الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَإِذَا رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَلَا تَقۡعُدۡ بَعۡدَ ٱلذِّكۡرَىٰ مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (68)

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا } ونحو هذا في القرآن قال : أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة ، وأخبرهم إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم } قال : نهاه الله أن يجلس مع الذين يخوضون في آيات الله يكذبون بها ، فإن نسى فلا يقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا } قال : يستهزئون بها ، نهى محمد صلى الله عليه وسلم أن يقعد معهم إلا أن ينسى ، فإذا ذكر فليقم ، وذلك قول الله { فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين } .

وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك وسعيد بن جبير في قوله { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا } قال : الذين يكذبون بآياتنا يعني المشركين { وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى } بعد ما تذكر . قال : إن نسيت فذكرت فلا تجلس معهم { وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء } قال : ما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك { ولكن ذكرى لعلهم يتقون } ذكروهم ذلك وأخبروهم أنه يشق عليكم مساءتكم ، ثم أنزل الله { وقد نزل عليكم في الكتاب } [ النساء : 140 ] الآية .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : كان المشركون إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن فسبوه واستهزأوا به ، فأمرهم الله أن لا يقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن سيرين في قوله { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا } قال : كان يرى أن هذه الآية نزلت في أهل الأهواء .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر قال : لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن محمد بن علي قال : أن أصحاب الأهواء من الذين يخوضون في آيات الله .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عي ابن جريج قال : كان المشركون يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحبون أن يسمعوا منه ، فإذا سمعوا استهزأوا ، فنزلت { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم . . . . } الآية . قال فجعلوا إذا استهزأوا قام فحذروا ، وقالوا : لا تستهزأوا فيقوم ، فذلك قوله { لعلهم يتقون } إن يخوضوا فيقوم ، ونزل { وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء } أن تقعد معهم ولكن لا تعقد ، ثم نسخ ذلك قوله بالمدينة { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم } [ النساء : 140 ] إلى قوله { إنكم إذاً مثلهم } [ النساء : 140 ] نسخ قوله { وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء } الآية .

وأخرج الفريابي وأبو نصر السجزي في الإِبانة عن مجاهد في قوله { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا } قال : هم أهل الكتاب ، نهى أن يقعد معهم إذا سمعهم يقولون في القرآن غير الحق .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي وائل قال : إن الرجل ليتكلم بالكلمة من الكذب ليضحك بها جلساءه فيسخط الله عليه ، فذكر ذلك لإِبراهيم النخعي فقال : صدق ، أو ليس ذلك في كتاب الله { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم . . . } الآية .

وأخرج أبو الشيخ عن مقاتل قال : كان المشركون بمكة إذا سمعوا القرآن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاضوا واستهزأوا ، فقال المسلمون : لا يصلح لنا مجالستهم نخاف أن نخرج حين نسمع قولهم ونجالسهم فلا نعيب عليهم ، فأنزل الله في ذلك { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم . . . } الآية .

وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا . . . } الآية . قال : نسختها هذه الآية التي في سورة النساء { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها } [ النساء : 140 ] الآية . ثم أنزل بعد ذلك { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] .