الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَإِذَا رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَلَا تَقۡعُدۡ بَعۡدَ ٱلذِّكۡرَىٰ مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (68)

قوله تعالى : { وَإِذَا رَأَيْتَ الذين يَخُوضُونَ فِي آياتنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حتى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ }[ الأنعام :68 ] .

هذا خطابٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنون داخلُونَ في الخطاب معه ، هذا هو الصحيحُ ، لأنَّ علَّة النهْي ، وهي سماعُ الخَوْض في آياتِ اللَّه ، تَشْمَلُهُمْ وإيَّاه ، فأُمِرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هو والمؤمنون أنْ ينابذُوا الكُفَّار بالقيام عنهم ، إذا استهزءوا وخاضوا ، ليتأدَّبوا بذلك ، ويدَعُوا الخَوْضَ والاستهزاءَ ، قلْتُ : ويدلُّ على دخولِ المؤمنينَ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الخطابِ قولُهُ تعالى : { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكتاب أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيات الله يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حتى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } [ النساء : 140 ] ، انتهى .

والخَوْضُ : أصله في الماءِ ، ثم يستعملُ بعدُ في غمرات الأشياء التي هي مجاهلُ ، تشبيهاً بغَمَرَات الماء .

{ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ } : ( إما ) : شرط ، وتلزمها النونُ الثقيلة في الأغلب ، وقرأ ابن عامر وحده : ( يُنَسِّيَنَّكَ ) بتشديدِ السينِ ، وفتحِ النونِ ، والمعنى واحدٌ ، إلا أن التشديد أكثر مبالغةً ، و{ الذكرى } والذِّكْر واحدٌ في المعنى ، ووصْفُهم ب { الظالمين } متمكِّن ، لأنهم وضعوا الشيء في غير موضعه ، و{ أَعْرِضْ } ، في هذه الآية : بمعنى المفارقة على حقيقة الإعراض ، وأكملِ وجوهه ، ويدُلُّ على ذلك : { فَلاَ تَقْعُدْ } .