الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا} (68)

أخرج الفريابي وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود قال : « سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أكبر ؟ قال " أن تجعل لله نداً وهو خلقك قلت : ثم أي ؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك " فأنزل الله تصديق ذلك { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون } .

وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن ناساً من أهل الشرك قد قتلوا فأكثروا ، وزنوا ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لَحَسَنٌ لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة ؛ فنزل { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر . . . } ونزلت { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم . . . } [ الزمر : 53 ] .

وأخرج البخاري وابن المنذر من طريق القاسم بن أبي بزة أنه سأل سعيد بن جبير هل لمن قتل مؤمناً متعمداً من توبة ؟ فقرأت عليه { ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق } فقال سعيد : قرأتها على ابن عباس كما قرأتها عليَّ فقال : هذه مكية نسختها آية مدنية التي في سورة النساء .

وأخرج ابن المبارك عن شفي الأصبحي قال : إن في جهنم جبلاً يدعى : صعوداً . يطلع فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يرقاه ، وإن في جهنم قصراً يقال له : هوى . يرمى الكافر من أعلاه فيهوي أربعين خريفاً قبل أن يبلغ أصله . قال تعالى { ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى } [ طه : 81 ] وأن في جهنم وادياً يدعى : أثاماً . فيه حيات وعقارب في فقار إحداهن مقدار سبعين قلة من السم ، والعقرب منهن مثل البغلة الموكفة ، وإن في جهنم وادياً يدعى : غياً . يسيل قيحاً ودماً .

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل ؟ قال : الصلوات لمواقيتهن . قلت : ثم أي ؟ قال : بر الوالدين قلت : ثم أي ؟ قال : ثم الجهاد في سبيل الله ، ولو استزدته لزادني . وسألته أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال : الشرك بالله قلت : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك أن يطعم معك » فما لبثنا إلا يسيراً حتى أنزل الله { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون } .

وأخرج ابن مردويه عن عون بن عبد الله قال : سألت الأسود بن يزيد هل كان ابن مسعود يفضل عملاً على عمل ؟ قال : نعم .

سألت ابن مسعود قال : سألتني عما سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت « يا رسول الله أي الأعمال أحبها إلى الله وأقربها من الله ؟ قال : الصلاة لوقتها قلت : ثم ماذا على اثر ذلك ؟ قال : ثم بر الوالدين قلت : ثم ماذا على أثر ذلك ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ، ولو استزدته لزادني قلت : فأي الأعمال أبغضها إلى الله وأبعدها من الله ؟ قال : أن تجعل لله نداً وهو خلقك ، وأن تقتل ولدك أن يأكل معك ، وإن تزاني حليلة جارك ، ثم قرأ { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر . . } » .

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل « إن الله ينهاك أن تعبد المخلوق وتذر الخالق ، وينهاك أن تقتل ولدك وتغدو كلبك ، وينهاك أن تزني بحليلة جارك » .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمر في قوله { يلق أثاماً } قال : واد في جهنم .

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد { يلق أثاماً } قال : واد في جهنم من قيح ودم .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : { أثام } أودية في جهنم فيها الزناة .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة { يلق أثاماً } قال : نكالاً . وكنا نحدث أنه واد في جهنم ، وذكر لنا أن لقمان كان يقول : يا بني إياك والزنا فإن أوّله مخافة ، وآخره ندامة .

وأخرج ابن المبارك في الزهد عن شفي الأصبحي قال : إن في جهنم وادياً يدعى : أثاماً . فيه حيات وعقارب في فقار إحداهن مقدار سبعين قلة من السم ، والعقرب منهن مثل البغلة الموكفة .

وأخرج ابن الأنباري عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { يلق أثاماً } ما الأثام ؟ قال : الجزاء قال فيه عامر بن الطفيل :

وروّينا الأسنة من صداء *** ولاقت حمير منا أثاما

وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ( ومن يفعل ذلك يلق أثاماً ) .

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ « يضاعف » بالرفع « له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه » بنصب الياء ورفع اللام .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { ويخلد فيه } يعني في العذاب { مهاناً } يعني يهان فيه .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر } اشتد ذلك على المسلمين فقالوا : ما منا أحد إلا أشرك ، وقتل ، وزنى ، فأنزل الله { يا عبادي الذين أسرفوا . . . } [ الزمر : 53 ] . يقول لهؤلاء الذين أصابوا هذا في الشرك ، ثم نزلت بعده { إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } فأبدلهم الله بالكفر الإِسلام ، وبالمعصية الطاعة ، وبالإنكار المعرفة ، وبالجهالة العلم .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعيد بن جبير قال : نزلت آية من تبارك بالمدينة في شأن قاتل حمزة وحشي وأصحابه كانوا يقولون : إنا لنعرف الإِسلام وفضله فكيف لنا بالتوبة وقد عبدنا الأوثان ، وقتلنا أصحاب محمد ، وشربنا الخمور ، ونكحنا المشركات ؟ ! فأنزل الله فيهم { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر . . } الآية . ثم أنزلت توبتهم { إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } فأبدلهم الله بقتال المسلمين قتال المشركين ، ونكاح المشركات نكاح المؤمنات ، وبعبادة الأوثان عبادة الله .

وأخرج عبد بن حميد عن عامر أنه سئل عن هذه الآية { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر } . قال : هؤلاء كانوا في الجاهلية فأشركوا ، وقتلوا وزنوا . فقالوا : لن يغفر الله لنا . فأنزل الله { إلا من تاب } . قال : كانت التوبة والإِيمان والعمل الصالح ، وكان الشرك والقتل والزنا . كانت ثلاث مكان ثلاث .

وأخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال : قرأنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم سنين { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً } ثم نزلت { إلا من تاب وآمن } فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فرح بشيء قط فرحه بها ، وفرحه بأنا { فتحنا لك فتحاً مبيناً } [ الفتح : 1 ] .

وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك قال : لما نزلت { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر } قال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : كنا أشركنا في الجاهلية ، وقتلنا ، فنزلت { إلا من تاب } .

وأخرج أبو داود في تاريخه عن ابن عباس { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً } ثم استثنى { إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي هريرة قال : « صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العتمة ثم انصرفت ، فإذا امرأة عند بابي فقالت : جئتك أسألك عن عمل عملته هل ترى لي منه توبة ؟ قلت : وما هو ؟ قالت : زنيت وولد لي وقتلته قلت : لا . . ولا كرامة . فقامت وهي تقول : واحسرتاه . . ! أيخلق هذا الجسد للنار ؟ فلما صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الصبح من تلك الليلة قصصت عليه أمر المرأة قال : ما قلت لها ؟ قلت لا . . ولا كرامة قال : بئس ما قلت . أما كنت تقرأ هذه الآية ! { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر } إلى قوله { إلا من تاب } الآية . قال أبو هريرة : فخرجت فما بقيت دار بالمدينة ولا خطة إلا وقفت عليها فقلت : إن كان فيكم المرأة التي جاءت أبا هريرة فلتأت ولتبشر . فلما انصرفت من العشي إذا هي عند بابي فقلت : ابشري إني ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم ما قلت لي ، وما قلت لك فقال : بئس ما قلت أما كنت تقرأ هذه الآية ! وقرأتها عليها فخرجت ساجدة وقالت : أحمد الله الذين جعل لي توبة ومخرجاً ، أشهد أن هذه الجارية لجارية معها وابن لها حران لوجه الله ، وإني قد تبت مما عملت » .