الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا} (4)

قوله : { وَقَضَيْنَآ } " قَضَى " يتعدَّى بنفسِه : { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً }

[ الأحزاب : 37 ] { فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ } [ القصص : 29 ] ، وإنما تَعَدَّى هنا ب " إلى " لتضمُّنه معنى : أَنْفَذْنَا وأَوْحَيْنا ، أي : وأَنْفَذْنا إليهم بالقضاءِ المحتومِ . ومتعلِّقُ القضاءِ محذوفٌ ، أي : بفسادِهم . وقوله : " لَتُفْسِدُنَّ " جوابُ قسمٍ محذوفٍ تقديرُه : والله لتفسِدُنَّ ، وهذا القسمُ مؤكدٌ لمتعلَّق القضاء . ويجوز أن يكونَ " لَتُفْسِدُنَّ " جواباً لقوله : " وقَضَيْنا " لأنه ضُمِّن معنى القسمِ ، ومنه قولُهم : " قضاء الله لأفعلنَّ " فيُجْرُون القضاء والنَّذْرَ مُجْرى القسم فَيُتَلَقَّيان بما يُتَلَقَّى به القسمُ .

والعامَّةُ على توحيد " الكتاب " مُراداً به الجنسُ . وابنُ جبير وأبو العالية " في الكُتُب " على الجمع ، جاؤوا به نَصَّاً في الجمع .

وقرأ العامَّةُ بضمِّ التاءِ وكسرِ السينِ مضارعَ " أفسدَ " ، ومفعولُه محذوفٌ تقديره : لَتُفْسِدُنَّ الأديانَ . ويجوزُ أْنْ لا يُقَدَّر مفعولٌ ، أي : لتُوقِعُنَّ الفساد . وقرأ ابنُ عباسٍ ونصرُ بن علي وجابر بن زيد " لَتُفْسَدُن " ببنائه للمفعولِ ، أي : لَيُفْسِدَنَّكم غيرُكم : إمَّا من الإِضلال أو من الغلبة . وقرأ عيسى بن عمر بفتحِ التاء وضمِّ السين ، أي : فَسَدْتُم بأنفسِكم .

قوله " مَرَّتَيْنِ " منصوبٌ على المصدر ، والعاملُ فيه " لتُفْسِدُنَّ " لأنَّ التقديرَ : مرتين من الفساد .

قوله : " عُلُوَّاً " العامَّةُ على ضمِّ العين مصدرَ علا يَعْلُو . وقرأ زيد بن عليٍّ " عِلِيَّاً " بكسرِهما والياءُ ، والأصلُ الواو ، وإنما اعتلَّ على اللغة القليلة ؛ وذلك أن فُعُولاً المصدرَ الأكثرُ فيه التصحيحُ نحو : عَتا عُتُوَّاً ، والإِعلالُ قليلٌ نحو { أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً } [ مريم : 69 ] على أحدِ الوجهين كما سيأتي ، وإنْ كان جمعاً فالكثيرُ الإِعلالُ . نحو : " جِثِيَّاً " وشَذَّ : بَهْوٌ وبُهُوُّ ، ونَجْوٌ ونَجَوٌّ ، وقاسه الفراء .