الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ} (173)

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : افصلوا بينهما قوله { للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ، الذين قال لهم الناس } .

وأخرج ابن جرير عن السدي قال : لما ندم أبو سفيان وأصحابه على الرجوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقالوا : ارجعوا فاستأصلوهم . فقذف الله في قلوبهم الرعب فهزموا ، فلقوا أعرابيا فجعلوا له جعلا ، فقالوا له : إن لقيت محمدا وأصحابه فأخبرهم أنا قد جمعنا لهم . فأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم ، فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد ، فلقوا الأعرابي في الطريق فأخبرهم الخبر فقالوا { حسبنا الله ونعم الوكيل } ثم رجعوا من حمراء الأسد . فأنزل الله فيهم وفي الأعرابي الذي لقيهم { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم . . . } الآية .

وأخرج ابن سعد عن ابن أبزى { الذين قال لهم الناس } قال : أبو سفيان . قال لقوم : إن لقيتم أصحاب محمد فأخبروهم أنا قد جمعنا لهم جموعا . فأخبروهم فقالوا { حسبنا الله ونعم الوكيل } .

وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال : استقبل أبو سفيان في منصرفه من أحد عيرا واردة المدينة ببضاعة لهم ، وبينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم جبال فقال : إن لكم علي رضاكم إن أنتم رددتم عني محمدا ومن معه ، إن أنتم وجدتموه في طلبي أخبرتموه أني قد جمعت له جموعا كثيرة ، فاستقبلت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له : يا محمد إنا نخبرك أن أبا سفيان قد جمع لك جموعا كثيرة ، وأنه مقبل إلى المدينة ، وإن شئت أن ترجع فافعل . فلم يزده ذلك ومن معه إلا يقينا { وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } فأنزل الله { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا . . . } الآية .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال " انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصابة من أصحابه بعدما انصرف أبو سفيان وأصحابه من أحد خلفهم حتى إذا كانوا بذي الحليفة ، فجعل الأعراب والناس يأتون عليهم فيقولون لهم : هذا أبو سفيان مائل عليكم بالناس فقالوا { حسبنا الله ونعم الوكيل } فأنزل الله { الذين قال لهم الناس . . . } الآية .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { الذين قال لهم الناس . . . } الآية . قال : إن أبا سفيان كان أرسل يوم أحد أو يوم الأحزاب إلى قريش ، وغطفان ، وهوازن ، يستجيشهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه فقيل : لو ذهب نفر من المسلمين فأتوكم بالخبر ، فذهب نفر حتى إذا كانوا بالمكان الذي ذكر لهم أنهم فيه لم يروا أحدا فرجعوا " .

وأخرج ابن مردويه والخطيب عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى يوم أحد فقيل له : يا رسول الله { إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم } فقال { حسبنا الله ونعم الوكيل } فأنزل الله { الذين قال لهم الناس . . . } الآية " .

وأخرج ابن مردويه عن أبي رافع " أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه عليا في نفر معه في طلب أبي سفيان ، فلقيهم أعرابي من خزاعة فقال : إن القوم قد جمعوا لكم { قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } فنزلت فيهم هذه الآية . . . . " .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم } قال : هذا أبو سفيان قال لمحمد يوم أحد : موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا . فقال محمد صلى الله عليه وسلم : عسى . فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعده حتى نزل بدرا فوافوا السوق فابتاعوا ، فذلك قوله { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء } وهي غزوة بدر الصغرى " .

وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : كانت بدرا متجرا في الجاهلية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم واعد أبا سفيان أن يلقاه بها ، فلقيهم رجل فقال له : إن بهما جمعا عظيما من المشركين . فأما الجبان فرجع . وأما الشجاع فأخذ أهبة التجارة وأهبة القتال . { وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } ثم خرجوا حتى جاؤوها فتسوقوا بها ولم يلقوا أحدا فنزلت { الذين قال لهم الناس } إلى قوله { بنعمة من الله وفضل } .

وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فزادهم إيمانا } قال : الإيمان يزيد وينقص .

وأخرج البخاري والنسائي وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال { حسبنا الله ونعم الوكيل } قالها إبراهيم حين ألقي في النار ، وقالها محمد حين قالوا { إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } .

وأخرج البخاري وابن المنذر والحاكم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال : كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار { حسبنا الله ونعم الوكيل } وقال نبيكم مثلها { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } .

وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن عمرو قال : هي الكلمة التي قالها إبراهيم حين ألقي في النار { حسبنا الله ونعم الوكيل } وهي الكلمة التي قالها نبيكم وأصحابه إذ قيل لهم { إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم } .

وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا { حسبنا الله ونعم الوكيل } " .

وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتد غمه مسح بيده على رأسه ولحيته ثم تنفس الصعداء وقال : حسبي الله ونعم الوكيل " .

وأخرج أبو نعيم عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حسبي الله ونعم الوكيل أمان كل خائف " .

وأخرج الحكيم الترمذي عن بريدة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال عشر كلمات عند كل صلاة غداة وجد الله عندهن مكفيا مجزيا : خمس للدنيا ، وخمس للآخرة : حسبي الله لديني ، حسبي الله لما أهمني ، حسبي الله لمن بغى علي ، حسبي الله لمن حسدني ، حسبي الله لمن كادني بسوء ، حسبي الله عند الموت ، حسبي الله عند المسألة في القبر ، حسبي الله عند الميزان ، حسبي الله عند الصراط ، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب " .