الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا سُلَيۡمَٰنَ وَأَلۡقَيۡنَا عَلَىٰ كُرۡسِيِّهِۦ جَسَدٗا ثُمَّ أَنَابَ} (34)

أخرج الفريابي والحكيم الترمذي والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً } قال : هو الشيطان الذي كان على كرسيه يقضي بين الناس أربعين يوماً ، وكان لسليمان عليه السلام امرأة يقال لها جرادة ، وكان بين بعض أهلها وبين قوم خصومة ، فقضى بينهم بالحق إلا أنه ودَّ أن الحق كان لأهلها ؛ فأوحى الله تعالى إليه : أنه سيصيبك بلاء ، فكان لا يدري يأتيه من السماء أم من الأرض .

وأخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم بسند قوي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أراد سليمان عليه السلام أن يدخل الخلاء ، فأعطى الجرادة خاتمه ، وكانت جرادة امرأته ، وكانت أحب نسائه إليه ، فجاء الشيطان في صورة سليمان ، فقال لها : هاتي خاتمي ، فأعطته ، فلما لبسه دانت له الجن والإِنس والشياطين ، فلما خرج سليمان عليه السلام من الخلاء قال لها : هاتي خاتمي . فقالت : قد أعطيته سليمان قال : أنا سليمان قالت : كذبت لست سليمان . فجعل لا يأتي أحداً يقول أنا سليمان إلا كذبه حتى جعل الصبيان يرمونه بالحجارة ، فلما رأى ذلك عرف أنه من أمر الله عز وجل ، وقام الشيطان يحكم بين الناس .

فلما أراد الله تعالى أن يرد على سليمان عليه السلام سلطانه ، ألقى في قلوب الناس إنكار ذلك الشيطان ، فأرسلوا إلى نساء سليمان عليه السلام فقالوا لهن : أيكون من سليمان شيء ؟ قلن : نعم . إنه يأتينا ونحن حيض ، وما كان يأتينا قبل ذلك .

فلما رأى الشيطان أنه قد فطن له ، ظن أن أمره قد انقطع ، فكتبوا كتباً فيها سحر ومكر ، فدفنوها تحت كرسي سليمان ، ثم أثاروها وقرأوها على الناس قالوا : بهذا كان يظهر سليمان على الناس ويغلبهم ، فأكفر الناس سليمان ، فلم يزالوا يكفرونه ، وبعث ذلك الشيطان بالخاتم ، فطرحه في البحر ، فتلقته سمكة فأخذته ، وكان سليمان عليه السلام يعمل على شط البحر بالأجر ، فجاء رجل فاشترى سمكاً فيه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم ، فدعا سليمان عليه السلام فقال : تحمل لي هذه السمك ؟ ثم انطلق إلى منزله ، فلما انتهى الرجل إلى باب داره ، أعطاه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم ، فأخذها سليمان عليه السلام ، فشق بطنها فإذا الخاتم في جوفها ، فأخذه فلبسه ، فلما لبسه دانت له الإنس والجن والشياطين ، وعاد إلى حاله ، وهرب الشيطان حتى لحق بجزيرة من جزائر البحر ، فأرسل سليمان عليه السلام في طلبه ، وكان شيطاناً مريداً يطلبونه ولا يقدرون عليه ، حتى وجدوه يوماً نائماً ، فجاؤوا فنقبوا عليه بنياناً من رصاص ، فاستيقظ ، فوثب ، فجعل لا يثبت في مكان من البيت إلا أن دار معه الرصاص ، فأخذوه وأوثقوه وجاؤوا به إلى سليمان عليه السلام ، فأمر به فنقر له في رخام ، ثم أدخل في جوفه ، ثم سد بالنحاس ، ثم أمر به فطرح في البحر .

فذلك قوله { ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً } يعني الشيطان كان تسلط عليه .

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أربع آيات من كتاب الله لم أدر ما هي حتى سألت عنهن كعب الأحبار رضي الله عنه في قوله { قوم تبع } [ الدخان : 73 ] في القرآن ، ولم يذكر تبع فقال : إن تبعاً كان ملكاً ، وكان قومه كهاناً ، وكان في قومه قوم من أهل الكتاب ، وكان الكهان يبغون على أهل الكتاب ويقتلون تابعهم فقال أهل الكتاب لتبع : أنهم يكذبون علينا فقال تبع : إن كنتم صادقين فقربوا قرباناً فأيكم كان أفضل أكلت النار قربانه . فقرب أهل الكتاب والكهان ، فنزلت نار من السماء ، فأكلت قربان أهل الكتاب ، فأتبعهم تبع فأسلم . فلهذا ذكر الله قومه في القرآن ولم يذكره قال ابن عباس رضي الله عنه وسألته عن قوله { وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب } قال : الشيطان أخذ خاتم سليمان عليه السلام الذي فيه ملكه ، فقذف به في البحر ، فوقع في بطن سمكة ، فانطلق سليمان يطوف إذ تصدق عليه بتلك السمكة ، فاشتواها فأكلها ، فإذا فيها خاتمه ، فرجع إليه ملكه .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب } قال : صخر الجني . مثل على كرسيه على صورته .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه قال : أمر سليمان عليه السلام ببناء بيت المقدس فقيل له : ابنه ولا يسمع فيه صوت حديد ، فطلب ذلك ، فلم يقدر عليه ، فقيل له إن شيطاناً يقال له صخر شبه المارد ، فطلبه وكانت عين في البحر يردها في كل سبعة أيام مرة ، فنزح ماءها وجعل فيها خمراً ، فجاء يوم وروده فإذا هو بالخمر فقال : إنك لشراب طيب ، تصيب من الحليم ، وتزيد من الجاهل جهلاً ثم جفل حتى عطش عطشاً شديداً ، ثم أتاها ، فشربها حتى غلب على عقله ، فأوتي بالخاتم ، فختم بين كتفيه ، فذل وكان ملكه في خاتمه ، فأتي به سليمان فقال : أنا قد أمرنا ببناء هذا البيت فقيل لنا : لا تسمعن فيه صوت حديد ، فأتى ببيض الهدهد ، فجعل عليه زجاجة ، فجاء الهدهد فدار حولها ، فجعل يرى بيضه ولا يقدر عليه ، فذهب فجاء بألماس ، فوضعها عليه ، فقطعها حتى أفضى إلى بيضه ، فأخذوا الماس ، فجعلوا يقطعون به الحجارة .

وكان سليمان عليه السلام إذا أراد أن يدخل الخلاء أو الحمام لم يدخل بخاتمه . فانطلق يوماً إلى الحمام ، وذلك الشيطان صخر معه ، فدخل الحمام ، وأعطى الشيطان خاتمه ، فألقاه في البحر ، فالتقمته سمكة ، ونزع ملك سليمان عليه السلام منه ، وألقى على الشيطان شبه سليمان ، فجاء فقعد على كرسيه ، وسلط على ملك سليمان كله غير نسائه ، فجعل يقضي بينهم أربعين يوماً حتى وجد سليمان عليه السلام خاتمه في بطن السمكة فأقبل ، فجعل لا يستقبله جني ولا طير إلا سجد له حتى انتهى إليهم { وألقينا على كرسيه جسداً } قال : هو الشيطان صخر { ثم أناب } قال : تاب ثم أقبل يعني سليمان .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه { وألقينا على كرسيه جسداً } قال : شيطاناً يقال له آصف . فقال له سليمان : كيف تفتنون الناس ؟ قال أرني خاتمك أخبرك . فلما أعطاه إياه نبذه آصف في البحر ، فساح سليمان عليه السلام ، وذهب ملكه ، وقعد آصف على كرسيه ، ومنعه الله تعالى نساء سليمان عليه السلام فلم يقربهن ولا يقربنه وأنكرنه ، وأنكر الناس أمر سليمان عليه السلام .

وكان سليمان عليه السلام يستطعم فيقول : أتعرفوني أنا سليمان ؟ فيكذبوه حتى أعطته امرأة يوماً حوتاً ، وطيب بطنه ، فوجد خاتمه في بطنه ، فرجع إليه ملكه ، وفر الشيطان فدخل البحر فاراً .

وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ولد لسليمان ولد فقال للشيطان : تواريه من الموت ؟ قالوا نذهب به إلى المشرق . فقال يصل إليه الموت . قالوا فإلى المغرب . قال يصل إليه . قالوا إلى البحار . قال يصل إليه الموت . قال نضعه بين السماء والأرض ، ونزل عليه ملك الموت فقال : إني أمرت بقبض نسمة طلبتها في البحار ، وطلبتها في تخوم الأرض ؛ فلم أصبها ، فبينا أنا صاعد أصبتها ، فقبضتها وجاء جسده حتى وقع على كرسي سليمان ، فهو قول الله { ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب } » .

وقال ابن سعد رضي الله عنه ، أخبرنا الواقدي ، حدثنا معشر عن المقبري : أن سليمان بن داود عليه السلام قال : لأطوفن الليلة بمائة امرأة من نسائي ، فتأتي كل امرأة منهن بفارس يجاهد في سبيل الله . ولم يستثنِ ولو استثنى لكان ، فطاف على مائة امرأة ، فلم تحمل امرأة إلا امرأة واحدة ، حملت بشق إنسان ولم يكن شيء أحب إلى سليمان من تلك الشقة .

قال وكان أولاده يموتون ، فجاء ملك الموت في صورة رجل ، فقال له سليمان عليه السلام : إن استطعت أن تؤخر إبني هذا ثمانية أيام إذا جاءه أجله فقال : لا . ولكن أخبرك قبل موته بثلاثة أيام . قال لمن عنده من الجن : أيكم يُخَبِّىء لي ابني هذا ؟ قال أحدهم ؟ أنا أخبؤه لك في المشرق قال : ممن تخبئوه ؟ قال : من ملك الموت . قال يبصره . قال آخر : أنا أخبؤه لك بين قرينين لا يريان . قال سليمان عليه السلام إن كان شيء فهذا .

فلما جاء أجله ، نظر ملك الموت في الأرض ، فلم يره في مشرقها ، ولا في مغربها ، ولا شيء من البحار ، ورآه بين قرينين ، فجاءه ، فأخذه ، فقبض روحه على كرسي سليمان . فذلك قوله { ولقد فتنا سليمان } وهو قول الله { وألقينا على كرسيه جسداً } " .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : بينما سليمان بن داود جالساً على شاطئ البحر ، وهو يعبث بخاتمه إذ سقط منه في البحر ، وكان ملكه في خاتمه ، فانطلق وخلف شيطاناً في أهله ، فأتى عجوزاً ، فأوى إليها ، فقالت له العجوز : إن شئت أن تنطلق فتطلب وأكفيك عمل البيت ، وإن شئت أن تكفيني عمل البيت وانطلق فالتمس . قال : فانطلق يلتمس ، فأتى قوماً يصيدون السمك ، فجلس إليهم ، فنبذوا سمكات ، فانطلق بهن حتى أتى العجوز ، فأخذت تصلحه ، فشقت بطن سمكة ، فإذا فيها الخاتم ، فأخذته وقالت لسليمان عليه السلام : ما هذا ؟ فأخذه سليمان عليه السلام ، فلبسه ، فأقبلت إليه الشياطين ، والإنس ، والجن ، والطير ، والوحش ، وهرب الشيطان الذي خلف في أهله ، فأتى جزيرة في البحر ، فبعث إليه الشياطين فقالوا : لا نقدر عليه أنه يرد عيناً في جزيرة في البحر في سبعة أيام ، ولا نقدر عليه حتى يسكر .

قال فصب له في تلك العين خمراً ، فأقبل فشرب فسكر ، فأروه الخاتم فقال : سمعاً وطاعة ، فأوثقه سليمان عليه السلام ، ثم بعث به إلى جبل ، فذكروا أنه جبل الدخان ، فالدخان الذي يرون من نفسه ، والماء الذي يخرج من الجبل بوله .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن { وألقينا على كرسيه جسداً } قال : هو الشيطان . دخل سليمان عليه السلام الحمام ، فوضع خاتمه عند امرأة من أوثق نسائه في نفسه ، فأتاها الشيطان ، فتمثل لها على صورة سليمان عليه السلام ، فأخذ الخاتم منها ، فلما خرج سليمان عليه السلام أتاها فقال لها : هاتي الخاتم فقالت : قد دفعته إليك . قال ما فعلت . . ! فهرب سليمان عليه السلام وجلس الشيطان على ملكه ، وانطلق سليمان عليه السلام هارباً في الأرض يتتبع ورق الشجر خمسين ليلة ، فأنكر بنو إسرائيل أمر الشيطان ، فقال بعضهم لبعض : هل تنكرون من أمر ملككم ما ننكر عليه ؟ قالوا : نعم . قال أما لقد هلكتم أنتم العامة ، وأما قد هلك ملككم ، فقالوا : والله إن عندكم من هذا الخبر ، نساؤه معكم ، فاسألوهن ، فإن كن أنكرن ما أنكرنا فقد ابتلينا . فسألوهن ، فقلن : أي والله لقد أنكرنا .

فلما انقضت مدته انطلق سليمان عليه السلام حتى أتى ساحل البحر ، فوجد صيادين يصيدون السمك ، فصادوا سمكاً كثيراً غلبهم بعضه ، فألقوه فأتاهم سليمان عليه السلام ، فاستطعمهم ، فأعطوه تلك الحيتان قال : لا بل أطعموني من هذا ، فأبوا فقال : أطعموني فإني سليمان ، فوثب إليه بعضهم بالعصا فضربه غضباً لسليمان ، فأتى إلى تلك الحيتان التي ألقوا ، فأخذ منها حوتين ، فانطلق بهما إلى البحر ، فغسلهما فشق بطن أحدهما ، فإذا فيه الخاتم ، فأخذه فجعله في يده ، فعاد في ملكه ، فجاءه الصيادون يبيعون إليه فقال لهم : لقد كنت استطعمتكم فلم تطعموني ، فلم أظلمكم إذا هنتموني ، ولم أحمدكم إذا أكرمتموني .

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان سليمان عليه السلام إذا دخل الخلاء أعطى خاتمه أحب نسائه إليه ، فإذا هو قد خرج وقد وضع له وضوءه فدفع خاتمه إلى امرأته ، فلبث ما شاء الله .

وخرج عليها شيطان في صورة سليمان ، فدفعت الخاتم إليه ، فضاق ذرعاً به ، فألقاه في البحر ، فالتقمته سمكة ، فخرج سليمان عليه السلام على امرأته ، فسألها الخاتم فقالت : قد دفعته إليك . فعلم سليمان عليه السلام أنه قد ابتلى ، فخرج وترك ملكه ، ولزم البحر ، فجعل يجوع ، فأتى يوماً على صيادين قد صادوا سمكاً بالأمس فنبذوه ، وصادوا يومهم سمكاً فهو بين أيديهم ، فقام عليهم سليمان عليه السلام فقال : أطعموني بارك الله فيكم ، فإني ابن سبيل ، فلم يلتفتوا إليه ، ثم عاد فقال لهم : مثل ذلك ، فرفع رجل منهم رأسه إليه فقال : ائت ذلك السمك فخذ منه سمكة ، فأتاه سليمان عليه السلام فأخذ منه أدنى سمكة ، فلما أخذها إذا فيها ريح ، فأتى بها البحر ، فغسلها وشق بطنها فإذا هو بخاتمه ، فحمد الله وأخذه فتختم به ، ونطق كل شيء كان حوله من جنوده ، وفزع الصيادون لذلك ، فقاموا إليه ، وحيل بينهم ولم يصلوا إليه ، ورد الله إليه ملكه .

وأخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي من طريق علي بن زيد عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن سليمان بن داود عليه السلام احتجب عن الناس ثلاثة أيام ، فأوحى الله إليه أن يا سليمان احتجبت عن الناس ثلاثة أيام ، فلم تنظر في أمور العباد ، ولم تنصف مظلوماً من ظالم .

وكان ملكه في خاتمه ، وكان إذا دخل الحمام وضع خاتمه تحت فراشه . فجاء الشيطان فأخذه ، فأقبل الناس على الشيطان فقال سليمان : يا أيها الناس أنا سليمان نبي الله ، فدفعوه ، فساح أربعين يوماً ، فأتى أهل سفينة ، فأعطوه حوتاً فشقها ، فإذا هو بالخاتم فيها ، فتختم به ، ثم جاء فأخذ بناصيته فقال عند ذلك { رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي } .

قال وكان أول من أنكره نساؤه . فقال بعضهم لبعض : أتنكرون منه شيئاً ؟ قلن : نعم . وكان يأتيهن وهن حيض فقال علي : فذكرت ذلك للحسن فقال : ما كان الله يسلطه على نسائه .

وأخرج عبد بن حميد عن عبد الرحمن بن رافع رضي الله عنه قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : « حدث عن فتنة سليمان عليه السلام قال : إنه كان في قومه رجل كعمر بن الخطاب في أمتي ، فلما أنكر حال الجان الذي كان مكانه أرسل إلى أفاضل نسائه ، فقال : هل تنكرن من صاحبكن شيئاً ؟ قلن : نعم . كان لا يأتينا حيضاً ، وهذا يأتينا حيضاً ، فاشتمل على سيفه ليقتله ، فرد الله على سليمان ملكه ، فأقبل فوجده في مكانه ، فأخبره بما يريد » .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما { ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً } قال : الجسد الشيطان الذي كان دفع سليمان عليه السلام إليه خاتمه ، فقذفه في البحر ، وكان ملك سليمان عليه السلام في خاتمه ، وكان اسم الجني صخراً .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه { وألقينا على كرسيه جسداً } قال : الجسد الشيطان الذي كان دفع إليه سليمان خاتمه شيطاناً يقال له آصف .

وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه في قوله { وألقينا على كرسيه جسداً } قال : الشيطان حين جلس على كرسيه أربعين يوماً . كان لسليمان عليه السلام مائة امرأة ، وكانت امرأة منهن يقال لها جرادة ، وهي آثر نسائه عنده وآمنهن ، وكان إذا أجنب أو أتى حاجة نزع خاتمه ، ولم يأتمن عليه أحداً من الناس غيرها ، فجاءته يوماً من الأيام فقالت : إن أخي بينه وبين فلان خصومة ، وأنا أحب أن تقضي له إذا جاءك فقال : نعم . ولم يفعل ، وابتلى فأعطاها خاتمه ، ودخل المخرج ، فخرج الشيطان في صورته فقال : هات الخاتم . فأعطته فجاء حتى جلس على مجلس سليمان ، وخرج سليمان عليه السلام بعد ، فسألها أن تعطيه خاتمه ، فقالت : ألم تأخذه قبل ؟ قال : لا .

قال وخرج مكانه تائهاً ، ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوماً ، فأنكر الناس أحكامه ، فاجتمع قراء بني إسرائيل وعلماؤهم ، فجاؤوا حتى دخلوا على نسائه فقالوا : إنا قد أنكرنا هذا ، وأقبلوا يمشون حتى أتوه ، فأحدقوا به ، ثم نشروا فقرأوا التوراة ، فطار من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه ، ثم طار حتى ذهب إلى البحر ، فوقع الخاتم منه في البحر ، فابتلعه حوت من حيتان البحر .

وأقبل سليمان في حالته التي كان فيها حتى انتهى إلى صياد من صيادي البحر وهو جائع ، فاستطعمه من صيدهم ، فأعطاه سمكتين ، فقام إلى شط البحر ، فشق بطونهما ، فوجد خاتمه في بطن إحداهما ، فأخذه فلبسه ، فرد الله عليه بهاءه وملكه . فأرسل إلى الشيطان ، فجيء به فأمر به ، فجعل في صندوق من حديد ، ثم أطبق عليه ، وأقفل عليه بقفل ، وختم عليه بخاتمه ، ثم أمر به فألقي في البحر . فهو فيه حتى تقوم الساعة ، وكان اسمه حبقيق .

وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { ثم أناب } قال : دخل سليمان على امرأة تبيع السمك ، فاشترى منها سمكة ، فشق بطنها ، فوجد خاتمه ، فجعل لا يمر على شجرة ، ولا على شيء إلا سجد له ، حتى أتى ملكه وأهله . فذلك قوله { ثم أناب } يقول : ثم رجع .