الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَهَبۡ لِي مُلۡكٗا لَّا يَنۢبَغِي لِأَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (35)

أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد في مسنده والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : « ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلا استفتحه بسبحان ربي الأعلى الوهاب » .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله { رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي } يقول : لا أسلبه كما سلبته .

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه { رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي } قال : لا تسلبنيه كما سلبتنيه .

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « عرض لي الشيطان في مصلاي الليلة كأنه هرُّكم هذا ، فأردت أن أحبسه حتى أصبح ، فذكرت دعوة أخي سليمان { رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي } فتركته » .

وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم والنسائي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن عفريتاً جعل يتلفت علي البارحة ليقطع عليَّ صلاتي ، وإن الله تعالى أمكنني منه ، فلقد هممت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا ، فتنظروا إليه كلكم ، فذكرت قول أخي سليمان { رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي } فرده الله خاسئاً .

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « بينا أنا قائم أصلي اعترض الشيطان ، فأخذت حلقه ، فخنقته حتى أني لأجد برد لسانه على أبهامي ، فيرحم الله سليمان لولا دعوته لأصبح مربوطاً تنظرون إليه » .

وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خرجت لصلاة الصبح ، فلقيني شيطان في السدة . سدة المسجد ، فزحمني حتى أني لأجد مس شعره ، فاستمكنت منه ، فخنقته حتى أني لأجد برد لسانه على يدي ، فلولا دعوة أخي سليمان عليه السلام لأصبح مقتولاً تنظرون إليه » .

وأخرج أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قام يصلي صلاة الصبح فقرأ ، فألبست عليه القراءة ، فلما فرغ من صلاته قال : لو رأيتموني وإبليس . فأهويت بيدي ، فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين ، الإِبهام والتي تليها ، ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطاً بسارية من سواري المسجد ، فتلاعب به صبيان المدينة » .

وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن مردويه والبيهقي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مر عليَّ الشيطان ، فتناولته ، فخنقته حتى وجدت برد لسانه على يدي فقال : أوجعتني أوجعتني . . ولولا ما دعا به سليمان لأصبح مناطا إلى اسطوانة من أساطين المسجد ينظر إليه ، وِلْدَانُ أهل المدينة » .

وأخرج الطبراني عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الشيطان أراد أن يمر بين يدي ، فخنقته حتى وجدت برد لسانه على يدي . وأيم الله لولا ما سبق إليه أخي سليمان لربطته إلى سارية من سواري المسجد حتى يطيف به ولدان أهل المدينة » .

وأخرج الحاكم في المستدرك عن عمر بن علي بن حسين قال : مشيت مع عمي وأخي جعفر فقلت : زعموا أن سليمان عليه السلام سأل ربه أن يهبه ملكاً قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لن يعمر ملك في أمة نبي مضى قبله ما بلغ بذلك النبي صلى الله عليه وسلم من العمر في أمته » .

وأخرج عبد بن حميد عن وهب بن منبه رضي الله عنه ، أنه ذكر من ملك سليمان ، وتعظيم ملكه ، أنه كان في رباطه اثنا عشر ألف حصان ، وكان يذبح على غدائه كل يوم سبعين ثوراً ، سوى الكباش ، والطير ، والصيد . فقيل لوهب : أكان يسع هذا ماله ؟ ! قال : كان إذا ملك الملك على بني إسرائيل اشترط عليهم أنهم رقيقه ، وإن أموالهم له ؛ ما شاء أخذ منها ، وما شاء ترك .

وأخرج عبد بن حميد عن أبي خالد البجلي رضي الله عنه قال : بلغني أن سليمان عليه السلام ركب يوماً في موكبه ، فوضع سريره فقعد عليه ، وألقيت كراسي يميناً وشمالاً ، فقعد الناس عليها يلونه ، والجن وراءهم ، ومردة الجن والشياطين وراء الجن . فأرسل إلى الطير ، فأظلته بأجنحتها ، وقال للريح : احملينا يريد بعض مسيره ، فاحتملته الريح وهو على سريره ، والناس على كراسيهم يحدثهم ويحدثونه ، لا يرتفع كرسي ولا يتضع ، والطير تظلهم .

وكان موكب سليمان يسمع من مكان بعيد ، ورجل من بني إسرائيل آخذ مسحاته في زرع له ، قائماً يهيئه إذ سمع الصوت فقال : إن هذا الصوت ما هو إلا لموكب سليمان وجنوده ، فحان من سليمان التفاتة وهو على سريره ، فإذا هو برجل يشتد يبادر الطريق فقال عليه السلام في نفسه : إن هذا الرجل ملهوف ، أو طالب حاجة ، فقال للريح حين وقفت به : قفي . . فوقفت به وبجنود حتى انتهى إليه الرجل وهو منبهر ، فتركه سليمان حتى ذهب بهره ، ثم أقبل عليه فقال ألك حاجة ؟ وقد وقف عليه الخلق فقال : الحاجة جاءت بي إلى هذا المكان يا رسول الله .

إني رأيت الله أعطاك ملكاً لم يعطه أحداً قبلك ولا أراه يعطيه أحداً بعدك ، فكيف تجد ما مضى من ملكك هذه الساعة ؟ قال : أخبرك عن ذاك إني كنت نائماً فرأيت رؤيا ، ثم تنبهت فعبرتها قال : ليس إلا ذاك قال : فأخبرني كيف تجد ما بقي من ملكك الساعة ؟ قال : تسألني عن شيء لم أره قال : فإنما هي هذه الساعة ، ثم انصرف عنه مولياً .

فجلس سليمان عليه السلام ينظر في قفاه ، ويتفكر فيما قاله ، ثم قال للريح إمضي بنا ، فمضت به قال الله { رخاء حيث أصاب } قال : الرخاء التي ليست بالعاصف ، ولا باللينة وسطاً ، قال الله تعالى { غدوها شهر ورواحها شهر } [ سبأ : 12 ] ليست بالعاصف التي تؤذيه ، ولا باللينة التي تشق عليه .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن سلمان بن عامر الشيباني رضي الله عنه قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أرأيتم سليمان ، وما أعطاه الله تعالى من ملكه ، فلم يكن يرفع طرفه إلى السماء تخشعاً حتى قبضه الله تعالى » .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما رفع سليمان عليه السلام طرفه إلى السماء تخشعاً حيث أعطاه الله تعالى ما أعطاه » .

وأخرج أحمد في الزهد عن عطاء رضي الله عنه قال : كان سليمان عليه السلام يعمل الخوص بيده ، ويأكل خبز الشعير ، ويطعم بني إسرائيل الحواري .