قوله : { وَإِذَا رَأَيْتَ الذين يَخُوضُونَ فِي آياتنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، أو لكل من يصلح له . والخوض : أصله في الماء ثم استعمل في غمرات الأشياء التي هي مجاهل تشبيها بغمرات الماء ، فاستعير من المحسوس للمعقول . وقيل : هو مأخوذ من الخلط ، وكل شيء خضته فقد خلطته ، ومنه خاض الماء بالعسل : خلطه . والمعنى : إذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا بالتكذيب والردّ والاستهزاء فدعهم ، ولا تقعد معهم لسماع مثل هذا المنكر العظيم حتى يخوضوا في حديث مغاير له ، أمره الله سبحانه بالإعراض عن أهل المجالس التي يستهان فيها بآيات الله إلى غاية هي الخوض في غير ذلك .
وفي هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسمح بمجالسة المبتدعة ، الذين يحرّفون كلام الله ، ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله ، ويردّ ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة ، فإنه إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه فأقلّ الأحوال أن يترك مجالستهم ، وذلك يسير عليه غير عسير . وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزّهه عما يتلبسون به شبهة يشبهون بها على العامة ، فيكون في حضوره مفسدة زائدة على مجرد سماع المنكر .
وقد شاهدنا من هذه المجالس الملعونة ما لا يأتي عليه الحصر ، وقمنا في نصرة الحق ودفع الباطل بما قدرنا عليه ، وبلغت إليه طاقتنا ، ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها ، علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما في مجالسة من يعصي الله بفعل شيء من المحرّمات ، ولا سيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة ، فإنه ربما ينفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان بأوضح مكان ، فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ويعسر دفعه ، فيعمل بذلك مدّة عمره ويلقى الله به معتقداً أنه من الحق ، وهو من أبطل الباطل وأنكر المنكر .
قوله : { وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشيطان فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذكرى } «إما » هذه هي الشرطية وتلزمها غالباً نون التأكيد ولا تلزمها نادراً ، ومنه قول الشاعر :
إما يصبك عدوّ في منازله *** يوماً فقل كيف يستعلي وينتصر
وقرأ ابن عباس «ينسينك » بتشديد السين ، ومثله قول الشاعر :
وقد ينسيك بعض الحاجة الكسل *** . . .
والمعنى : إن أنساك الشيطان أن تقوم عنهم فلا تقعد بعد الذكرى إذا ذكرت { مَعَ القوم الظالمين } أي الذين ظلموا أنفسهم بالاستهزاء بالآيات والتكذيب بها . قيل : وهذا الخطاب وإن كان ظاهره للنبي صلى الله عليه وسلم فالمراد التعريض لأمته لتنزّهه عن أن ينسيه الشيطان . وقيل : لا وجه لهذا ، فالنسيان جائز عليه كما نطقت بذلك الأحاديث الصحيحة " إنما أنا بشر أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني " ونحو ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.