قوله تعالى : { وَإِذَا رَأَيْتَ } : " إذا " منصوب بجوابها وهو " فأعرضْ " أي : أعرضْ عنهم في هذا الوقت ، و " رأيت " هنا تحتمل أن تكون البَصرية وهو الظاهر ولذلك تعدَّت لواحد . قال الشيخ : " ولا بد من تقدير حالٍ محذوفة أي : رأيت الذين يخوضون في آياتنا وهم خائضون فيها ، أي : وإذا رأيتم ملتبسين بالخوض فيها " انتهى . قلت : ولا حاجةَ إلى ذلك لأنَّ قوله " يخوضون " مضارع والراجح حاليَّتُه ، وأيضاً فإن " الذين يخوضون " في قوة الخائضين ، واسم الفاعل حقيقةٌ في الحال بلا خلاف ، فيُحمل هذا على حقيقته ، فيُستغنى عن حذف هذه الحال التي قَدَّرها وهي حال مؤكدة . ويحتمل أن تكون عِلْميَّة ، وضعَّفه الشيخ بأنه يلزم منه حَذْفُ المفعول الثاني ، وحذفه : إمَّا اقتصارٌ وإمَّا اختصار ، فإن كان الأول فممنوعٌ انفاقاً ، وإن كان الثاني فالصحيح المنع حتى منع ذلك بعض النحويين .
قوله : { غَيْرِهِ } الهاء فيها وجهان ، أحدهما : أنه تعود على الآيات ، وعاد مفرداً مذكراً ؛ لأن الآيات في معنى الحديث والقرآن . وقيل : إنها تعود على الخوض أي : المدلول عليه بالفعل كقوله :
إذا نُهِي السَّفيهُ جرى إليه *** وخالف والسفيهُ إلى خلافِ
أي : جرى إلى السَّفه ، دل عليه الصفة كما دل الفعل على مصدره أي : حتى يخوضوا في حديث غيرِ الخوض .
قوله : { يُنسِيَنَّكَ } قراءة العامة : " يُنْسِيَنَّك " بتخفيف السين من " أنساه " كقوله : { وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ } [ الكهف : 63 ] { فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ }
[ يوسف : 42 ] . وقرأ ابن عامر بتشديدها مِنْ " نَسَّاه " والتعدّي جاء في هذا الفعلِ بالهمزة مرةً وبالتضعيف أخرى كما تقدم في أنجى ونجَّى ، وأمهل ومهَّل . والمفعول الثاني محذوف في القراءتين ، تقديره : وإمَّا يُنْسِيَنَّك الشيطان الذكرَ أو الحق . والأحسنُ أن تقدِّر ما يليق بالمعنى أي : وإمَّا يُنْسِيَنَّك الشيطان ما أُمِرْت به من تَرْك مجالسه الخائضين بعد تذكيرك فلا تقعد بعد ذلك معهم ، وإنما أبرازهم ظاهرين تسجيلاً عليهم بصفة الظلم ، وجاء الشرط الأول ب " إذا " لأنَّ خوضهم في الآيات محقق ، وفي الشرط الثاني ب " إنْ " لأنَّ إنساءَ الشيطان له ليس أمراً محققاً بل قد يقع وقد لا يقع وهو معصومٌ منه .
ولم يَجِيءْ مصدرٌ على فِعْلى غيرُ " ذكرى " وقال ابن عطية : " وإمَّا " شرط ، ويلزمُها في الأغلب النون الثقيلة ، وقد لا تلزم ، كقوله :
إمَّا يُصيبْكَ عدوٌّ في مُنَاوَأَةٍ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وهذا الذي ذكره مِنْ لزوم التوكيد هو مذهب الزجاج ، والناس على خلافه وأنشدوا ما أنشده ابن عطية وأبياتاً أُخَرَ ذكرتها في " شرح التسهيل " كقوله :
إمَّا تَرَيْني اليومَ أمَّ حَمْزِ
على أني قد ضممت كثيراً من أطراف هذه المسألة في أوائل البقرة ، إلا أن أحداً لم يقل يلزم توكيده بالثقيلة دون الخفيفة ، وإن كان ظاهر عبارة أبي محمد ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.