فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجۡوَىٰ ثَلَٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمۡ وَلَا خَمۡسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمۡ وَلَآ أَدۡنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمۡ أَيۡنَ مَا كَانُواْۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (7)

ثم أكد سبحانه بيان كونه عالما بكل شيء فقال :

{ ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ؟ } أي ألم تعلم أن علمه محيط بما فيهما ، بحيث لا يخفى عليه شيء مما فيهما ، { ما يكون من نجوى ثلاثة } مستأنفة لتقرير شمول علمه ، وسعته وإحاطته بكل المعلومات ، قرأ الجمهور يكون بالتحية ، وقرئ بالفوقية ، وكان على القراءتين تامة ، ومن مزيدة للتأكيد ، والنجوى السرار ، يقال : قوم نجوى أي ذوو نجوى ، وهي مصدر ، والمعنى ما يوجد من تناجي ثلاثة أو من ذوي نجوى ، ويجوز أن تطلق النجوى على الأشخاص المتناجين ، قال الفراء : ثلاثة نعت للنجوى ، فانخفضت ، وإن شئت أضفت نجوى إليها ، ولو نصبت على إضمار فعل جاز .

{ إلا هو رابعهم } أي بالعلم يعني يعلم نجواهم : كأنه حاضر معهم ومشاهدهم ، كما تكون نجواهم معلومة عند الرابع الذي يكون معهم كذا في الخازن وأبي السعود . والجمل التي بعد إلا في موضع نصب على الحال يعني ما يوجد شيء من هذه الأشياء إلا في حال من هذه الأحوال ، فالاستثناء مفرغ من أعم الأحوال .

{ ولا } نجوى { خمسة إلا وهو سادسهم } أي جاعلهم ستة من حيث إنه يشاركهم في الاطلاع على تلك النجوى ، وتخصيص العددين بالذكر لأن أغلب عادات المتناجين أن يكونوا ثلاثة أو خمسة أو كانت الواقعة التي هي سبب النزول في متناجين كانوا ثلاثة في موضع وخمسة في موضع ، أو لأن العدد الفرد أشرف من الزوج لأن الله تعالى وتر يحب الوتر فخصهما بالذكر تنبيها على أنه لا بد من رعاية الأمور الآلهية في جميع الأمور . قال الفراء : والعدد غير مقصود لأنه سبحانه مع كل عدد قل أو كثر ، يعلم السر والجهر لا تخفى عليه خافية .

{ ولا أدنى من ذلك } أي ولا أقل من العدد المذكور كالواحد والإثنين { ولا أكثر } منه كالستة والسبعة ، { إلا هو معهم } أي مصاحب لهم بعلمه ، يعلم ما يتناجون به ، لا يخفى عليه شيء منه ، وقرأ الجمهور أكثر بالثاء وبالجر بالفتحة عطفا على لفظ نجوى ، وقرئ بالياء الموحدة وبالرفع عطفا على محل نجوى ، قال الواحدي : قال المفسرون : إن المنافقين واليهود كانوا يتناجون فيما بينهم ، ويوهمون المؤمنين أنهم يتناجون فيما يسوءهم فيحزنون لذلك ، فلما طال ذلك وكثر ، شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرهم أن لا يتناجوا دون المسلمين ، فلم ينتهوا وعادوا إلى مناجاتهم ، فأنزل الله هذه الآيات :{ أين ما كانوا } معناه إحاطة علمه بكل تناج يكون معهم في أي مكان من الأمكنة ، ولو كانوا تحت الأرض ، فإن علمه بالأشياء ليس لقرب مكان حتى يتفاوت بقرب الأمكنة وبعدها ، { ثم ينبئهم } أي يخبرهم { بما عملوا يوم القيامة } توبيخا لهم وتبكيتا وإلزاما للحجة { إن الله بكل شيء عليم } لا يخفى عليه شيء كائنا ما كان .