزوجات فأبعد شيء من الأمومة فلذا زاد سبحانه في توبيخهم وتقريعهم فقال :

{ وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا } أي وإن المظاهرين ليقولون بقولهم هذا فظيعا من القول ، ينكره الشرع ، والزور : الكذب الباطل ، المنحرف عن الحق { وإن الله لعفو غفور } أي بليغ العفو والمغفرة إذ جعل الكفارة عليهم ، مخلصة لهم عن هذا القول المنكر .