فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا} (4)

قوله : { وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إسرائيل فِي الكتاب } أي : أعلمنا وأخبرنا ، أو حكمنا وأتممنا ؛ وأصل القضاء : الإحكام للشيء والفراغ منه ؛ وقيل : أوحينا ، ويدل عليه قوله إلى بني إسرائيل ، ولو كان بمعنى الإعلام والإخبار لقال : قضينا بني إسرائيل ، ولو كان بمعنى حكمنا لقال : على بني إسرائيل ، ولو كان بمعنى أتممنا لقال : لبني إسرائيل ، والمراد بالكتاب : التوراة ، ويكون إنزالها على نبيهم موسى كإنزالها عليهم لكونهم قومه ؛ وقيل : المراد بالكتاب : اللوح المحفوظ . وقرأ أبو العالية وسعيد بن جبير : ( في الكتب ) . وقرأ عيسى الثقفي : ( لتفسدنّ في الأرض ) بفتح المثناة ، ومعنى هذه القراءة قريب من معنى قراءة الجمهور ، لأنهم إذا أفسدوا فسدوا في نفوسهم ، والمراد بالفساد : مخالفة ما شرعه الله لهم في التوراة ، والمراد بالأرض أرض الشام وبيت المقدس ؛ وقيل : أرض مصر ، واللام في { لتفسدن } جواب قسم محذوف . قال النيسابوري : أو أجري القضاء المبتوت مجرى القسم كأنه قيل : وأقسمنا لتفسدنّ . وانتصاب { مَرَّتَيْنِ } على أنه صفة مصدر محذوف ، أو على أنه في نفسه مصدر عمل فيه ما هو من غير جنسه ، والمرة الأولى : قتل شعياء أو حبس أرمياء ، أو مخالفة أحكام التوراة ، والثانية : قتل يحيى بن زكريا والعزم على قتل عيسى { وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } هذه اللام كاللام التي قبلها ، أي : لتستكبرنّ عن طاعة الله ولتستعلنّ على الناس بالظلم والبغي مجاوزين للحد في ذلك .

/خ11