فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٖ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ} (117)

{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } أي : ما صحّ ولا استقام أن يهلك الله سبحانه أهل القرى بظلم يتلبسون به وهو الشرك ، والحال أن أهلها مصلحون فيما بينهم في تعاطي الحقوق لا يظلمون الناس شيئاً . والمعنى : أنه لا يهلكهم بمجرد الشرك وحده حتى ينضمّ إليه الفساد في الأرض ، كما أهلك قوم شعيب بنقص المكيال والميزان وبخس الناس أشياءهم ، وأهلك قوم لوط بسبب ارتكابهم للفاحشة الشنعاء .

وقيل : إن قوله : { بِظُلْمٍ } حال من الفاعل . والمعنى : وما كان الله ليهلك القرى ظالماً هم حال كونهم مصلحين غير مفسدين في الأرض ، ويكون المراد بالآية تنزيهه سبحانه وتعالى عن صدور ذلك منه بلا سبب يوجبه ، على تصوير ذلك بصورة ما يستحيل منه ، وإلا فكل أفعاله كائنة ما كانت لا ظلم فيها ، فإنه سبحانه ليس بظلام للعبيد . قال الزجاج : يجوز أن يكون المعنى : وما كان ربك ليهلك أحداً وهو يظلمه ، وإن كان على نهاية الصلاح ، لأن تصرفه في ملكه ، دليله قوله تعالى : { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ الناس شَيْئًا } وقيل : المعنى : وما كان ليهلكهم بذنوبهم وهم مصلحون : أي مخلصون في الإيمان ، فالظلم المعاصي على هذا .

/خ123