وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وقضينا إلى بني إسرائيل } قال : أعلمناهم .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وقضينا إلى بني إسرائيل } قال : أخبرناهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وقضينا إلى بني إسرائيل } قال : قضينا عليهم .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين } قال : هذا تفسير الذي قبله .
وأخرج ابن المنذر والحاكم ، عن طاوس قال : كنت عند ابن عباس - رضي الله عنهما - ومعنا رجل من القدرية ، فقلت إن أناساً يقولون لا قدر . قال : أوفي القوم أحد منهم ؟ قلت : لو كان ، ما كنت تصنع به ؟ قال : لو كان فيهم أحد منهم لأخذت برأسه . ثم قرأت عليه { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً } .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إن الله عهد إلى بني إسرائيل في التوراة { لتفسدن في الأرض مرتين } .
فكان أوّل الفساد : قتل زكريا عليه السلام ، فبعث الله عليهم ملك النبط ، فبعث الجنود وكانت أساورته ألف فارس { فهم أولو بأس } فتحصنت بنو إسرائيل ، وخرج فيهم بختنصر يتيماً مسكيناً ، إنما خرج يستطعم ، وتلطف حتى دخل المدينة ، فأتى مجالسهم وهم يقولون : لو يعلم عدوّنا ما قذف في قلوبنا من الرعب بذنوبنا ما أرادوا قتالنا ، فخرج بختنصر حين سمع ذلك منهم وأشد القيام على الجيش ، فرجعوا وذلك قول الله : { فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد } الآية .
ثم أن بني إسرائيل تجهزوا فغزوا النبط ، فأصابوا منهم ، فاستنقذوا ما في أيديهم ، فذلك قوله : { ثم رددنا لكم الكرة عليهم } الآية .
وأخرج ابن عساكر في تاريخه ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله : { لتفسدن في الأرض مرتين } قال : الأولى ، قتل زكريا عليه الصلاة والسلام ، والأخرى ، قتل يحيى عليه السلام .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عطية العوفي رضي الله عنه في قوله : { لتفسدن في الأرض مرتين } قال : أفسدوا المرة الأولى ، فبعث الله عليهم جالوت فقتلهم ، وأفسدوا المرة الثانية ، فقتلوا يحيى بن زكريا عليهما السلام ، فبعث الله عليهم بختنصر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بعث الله عليهم في الأولى جالوت ، فجاس خلال ديارهم وضرب عليهم الخراج والذل ، فسألوا الله أن يبعث إليهم ملكاً يقاتلون في سبيل الله ، فبعث الله طالوت ، فقتل جالوت فنصر بنو إسرائيل ، وقتل جالوت بيدي داود عليه السلام ، ورجع إلى بني إسرائيل ملكهم ، فلما أفسدوا : بعث الله عليهم في المرة الآخرة بختنصر ، فخرب المساجد وتبر { ما علوا تتبيراً } قال الله : بعد الأولى والآخرة { عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا } قال : فعادوا فسلط الله عليهم المؤمنين .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي هاشم العبدي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ملك ما بين المشرق والمغرب أربعة : مؤمنان ، وكافران ، أما الكافران ، فالفرخان وبختنصر . فأنشأ أبو هاشم يحدث قال : كان رجل من أهل الشام صالحاً فقرأ هذه الآية { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب } إلى قوله : { علواً كبيراً } قال : يا رب ، أما الأولى فقد فاتتني ، فأرني الآخرة ، فأتى وهو قاعد في مصلاه قد خفق برأسه فقيل : الذي سألت عنه ببابل واسمه بختنصر ، فعرف الرجل أنه قد استجيب له ، فاحتمل جراباً من دنانير فأقبل حتى انتهى إلى بابل ، فدخل على الفرخان فقال : إني قد جئت بمال فأقسمه بين المساكين ، فأمر به فأنزل ، فجمعوهم له ، ثم جعل يعطيهم ويسألهم عن أسمائهم ، حتى إذا فرغ ممن بحضرته قيل له : فإنه قد بقيت منهم بقايا في الرساتيق ، فجعل يبعث فتاه حتى إذا كان الليل رجع إليه فاقرأه رجلاً رجلاً ، فأتى على ذكر بختنصر فقال : قف . كيف قلت ؟ قال : بختنصر . قال : وما بختنصر هذا ؟ قال : هو أشدهم فاقة ، وهو مقعد يأتي عليه السفارون ، فيلقي أحدهم إليه الكسرة ، ويأخذ بأنفه . قال : فإني مسلم به [ 7 ] لا بد . قال الآخر : فإنما هو في خيمة له يحدث فيها ، حتى أذهب فأقبلها وأغسله . قال : دونك هذه الدنانير . فأقبل إليه بالدنانير فأعطاها إياها . ثم رجع إلى صاحبه فجاء معه ، فدخل الخيمة فقال : ما اسمك ؟ قال : بختنصر . قال : من سماك بختنصر ؟ قال : من عسى أن يسميني إلا أمي ! قال : فهل لك أحد ؟ قال : لا والله ، إني لههنا أخاف بالليل أن تأكلني الذئاب . قال : فأي الناس أشد بلاء ؟ قال : أنا . قال : أفرأيت إن ملكت يوماً من دهر أتجعل لي أن لا تعصيني ؟ قال أي سيدي لا يضرك أن لا تهزأ بي . قال : أرأيت إن ملكت مرة أتجعل لي أن لا تعصيني ؟ قال : أما هذه فلا أجعلها لك ولكن سوف أكرمك كرامة لا أكرمها أحداً . قال دونك هذه الدنانير ، ثم انطلق فلحق بأرضه ، فقام الآخر فاستوى على رجليه ، ثم انطلق فاشترى حماراً وأرساناً ، ثم جعل يستعرض تلك الأعاجم فيجزها فيبيعه ، ثم قال : إلى متى هذا الشقاء ؟ فعمد فباع ذلك الحمار وتلك الأرسان واكتسى كسوة ، ثم أتى باب الملك ، فجعل يشير عليهم بالرأي وترتفع منزلته حتى انتهوا إلى بواب الفرخان الذي يليه ، فقال له الفرخان : قد ذكر لي رجل عندك ، فما هو ؟ قال : ما رأيت مثله قط ! قال : ائتني به ، فكلمه فأعجب به . قال : إن بيت المقدس وتلك البلاد قد استعصوا علينا ، وأنا باعثون عليهم بعثاً ، وإني باعث إلى البلاد من يختبرها ، فنظر حينئذ إلى رجال من أهل الأرب والمكيدة ، فبعثهم جواسيس ، فلما فصلوا إذا بختنصر قد أتى بخرجيه على بغلة ، قال : أين تريد ؟ قال : معهم قال : أفلا آذنتني فأبعثك عليهم ؟ قال : لا ، حتى إذا وقعوا بالأرض قال : تفرقوا وسأل بختنصر عن أفضل أهل البلد ؟ فدل عليه ، فألقى خرجيه في داره .
قال لصاحب المنزل : ألا تخبرني عن أهل بلادك ، قال : على الخبير سقطت ، هم قوم فيهم كتاب فلا يقيمونه ، وأنبياء فلا يطيعونهم ، وهم متفرقون . قال بختنصر كالمتعجب منه : كتاب لا يقيمونه ، وأنبياء لا يطيعونهم ، وهم متفرقون ! فكتبهن في ورقة وألقى في خرجيه وقال : ارتحلوا ، فاقبلوا ، حتى قدموا على الفرخان ، فجعل يسأل كل رجل منهم ، فجعل الرجل يقول : أتينا بلاد كذا ولها حصن كذا ولها نهر كذا قال : يا بختنصر ، ما تقول ؟ قال : قدمنا أرضاً على قوم لهم كتاب لا يقيمونه ، وأنبياء لا يطيعونهم ، وهم متفرقون ، فأمر حينئذ ، فندب الناس وبعث إليهم سبعين ألفاً ، وأمر عليهم بختنصر ، فساروا حتى إذا علوا في الأرض أدركهم البريد : إن الفرخان قد مات ولم يستخلف أحداً . قال للناس : مكانكم . ثم أقبل على البريد حتى قدم على الناس وقال : كيف صنعتم ؟ قالوا : كرهنا أن نقطع أمراً دونك . قال : إن الناس قد بايعوني . فبايعوه ، ثم استخلف عليهم وكتب بينهم كتاباً ، ثم انطلق بهم سريعاً حتى قدم على أصحابه ، فأراهم الكتاب ، فبايعوه وقالوا : ما بنا رغبة عنك . فساروا ، فلما سمع أهل بيت المقدس تفرقوا وطاروا تحت كل كوكب ، فشعث ما هناك ، أي أفسد ، وقتل من قتل وخرب بيت المقدس ، واستبى أبناء الأنبياء فيهم دانيال . فسمع به صاحب الدنانير فأتاه فقال : هل تعرفني ؟ قال : نعم . فأدنى مجلسه ولم يشفعه في شيء ، حتى إذا نزل بابل لا ترد له راية . فكان كذلك ما شاء الله ، ثم إنه رأى رؤيا فأفظعته ، فأصبح قد نسيها . قال : عليّ بالسحرة والكهنة . قال : أخبروني عن رؤيا رأيتها الليلة ، والله لتخبرني بها ، أو لأقتلنكم . قالوا : ما هي ؟ قال : قد نسيتها قالوا : ما عندنا من هذا علم ، إلا أن ترسل إلى أبناء الأنبياء . فأرسل إلى أبناء الأنبياء . قال : أخبروني عن رؤيا رأيتها الليلة ، والله لتخبرني بها أو لأقتلنكم . قالوا : ما هي ؟ قال : قد نسيتها . قالوا غيب ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى . قال والله لتخبرني بها ، أو لأضربن أعناقكم . قالوا : فدعنا حتى نتوضأ ونصلي وندعو الله تعالى . قال : فافعلوا . فانطلقوا فأحسنوا الوضوء ، فأتوا صعيداً طيباً فدعوا الله ، فأخبروا بها ، ثم رجعوا إليه فقالوا : رأيت كأن رأسك من ذهب ، وصدرك من فخار ، ووسطك من نحاس ، ورجليك من حديد . قال : نعم . قال : أخبروني بعبارتها أو لأقتلنكم . قالوا : فدعنا ندعو ربنا . قال اذهبوا ، فدعوا ربهم فاستجاب لهم ، فرجعوا إليه قالوا : رأيت كأن رأسك من ذهب ، ملكك هذا يذهب عند رأس الحول من هذه الليلة .
قال : ثم مه ؟ قالوا : ثم يكون بعدك ملك يفخر على الناس ، ثم يكون ملك يخشى الناس شدته ، ثم يكون ملك لا يقله شيء ، إنما هو مثل الحديد يعني الإسلام فأمر بحصن فبني له ، بينه وبين السماء ، ثم جعل ينطقه بمقاعد الرجال والاحراس ، وقال لهم : إنما هي هذه الليلة لا يجوز عليكم أحد ، وإن قال أنا بختنصر إلا قتلتموه مكانه ، كائناً من كان من الناس . فقعد كل أناس في مكانهم الذي وكلوا به . واهتاج بطنه من الليل ، فكره أن يرى مقعده هناك . وضرب على أسمخة القوم ، فاستثقلوا نوماً ، فأتى عليهم وهم نيام ، ثم أتى عليهم فاستيقظ بعضهم ، فقال : من هذا ؟ قال : بختنصر . قال : هذا الذي حفي إلينا فيه الليلة . فضربه فقتله ، فأصبح الخبيث قتيلاً .
وأخرج ابن جرير نحوه أخصر منه عن سعيد بن جبير رضي الله عنه ، وعن السدي وعن وهب بن منبه .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال : ظهر بختنصر على الشام ، فخرب بيت المقدس وقتلهم ، ثم أتى دمشق فوجد بها دماً يغلي على كباء فسألهم ما هذا الدم ؟ قالوا : أدركنا آبائنا على هذا وكلما [ 7 ] ظهر عليهم الكباء ظهر ، فقتل على ذلك الدم سبعين ألفاً من المسلمين وغيرهم فسكن .
وأخرج ابن عساكر ، عن الحسن رضي الله عنه : أن بختنصر لما قتل بني إسرائيل وهدم بيت المقدس وسار بسبايا بني إسرائيل إلى أرض بابل ، فسامهم سوء العذاب ، أراد أن يتناول السماء ، فطلب حيلة يصعد بها ، فسلط الله عليه بعوضة ، فدخلت منخره فوقفت في دماغه ، فلم تزل تأكل دماغه وهو يضرب رأسه بالحجر حتى مات .
وأخرج ابن جرير ، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن بني إسرائيل لما اعتدوا في السبت وعلوا وقتلوا الأنبياء عليهم السلام بعث الله عليهم ملك فارس بختنصر ، وكان الله ملكه سبعمائة سنة ، فسار إليهم حتى دخل بيت المقدس ، فحاصرها وفتحها ، وقتل على دم زكريا عليه السلام سبعين ألفاً ، ثم سبى أهلها وبني الأنبياء ، وسلب حلى بيت المقدس ، واستخرج منها سبعين ألفاً ومائة ألف عجلة من حلى ، حتى أورده بابل » قال حذيفة - رضي الله عنه - فقلت : يا رسول الله ، لقد كان بيت المقدس عظيماً عند الله ؟ ! قال : «أجل » فبناه سليمان بن داود - عليه السلام - من ذهب ودر وياقوت وزبرجد وكان بلاطة ذهبا وبلاطة فضة ، وعمده ذهباً ، أعطاه الله ذلك وسخر له الشياطين يأتونه بهذه الأشياء في طرفة عين ، فسار بختنصر بهذه الأشياء حتى نزل بها بابل ، فأقام بنو إسرائيل مائة سنة يعذبهم المجوس وأبناء المجوس ، فيهم الأنبياء وأبناء الأنبياء ، ثم إن الله رحمهم ، فأوحى إلى ملك من ملوك فارس يقال له كورس - وكان مؤمناً - أن : سر إلى بقايا بني إسرائيل حتى تستنقذهم ، فسار كورس ببني إسرائيل ودخل بيت المقدس حتى رده إليه ، فأقام بنو إسرائيل مطيعين لله مائة سنة ، ثم إنهم عادوا في المعاصي ، فسلط عليهم ابطنانحوس فغزا ثانياً بمن غزا مع بختنصر ، فغزا بني إسرائيل ، حتى أتاهم بيت المقدس ، فسبى أهلها وأحرق بيت المقدس . وقال لهم : يا بني إسرائيل ، إن عدتم في المعاصي ، عدنا عليكم في السباء ، فعادوا في المعاصي ، فسير الله عليهم السباء الثالث : ملك رومية يقال له فاقس بن اسبايوس ، فغزاهم في البر والبحر فسباهم ، وسيَّر حلى بيت المقدس وأحرق بيت المقدس بالنيران ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : - «فهذا من صفة حلى بيت المقدس ويرده المهدي إلى بيت المقدس ، وهو ألف سفينة وسبعمائة سفينة يرسى بها على يافا ، حتى تنتقل إلى بيت المقدس وبها يجتمع إليه الأوّلون والآخرون » .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن زيد قال : كان إفسادهم الذي يفسدون في الأرض مرتين : قتل زكريا عليه السلام ويحيى بن زكريا ، فسلط عليهم سابور ذا الأكتاف ، ملكاً من ملوك فارس ، من قبل زكريا ، وسلط عليهم بختنصر من قبل يحيى .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله : { فإذا جاء وعد أولاهما } قال : إذا جاء وعد أولى تينك المرتين اللتين قضينا إلى بني إسرائيل { لتفسدن في الأرض مرتين } .