هذا عود إلى أحوال الأمم الخالية لبيان أن سبب حلول عذاب الاستئصال بهم أنه ما كان فيهم من ينهى عن الفساد ويأمر بالرشاد ، فقال : { فَلَوْلا } أي : فهلا { كَانَ مِنَ القرون } الكائنة { مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ } من الرأي والعقل والدين { يَنْهَوْنَ } قومهم { عَنِ الفساد فِي الأرض } ويمنعونهم من ذلك ، لكونهم ممن جمع الله له بين جودة العقل ، وقوّة الدين ، وفي هذا من التوبيخ للكفار ما لا يخفى . والبقية في الأصل لما يستبقيه الرجل مما يخرجه ، وهو لا يستبقي إلا أجوده وأفضله ، فصار لفظ البقية مثلاً في الجودة ، والاستثناء في { إِلاَّ قَلِيلاً } منقطع : أي : لكن قليلاً { ممن أنجينا منهم } ينهون عن الفساد في الأرض . وقيل : هو متصل لأن في حرف التحضيض معنى النفي ، فكأنه قال : ما كان في القرون أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم ، ومن في ممن أنجينا بيانية ، لأنه لم ينج إلا الناهون . قيل : هؤلاء القليل هم قوم يونس لقوله فيما مر : { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ } وقيل : هم أتباع الأنبياء وأهل الحق من الأمم على العموم { واتبع الذين ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ } معطوف على مقدّر يقتضيه الكلام ، تقديره : إلا قليلاً ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد . والمعنى : أنه اتبع الذين ظلموا بسبب مباشرتهم الفساد وتركهم للنهي عنه ما أترفوا فيه . والمترف : الذي أبطرته النعمة ، يقال : صبيّ مترف : منعم البدن ، أي صاروا تابعين للنعم التي صاروا بها مترفين من خصب العيش ، ورفاهية الحال وسعة الرزق ، وآثروا ذلك على الاشتغال بأعمال الآخرة واستغرقوا أعمارهم في الشهوات النفسانية ؛ وقيل المراد بالذين ظلموا : تاركو النهي . وردّ بأنه يستلزم خروج مباشري الفساد عن الذين ظلموا وهم أشدّ ظلماً ممن لم يباشر ، وكان ذنبه ترك النهي . وقرأ أبو عمرو في رواية عنه : «وأتبع الذين ظلموا » على البناء للمفعول ، ومعناه : اتبعوا جزاء ما أترفوا فيه ، وجملة : { وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ } متضمنة لبيان سبب إهلاكهم ، وهي معطوفة على أترفوا : أي وكان هؤلاء الذين أتبعوا ما أترفوا فيه مجرمين ، والإجرام : الأثام . والمعنى : أنهم أهل إجرام بسبب اتباعهم الشهوات ، واشتغالهم بها عن الأمور التي يحق الاشتغال بها ، ويجوز أن تكون جملة : { وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ } معطوفة على واتبع الذين ظلموا : أي اتبعوا شهواتهم ، وكانوا بذلك الاتباع مجرمين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.